بقلم إسراء عبيدات
بالرغم من الترحيب والتحذير التي لاقته بعض الدول الخليجية بشأن عملية "التوطين"، تواصل هذه الدول على إحلال مواطنيها مكان العمالة الوافدة محاولةً القضاء على البطالة التي بدأت بالتفشي، الى جانب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم أجمع.
الترحيب أتى من باب ضرورة قيام المواطن الخليجي بعمل يخدم بلده وتحميله المسؤولية المباشرة في تطوير دولته.فيما يأتي التحذير خوفاً من قلة أو انعدام كفاءة هذا المواطن في مجالات معينة كانت تعتبر من اختصاص العمالة الوافدة الملمة بجميع متطلبات هذه المجالات.
بدأت عملية "التوطين" حين أدركت الحكومات الخليجية حاجتها للانتقال من الاقتصاد المعتمد على المواد الهيدروكربونية إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، فبذلت جهوداً كبيرة لزيادة التحصيل العلمي والتدريب المهني للحدّ من عدم توافق المهارات بين القوى العاملة الوطنية وسوق العمل. وشرعت الحكومات في تنفيذ برامج "توطين"التي تهدف إلى دفع مواطنيها للعمل في القطاع الخاص، محددةً حصة من اليد العاملة المحلية في كل شركة والاستثمار في تدريب الخريجين وإعطاء حوافز للشركات الخاصة التي تقوم بتوظيف المواطنين. (1)
السعودية
كانت السعودية من أول الدول الخليجية التي بدأت عملت التوطين حيث استعانت بمنظمة العمل الدولية لمساعدة المملكة في وضع الخطة الاستراتيجية، والسعي لإنشاء لجان عمالية في كل شركة داخل المملكة على غرار النقابات العمالية. (2)
و بدأت وزارة العمل السعودية في تنفيذ قرار توطين وظائف قطاع التجزئة، في سبتمبر/أيلول الماضي، في 4 أنشطة، من أصل 12 نشاطاً اقتصادياً في القطاع، وشمل آنذاك منافذ البيع في أنشطة محلات السيارات والدراجات النارية، والملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، والأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، والأواني المنزلية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وطّنت وزارة العمل 3 أنشطة شملت محلات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، الساعات، والنظارات.
ومن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية للتوسع في "السعودة" حصر العمل في عشرات المهن والحرف في عدد من القطاعات المهمة بالسعوديين من دون غيرهم من الجنسيات. (3)
الإمارات
حازت عملية التوطين ترحيباً في الإمارات أيضًا حيث تعتبر من أهم مؤشرات الأداء الرئيسية لتحقيق رؤية الإمارات 2021، حيث تطمح دولة الإمارات إلى مضاعفة عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 10 أضعاف الرقم الحالي بحلول عام 2021.
و لغرض سد الفجوة الهيكلية التي يتميز بها سوق العمل الإماراتي من حيث غلبة القوى العاملة الوافدة على المحلية، وتمركز أغلب المواطنين في القطاع الحكومي وعزوفهم عن العمل في القطاع الخاص، أطلقت الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات مبادرة التوطين لزيادة انخراط المواطنين الإماراتيين في القطاع الخاص. وقد أولت أهمية كبيرة لخلق فرص وظيفية لهم من خلال توفير ما يلزم من برامج الإرشاد والتوجيه المهني والتدريب والتطوير، حيث تقام معارض "توظيف" في إمارات مختلفة بهدف تعريف المواطنين على فرص عمل عدة في مجالات مختلفة في القطاع الخاص .
كما أصدرت مجموعة من القرارات تلزم مؤسسات في قطاعات محددة كالقطاع المصرفي وقطاع التأمين، بتوظيف الكوادر المواطنة بمعدلات سنوية تصل إلى 4%. بالإضافة إلى تحفيز الشركات والمؤسسات الخاصة على المشاركة في عملية التوطين، من خلال تحمّل الدولة جزءاً من المكافآت الشهرية التي يحصل عليها المواطنون العاملون في تلك المؤسسات، بالإضافة إلى تحمّل تكاليف التدريب المقدمة للموظف المواطن.( 4)
ومن الجدير بالذكر أنه تم توظيف 6862 مواطناً في عام 2017، بزيادة 22% على عام 2016، وخلال الربع الأول من العام الماضي زادت نسبة التوطين 101% مقارنة بالربع الأول من العام 2017، حيث ارتفع أعداد توظيف المواطنين من 2746 إلى 5531. (5)
الكويت
تهدف دولة الكويت أيضاً إلى إنهاء عمالة الوافدين في بعض الوظائف الحكومية بحسب التخصص، وذلك ضمن خطة التكوين الحكومية الجديدة.
