العراق مستقبلا.. النفط مقابل الماء والغذاء والكهرباء!

تاريخ النشر: 21 مايو 2012 - 02:43 GMT
إذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، كما يضيف الباحث، فان التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية بفعل الخطط التركية سوف تكون صعبة ومؤلمة على السكان في مناطق حوض الفرات الأسفل (العراق)
إذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، كما يضيف الباحث، فان التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية بفعل الخطط التركية سوف تكون صعبة ومؤلمة على السكان في مناطق حوض الفرات الأسفل (العراق)

بعد ثلاثة عقود من الزمن تقريبا سوف يتحول العراق الى واحد من أكثر أقطار العالم جفافا، وسوف ينعكس ذلك على محاصيله الزراعية التي عرف بها عبر مئات السنين، كما سيعاني سكانه الذين سيتضاعف عددهم ليس من نقص الغذاء فحسب انما من ندرة الماء الصالح للشرب أيضا. ويمكن القول ببساطة ان بلاد "ما بين النهرين" ستتحول الى بلاد بلا نهرين! هذه ليس نبوءة متشائمة أو ضربا من الحدس المشكوك فيه.

انه حقيقة واقعة يقول بها الخبراء والمختصون، وتؤكدها تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالمياه، وتفضحها السياسات والخطط المائية للدول المحيطة بالعراق. بل ثمة حقيقة أكثر تشاؤما تختصر الزمن الى عقد واحد من السنين. فبعد عشر سنوات فقط سوف يكون على العراق مبادلة نفطه بالماء الصالح للشرب لتأمين حاجة سكانه من هذه المادة الحيوية، وعليه أيضا أن يبادل نفطه بالمحاصيل الزراعية التي توفرها السوق العالمية كي يؤمن الغذاء لسكانه الذين لن يجدوا ما يكفيهم، في الوقت نفسه ستكبر وتتسع مساحات الاراضي التي يصيبها الجفاف جراء ما يفعله الجيران! هذا ما تقوله دراسة علمية أعدها الخبير البريطاني في شؤون المياه بيتر بياومونت، الأستاذ في جامعة ويلز، وبحث فيها ما يمكن أن تؤدي اليه خطط ادارة المياه الحالية في الأقطار الواقعة على حوضي دجلة والفرات، بخاصة تلك المشاريع التي نفذتها تركيا على ضفاف النهرين، التي، كما يقول الباحث، ضمنت للأتراك السيطرة الكاملة على معظم مياه الفرات، وبقدر أقل نسبيا على مياه دجلة، ويؤكد بياومونت ايضا أن التغييرات التي أحدثتها تلك المشاريع على حوضي النهرين سوف تكون لها نتائج كارثية على اقتصاديات الدول الأخرى المتشاطئة، إذْ ستنخفض كمية المياه المطلوبة للإرواء في العراق وسوريا، ومن هنا تكون تركيا التي تصرفت من دون التفاهم معهما قد تسببت في مشكلة مائية مستعصية لهما على المدى الطويل. ولفت الباحث النظر الى أن منطقة أسفل الفرات (العراق) كانت هي الأكثر إدراكا لمسألة المياه قبل أكثر من ستة آلاف سنة وحتى القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

وقد تعددت طرق وأساليب تنظيم المياه آنذاك بين شق أنهار صغيرة وقنوات لخزن المياه موسميا الى إنجاز مشاريع هندسية عملاقة بمقياس ذلك الزمان، ويورد الباحث (قناة النهروان) مثالا عن ذلك.

لسوء حظ العراقيين ان الدول، التي تعاقبت على حكم العراق، لم تعط الاهتمام الكافي لهذه المسألة الحيوية، ولم تفكر في أبعادها المستقبلية على عكس تركيا، التي يقول الباحث انها استغلت موقعها الجغرافي الذي أتاح لها التحكم بمنابع الرافدين زاعمة أن النهرين "تركيان عابران للحدود" وأن من حقها أن تتصرف بمياههما كيفما شاءت، مخالفة بذلك القانون الدولي الذي يحدد كيفية إدارة الأنهار الدولية ومتجاهلة حقوق الجيران والعراق على وجه الخصوص، وقد شرعت في إحداث تحول في غاية الأهمية عبر تنفيذ استراتيجية تهدف الى الحصول على أعلى إنتاجية من مياه النهرين، وحصد العراق جراء ذلك أكبر قدر من الضرر، وكانت ردة فعله دعوات خجولة الى التفاوض والتنسيق، اذ ليست لديه خطة واضحة لمواجهة المشكلة كما لم يمارس جهدا دبلوماسيا ضاغطا لإلزام تركيا باحترام حقوقه، ولذلك لم تأبه تركيا له بل واصلت تنفيذ مشاريعها المائية وحتى ما كانت تخصصه من المياه كحصة للعراق كان شكلا من أشكال "الصدقات" تقرره دوافع السياسات الاقليمية والدولية، التي تشكل ورقة المياه واحدة من أوراقها الرابحة.

ويوضح الباحث أن تركيا وضعت في حساباتها الاستراتيجية تحقيق مكسبين هامين هما توفير طاقة كهربائية هايدروليكية لعموم المناطق التركية المحتاجة لها وتصدير الفائض الى الجيران (هل يبادل العراق نفطه هذه المرة بالكهرباء بعد أن اختفت مليارات الدولارات المرصودة لمشاريع الكهرباء؟)، والهدف الثاني تطوير النشاط الاقتصادي – الزراعي في مناطق أعالي الفرات وزيادة الانتاجية الزراعية (وتصدير ما يفيض الى العراق طبعا بعد أن أوشك الجفاف ان يزحف الى أراضيه التي كانت منتوجاتها تكفي وتفيض)! تتألف الخطة التركية من (22) سدا و(19) محطة كهربائية ومشاريع أخرى ملحقة بها تشمل قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات وتتيح إمكانية خزن كميات كبيرة من المياه بحيث يصبح الخزين مع استكمال مشروعي (الغاب) و(أورفه) أكثر من التدفق السنوي للنهرين داخل حدودها، وينعكس ذلك على كمية المياه، التي تصل الى العراق ولن تكون كافية للإيفاء بالاحتياجات المائية الضرورية لسكانه كما ستسبب نقصا حادا من الصعب تداركه ما لم يعمد العراق الى تبني إستراتيجية تضمن له الحصول على حقوقه.

وإذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، كما يضيف الباحث، فان التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية بفعل الخطط التركية سوف تكون صعبة ومؤلمة على السكان في مناطق حوض الفرات الأسفل (العراق) الذين سوف يكون عليهم الكفاح الشاق من أجل القدرة على البقاء والحياة في مستوى مناسب، وقد بدأ الجفاف يعم الأراضي التي كانوا يزرعونها بعكس سكان أعالي حوض النهر (تركيا) الذين سيحظون بحياة أفضل بفضل الفرص الاقتصادية التي سوف تتاح لهم مع اتساع مساحة الأراضي المروية، التي لم تزرع في السابق.

وستكون نوعية الماء المتوفر لديهم أعلى بكثير من نوعية الماء الشحيح الذي قد يصل الى أسفل الفرات! ويخلص الى القول ان على العراق الاستعداد لمواجهة التغييرات المتوقعة على صعيد مياهه، التي باتت تطل بعنقها اليوم، لكنه يشير الى أن العراق ربما يكون محظوظا بملكيته لخزين نفطي ضخم يجعله قادرا بعد عشر سنوات على مبادلة نفطه بالماء لإرواء سكانه وللحصول على المحاصيل الزراعية التي يحتاجونها!

 عبد اللطيف السعدون