بإعلان صندوق النقد الدولي أمس إضافة العملة الصينية اليوان (رينمبيني) إلى سلة عملات الاحتياطي النقدي التي يستخدمها الصندوق كمعيار للقيمة، بات المشهد في سوق العملات أكثر توازنا.
فضم اليوان إلى حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، والمعروفة اختصارا بـ SDR وأسسـت عـام 1969 ويسمح بمقتضاها للدول الأعضاء بالسحب منها لتحقيق التوازن في المدفوعات، كانت دائما حصرا على أربع عملات دولية هي الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والجنيه الاسترليني البريطاني والين الياباني.
والآن ومع إدخال اليوان إلى تلك المجموعة المختارة من العملات، فإن عديدا من التوقعات تشير إلى أن المشهد الاقتصادي قد يتغير في الصين قبل أن يمتد التغيير ليطول الاقتصاد العالمي.
ويقول لـ"الاقتصادية" تومي ماك جيل رئيس القسم الآسيوي في مجموعة إل. دي للاستثمارات المالية: "انضمام الصين إلى نادي الصفوة الذي أعلن أمس وسيبدأ تنفيذه من العام المقبل، يعكس زيادة فاعلية العملة الصينية في الاقتصاد الكوني، بما يتناسب مع دور الصين في النظام الاقتصادي العالمي، أي أن الجانب المالي للاقتصاد الصيني يتناغم حاليا وعلى المستوى الدولي مع حجم الاقتصاد المادي الملموس للصين وأعني الإنتاج والتجارة، أهمية هذه الخطوة أنها تؤشر على اتجاه الاقتصاد العالمي لمزيد من التوازن، فلم يكن من الممكن أن تكون الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما لا تحظى عملتها بموقع رئيسي بين العملات الدولية".
وأضاف "لهذا الاعتراف أو القبول الدولي تكلفة يجب أن تدفعها الصين. فعلى السلطات المالية الصينية تغير الطريق التي تحدد بها قيمة اليوان، والطريقة التي تتفاعل بها مع كبار المستثمرين وصناديق التحوط في العالم، كما عليها أن تخفض تدخل البنك المركزي في تحديد قيمة العملة الوطنية لأدنى مستوى، والأهم من هذا فتح أسواقها المالية على أن يترافق ذلك مع شفافية تامة".
ويعتقد أغلب المختصين أن المرحلة المقبلة ستكون مشحونة بالمصاعب والتعقيدات الناجمة عن عملية بناء الثقة بين السلطات الصينية - بعد حصولها على هذا الاعتراف الدولي - والمستثمرين سواء المحليين منهم أو الدوليين، وارتباط عملية بناء الثقة بضرورة خفض حدة المخاطر المالية الناجمة عن إدماج اليوان ضمن سلة العملات الدولية، خاصة أن البنك المركزي الصيني عليه الآن أن يتمتع بالدرجة ذاتها من الشفافية والوضوح المالي التي يتمتع بها كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الياباني وبنك إنجلترا. وهنا تحديدا يكمن جوهر التحدي.
وتعلق لـ"الاقتصادية" الدكتورة ليندا براتين أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة بريستول قائلة "قضية الشفافية في الصين قضية شديدة التعقيد، ولديها عديد من الأبعاد السياسية والثقافية المرتبطة بالنظام العام، وليس فقط الجانب الاقتصادي منه، فعلى سبيل المثال عندما قام البنك المركزي الصيني في شهر آب (أغسطس) الماضي بخفض قيمة اليوان، مسببا هزة في البورصة المحلية وخسائر بمئات المليارات من الدولارات، التزم البنك المركزي الصيني الصمت، ولم يعلق على الأحداث، بل أربك المشهد وأثار قلق المستثمرين الدوليين عندما أصدر "إعلان" واكتشف لاحقا أنه قديم سبق أن صدر منذ شهر. ومن ثم فإن اعتراف المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي باليوان عملة دولية، لا يعني أن اليوان سيكون مساويا للدولار في العلاقات الدولية، وأن صناديق التحوط وكبار المستثمرين الدوليين سيقبلون عليه إقبالهم على العملات الرئيسية الأخرى، فعلى الصين أن تغيير ثقافتها وأن تتحلى بمزيد من الشفافية الاقتصادية والمالية".
لكن التحلي بالشفافية عملية طويلة الأمد نسبيا، وستتطلب من المجتمع الدولي أن يتحلى بالصبر في التعامل مع بكين لتصل إلى تلك المرحلة. أم التحدي الفوري فسيكون ضرورة بحث السلطات المالية الصينية عن سبل لكيفية التعامل مع ضغوط السوق، ويمكن أن تؤدي إلى تراجع قيمة اليوان من جراء انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الصين.
