تقرير بيت الاستثمار العالمي "جلوبل"- الكويت- الموازنة العامة للسعودية في العام 2009- أعلنت المملكة العربية السعودية يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر ديسمبر من العام 2008، الموازنة العامة للسعودية خلال السنة المالية 2009. وقد حققت السعودية، أكبر مُنتج للنفط على مستوى العالم، إيرادات نفطية استثنائية خلال الطفرة النفطية الأخيرة ليقدّر إجمالي الإيرادات النفطية بقيمة 1,100 مليار ريال سعودي (ما يوازي 293.3 مليار دولار أمريكي) في العام 2008 (أي بزيادة سنوية تبلغ نسبتها 71 في المائة عن إجمالي الإيرادات الفعلية المسجّلة في العام 2007) كما حققت فائضا قياسيا بلغ 590 مليار ريال ( 157.3 مليار دولار). وألقى التباطؤ الاقتصادي العالمي الحادّ بظلاله على النصف الأخير من العام 2008، كما أدّى التقلّب الهائل في أسعار النفط إلى تغيير التوّقعات الاقتصادية العالمية على نحو كبير ليؤثّر أيضا على المملكة العربية السعودية التي قدَّرت أن يبلغ العجز المالي في موازنتها العامة 65 مليار ريال سعودي (ما يوازي 17.3 مليار دولار) في العام 2009. ومع ذلك، تستمد المملكة الدعمً من احتياطاتها النفطية التي ترى أنها تكفي لتغطية العجز المتوّقع في موازنة العام 2009.
2008: عام قياسي
كان العام 2008 عاما تاريخيا حيث شهد تغيّرات جذرية في الساحة الاقتصادية العالمية منذ مطلع العام وحتى نهايته. ولذلك، فقد تُؤثّرُ هذه التغيّرات إلى حدّ كبير على التوّقعات الاقتصادية العالمية. ورسم التقرير الأخير للبنك الدولي (لشهر ديسمبر 2008) صورة قاتمة للاقتصاد العالمي في العام 2009؛ حيث توّقع أن يتراجع معدّل النمو الاقتصادي العالمي إلى 0.9 في المائة. وخلال العام 2008، تعرّضت أيضا أسعار النفط لتقلّبات كبيرة، فبعد أن لامست ارتفاعا قياسيا بلغ 147 دولار أمريكي للبرميل في شهر يوليو من العام 2008، أصبحت تتراوح حاليا بين 30 و 40 دولارا للبرميل.
ووقفا لتقرير "سهولة ممارسة أنشطة الأعمال للعام 2009" الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، تحتّل المملكة العربية السعودية المركز 16 عالميا من بين 181 دولة شملها التقرير، والمركز الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستفادت المملكة إلى حد كبير من الارتفاع الأخير في أسعار النفط و قدَّرت أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 1.7 تريليون ريال (ما يعادل 467.5 مليار دولار) بارتفاع تبلغ نسبته 22 في المائة في الناتج الإجمالي الاسمي و4.2 في المائة في الناتج الإجمالي الحقيقي في العام 2008، بالمقارنة مع المسجّل في العام 2007 و البالغ 7.1 في المائة للناتج الإجمالي الاسمي و 3.4 في المائة النمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وأشارت ثمّة تقديرات أوّلية أخرى تُظهر المركز المالي المُشجّع للمملكة إلى انخفاض نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 18.7 في المائة في العام 2007 إلى 13.5 في المائة في العام 2008 ليقفل الدين الحكومي (و هو دين محلي بالكامل) على مستوى 237 مليار ريال( 63.2 مليار دولار) في العام 2008.
إنفاق المملكة سيبقى مستمّرا في العام 2009
على الرغم من هبوط أسعار النفط في الشهور القليلة الماضية، الذي يُساهمُ بأكثر من 85 في المائة من الإيرادات الحكومية، فإن الموازنة السعودية قد أظهرت استمرار التزام المملكة بالتركيز على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وإعطاء الأولوية للمشاريع التي تضْمن تحقيق نمو مستمر ومتوازن بالإضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل وخلق الوظائف.
وبالرغم من أن المملكة تتوّقع تحقيق إيرادات في الموازنة العامة للعام 2009 بنحو 410 مليار ريال (109.3 مليار دولار) والتي تعدّ أقل بنسبة 8.9 في المائة من الإيرادات المقدَّرة في موازنة العام 2008 والبالغة 450 مليار ريال (120.0 مليار دولار)، فإن النفقات قد أظهرت زيادة بنسبة 15.9 في المائة لترتفع من 410 مليار ريال(109.3 مليار دولار) في العام 2008 إلى 475 مليار ريال (126.7
مليار دولار) في العام 2009. لذا، وفقا لتقديرات الموازنة تتوّقع المملكة تسجيل عجز مقداره 65 مليار ريال (17.3 مليار دولار) في العام 2009 بالمقارنة مع فائض مقداره 40 مليار ريال (10.7 مليار دولار) في العام 2008. وتَعْكسُ تقديرات الموازنة الآثار المترتبة لتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي على المملكة العربية السعودية، أكبر مُصدِّر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد على مستوى الشرق الأوسط، غير أن تصريحاتها المتعلّقة بزيادة الإنفاق وتوّقعاتها ببناء احتياطيات هائلة بفضل الطفرة النفطية الأخيرة يعطي الثقة بأنّ الاقتصاد السعودي قادر على إدارة الضغوط الانكماشية العالمية على النحو الملائم. أيضا، من الأهمية بمكان ملاحظة أنّ المملكة العربية السعودية شأنها شأن الدول العربية الأخرى المُنتجة للنفط قد درجت على تقديم تقديرات متحفِّظة للموازنة استنادا إلى انخفاض أسعار الطاقة.
حققت الموازنة التي كان قد أُعلن عن تسجيلها فائضا قدره 40 مليار ريال (10.7 مليار دولار) في العام 2008، نتائج فعلية بلغت 590 مليار ريال (157.3 مليار دولار) مسجّلة زيادة استثنائية تجاوزت 1,300 في المائة عن التقديرات الواردة في الموازنة. و بالإضافة إلى التقديرات المتحفِّظة التي وضعتها الحكومة لأسعار النفط لاحتساب أرقام الموازنة، يعزى الارتفاع الكبير في فائض الموازنة بصفة أساسية إلى الزيادة الاستثنائية في أسعار النفط خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2008. وتبدو تقديرات نفقات الموازنة للعام 2009 البالغة 475 مليار ريال(126.7 مليار دولار) أكثر تحفّظا حيث أن الإنفاق الحكومي الفعلي الذي بلغ 510 مليار ريال (136.0 مليار دولار) في العام 2008 ما زال أعلى بنسبة 7.4 في المائة عن الرقم المقدّر في موازنة العام 2009. وعلى الرغم من أنّ التباطؤ الاقتصادي في جميع أنحاء العالم لا يرسم صورة متفائلة للغاية عن وصول أسعار النفط إلى ارتفاعات قياسية جديدة في المستقبل القريب، فإننا نرى أنّ النتائج الفعلية للعام 2009 قد لا تتمثّل في عجز في الموازنة حيث تشير توّقعاتنا المبدئية إلى تجاوز النتائج أرقام الموازنة بما يؤدي إلى تحويل العجز في الموازنة إلى فائض.
وتعود سياسة إعداد تقديرات متحفِّظة لإيرادات الموازنة إلى حقبة الثمانينيات نتيجة لارتفاع الدين الحكومي، واختلال الموازنة، وبلوغ معدل الفائض أدنى مستوياته. لذا، فبالإضافة إلى كون هذا النهج حكيما، فقد أدّى إلى مفاجئات إيجابية في الأداء الاقتصادي لنهاية العام كما أنّه ساعد الدولة على بناء احتياطيات كبيرة. ويتوّقع أن تستمّر المملكة في إتباع هذا النهج في المستقبل القريب.
الموازنة الرأسمالية ارتفعت ارتفاعا كبيرا
في ظل الإنفاق المتزايد الذي شمل جميع القطاعات، تم تخصيص اعتمادات الموازنة للمشاريع الجديدة كما تم تخصيص اعتماد أكبر للمشاريع القائمة. وأعّدت المملكة موازنة رأسمالية جديدة بلغت قيمتها الإجمالية 225 مليار ريال (60.0 مليار دولار)، بارتفاع بلغت نسبته 36.3 في المائة عن موازنة العام 2008. وكانت الموازنة الرأسمالية للعام 2009 البالغة 47.3 في المائة من إجمالي النفقات المقدّرة في الموازنة مرتفعة نسبيا بالمقارنة مع 40.2 في المائة المسجّلة في العام 2008.
مازال العام 2009 يحمل فرصا كبيرة لتحقيق فائض في الموازنة
استنادا إلى القوى الكامنة التي تتمتع بها المملكة وتوقّعاتنا للاقتصاد السعودي للعام 2009، نحن على ثقة من أنّه على الرغم من أنّ العام المقبل سوف يشهد انكماشا في الاقتصاد السعودي، فإن العجز المالي المَقدّر في الموازنة لديه فرص كبرى لكي يتحوّل إلى فائض. وبالإضافة إلى الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية والتزامها المستمّرين سوف تساعد بعض العوامل مثل الحد من التضّخم، و انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والنظام المصرفي القوي، والطلب الاستهلاكي المحلي، المملكة لمواصلة خطة النمو الاقتصادي الكبير.
وبالتطلع إلى الأمام، توّقعنا ثلاثة سيناريوهات مختلفة للتمويل الحكومي خلال العام المالي المقبل، عام 2009. وعموما، تعدّ جميع سيناريوهاتنا متحفِّظة كما أنّها تأخذ بعين الاعتبار الهبوط الحالي في أسعار النفط ومستويات إنتاجه حسب قرارات منظمة الأوبك. ووفقا لتحليلنا تتراوح تقديراتنا من أسوأ الأحوال المتوّقعة إلى أفضلها؛ حيث نُتوّقع أن يتراوح الإنتاج النفطي السعودي من 7.5 مليون برميل يوميا في أسوأ الأحوال إلى 8.5 مليون برميل يوميا في أفضل الأحوال خلال العام 2009. ونتوّقع أيضا أنّ يتراوح سعر النفط العربي الخفيف من 55 إلى 65 دولارا للبرميل (في أسوأ الأحوال وأفضلها). ولجهة النفقات الإجمالية المتوّقعة في هذا التحليل، فهي تتراوح من 25 في المائة إلى 27 في المائة مقارنة بالنفقات الحكومية المقدّرة في موازنة العام 2009.
لذلك، ووفقا للسيناريوهات الثلاثة المختلفة، نتوّقع أن تسجل المملكة العربية السعودية عجزا في حدود 2.3مليار ريال في أسوأ السيناريوهات احتمالا بينما يمكن أن تسجل فائضا ماليا يتراوح بين 79.5 مليار ريال سعودي إلى 218.7 مليار ريال سعودي في أفضل وأكثر الاحتمالات، على التوالي. ونستخلص من هذه النتائج أنه، بالرغم من أننا واثقون من أنّ المملكة ستكون قادرة على بلوغ أهداف النمو الاقتصادية للعام 2009، إلا أن نمو الاقتصاد السعودي سيشهد تباطأ بالمقارنة مع العام السابق.
© 2008 تقرير مينا(www.menareport.com)