ويتوقع معظم المختصين في سوق العملات الدولية أن يشهد اليوان خلال العام المقبل – بعد ارتفاع مؤقت لتحوله لعملة دولية - تراجعا في قيمته بين 3 و5 في المائة، ولا شك أن الطريقة التي سيتفاعل بها البنك المركزي الصيني مع هذا الوضع، ستكون مؤشرا آخر على مدى استعداد بكين للتعامل مع الاعتراف بعملتها الوطنية عملة دولية.
ولكن ما الانعكاسات التي سيواجهها الاقتصاد الدولي نتيجة قرار صندوق النقد بضم اليوان إلى سلة العملات الدولية؟
ربما يكون أكثر المخاوف انتشارا بين الاقتصاديين أن تسهم تلك الخطوة في تراجع الاقتصاد العالمي في الأجل القصير.
ويعلق لـ"الاقتصادية" الباحث الاقتصادي نيل مات قائلا "اليوان تراجع في مواجهة الدولار هذا العام نحو 3 في المائة، وتلك أعلى نسبة لتراجعه منذ عام 2005، والآن ومع حصول العملة الصينية على اعتراف دولي، فإنه من المتوقع أن يزيد الطلب عليها، خاصة من البلدان التي تتمتع بعلاقات اقتصادية مميزة مع الصين مثل البلدان الإفريقية وأمريكا اللاتينية، وزيادة الطلب على العملة الصينية قد ترفع سعرها في مواجهة العملات الدولية الأخرى، ويؤدي بالطبع إلى انخفاض الصادرات الصينية، وسيسهم ذلك حتما في خفض معدلات النمو في الصين ويؤثر سلبا في الاقتصاد العالمي".
لكن وجهة النظر تلك تواجه اعتراضات من مختصين آخرين يعتقدون أنها مرحلة مؤقتة لن تدوم طويلا، وأن تراجع قيمة اليوان قد يسهم في تغير المسار الراهن للاستثمارات الدولية التي تغادر الصين. فوفقا لتقديرات البنك المركزي الصيني فإنه خلال الفترة الممتدة من أوائل عام 2014 ومنتصف عام 2015 غادر الصين ما قيمته 450 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى 300 مليار دولار خلال الربع الثالث من هذا العام، ومع انخفاض قيمة اليوان فإن الصين ستصبح قطبا جاذبا للاستثمارات الدولية مرة أخرى.
لكن أحد أبرز القضايا التي تعد مثار جدل في الأوساط الاقتصادية حاليا، ترتبط بالنسبة التي سيحتلها اليوان ضمن سلة العملات الدولية التابعة لصندوق النقد. فالتوقعات الأولية كانت تشير إلى نحو 15 في المائة، وهي نسبة أعلى من حصة الاسترليني التي تبلغ 11.3 في المائة، والين الذي لا تتجاوز حصته في سلة العملات 9.4 في المائة، لكن عديدا من المختصين يشككون في أن يحظى اليوان بتلك النسبة، إذا سيتم "تخفيف" المعادلة التي تستخدم لحساب نصيب كل عملة داخل السلة، ولا يتوقع أن تتجاوز حصة اليوان 10 في المائة.
ولكن إلى أي مدى سيؤثر قرار دمج العملة الصينية داخل سلة العملات الدولية في الاقتصادات العربية عاما والخليجية خاصة؟
وحول هذا السؤال تجيب لـ"الاقتصادية" الدكتورة باميلا برين الاستشارية السابقة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قائلة "الاقتصادات الخليجية تعتمد على الصناعات النفطية في الأساس، ومع تراجع أسعار النفط تراجعت الميزانيات العامة، وبعض التقديرات تشير إلى أن إيرادات البلدان العربية المصدرة للنفط ستتراجع هذا العام بنحو 360 مليار دولار، ومن ثم تأثير دمج اليوان في سلة العملات الدولية على الاقتصادات العربية سيعتمد على مسار قيمة العملة الصينية، فإذا تراجعت قيمتها فإن الميزان التجاري بين البلدان العربية الخليجية والصين سيصب في مصلحة الاقتصادات الخليجية، لكن في المقابل ستتراجع الاستثمارات الصينية في الخليج لارتفاع التكلفة مقيمة بالعملة الصينية، أما إذا ارتفعت قيمة اليوان فإنه نظريا قد تتراجع الواردات الخليجية من الصين، ولكن نظرا لأن مداخيل البلدان الخليجية من بيع النفط تقيّم بالدولار فإن منطقة الخليج ستظل في وضع نسبي قوي حتى مع ارتفاع اليوان".
اقرأ أيضاً:
اليوم .. صندوق النقد يبتّ حول إدراج “اليوان” في سلة عملاته
اجتماع تاريخي لصندوق النقد الدولي بشأن اليوان الصيني