وتنوي الكويت تحقيق ذلك بشكل تدريجي، بحيث يكون العاملون بنسبة 100% من الكويتيين بحلول سنة 2022. (6)، حيث بدأت الكويت المرحلة الأولى من التوطين في شهر أيلول/سبتمبر 2017 بإصدار قرار يقضي بإحلال الكويتيين مكان الوافدين في الوظائف الحكومية، خلال الـ5 سنوات القادمة.
وكانت نتائج تطبيق سياسة الإحلال بكل الجهات الحكومية للسنة المالية 2017-2018، أظهرت بلوغ إجمالي أعداد الكويتيين في الجهات الحكومية 244.1 ألف موظف، مقابل 44.6 ألف موظف أجنبي، مؤكدةً استمرار دراسة سیاسة الإحلال في الجهات الحكومية لمدة أربع سنوات مقبلة. (7).
وقد أكد اقتصاديون أن الكويت أنجزت مراحل متقدمة لمعالجة الضغوط على ميزان المدفوعات بتقليص أعداد العمالة الوافدة وتعويضها بعمالة محلية للحد من نزيف التحويلات المالية للخارج،حيث أن تحويلات الوافدين للخارج تمثل نزيفا للأموال وضغطاً على ميزان المدفوعات في الكويت ودول الخليج عموماً، خاصة مع انخفاض أسعار النفط. فقد يبلغ إجمالي تحويلات الوافدين في الكويت 15.3 مليار دولار سنوياً مكوناً نسبة 13.8 بالمئة من الناتج المحلي بالأسعار الجارية. (8)
وبالرغم من التكلفة العالية لتوطين الوظائف (3.3 مليارات دولار سنوياً) ، وبلغت نسبة توطين الوظائف في القطاع العام الكويتي نحو 68%، مقابل 32% من العمالة الوافدة والتي يقدّر تعدادها بنحو 85 ألف موظف، وفق بيانات مجلس الخدمة المدنية الكويتي المنشورة في ديسمبر الماضي.
من الجدير بالذكر أنه يعيش في الكويت نحو 4 ملايين نسمة بينهم 2.8 مليون وافد أجنبي مقابل 1.2 مليون كويتي، وتريد الحكومة تعديل التركيبة السكانية لتصبح عكس ما هي عليه حاليًا. (9)
البحرين
بدأت مملكة البحرين المرحلة الأولى من التوطين عام 2016 باعتماد سلسلة من الخطوات للمحافظة على معدّلات البطالة في البحرين في الحدود الطبيعية المتعارف عليها دولياً. (10)
وكان اعتماد مشروع "توظيف وتأهيل 15 ألف بحريني" واحداً من أهم الخطوات؛ حيث شكّل هذا المشروع المرحلة الثانية من "مشروع توظيف وتأهيل البحرينيين 2"، الذي استهدف توظيف وتأهيل 10 آلاف مواطن، وحقّق نتائج إيجابية مشجّعة، وفق ما نشرته وكالة الأنباء البحرينية.
انتهجت الحكومة سياسة جديدة في عمليات التوظيف عبر تنظيم معارض التوظيف المتخصّصة، والتي تستهدف توفير فرص نوعية، ووظائف ذات جودة وقيمة مضافة، وذات مردود مالي مجزٍ؛ لتحقيق الاستقرار الوظيفي للعامل البحريني.وقد ساهمت هذه المعارض إلى بلوغ العدد الإجمالي للموظفين البحرينيين 22 ألفاً و117 موظفاً خلال العام 2016، وبلغت نسبة توظيف الإناث 37%، مقارنة بـ 25% في العام 2015، بحسب الوزير البحريني.
قطر
وتسعى قطر أيضًا، وهي أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى الحد من الاعتماد على الواردات، وزيادة الإنتاج المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، في ظل المقاطعة التي تواجهها الدوحة من عدة دول عربية.(11)
إلَا أن قطر تواجه 4 عوامل تؤثر على سرعة عملية توطين الوظائف بالقطاع الخاص، أو ما يطلق عليه عملية (التقطير). تشمل هذه العوامل: حوافز جذب القطريين للقطاع الخاص، والمؤهلات والمهارات المطلوبة في الوظائف المراد تقطيرها، وسياسة إدارة الشركات الخاصة لتطبيق التقطير، وسياسات الدولة لتوطين الوظائف. (12)
وقد حددت الدولة نسب توظيف المواطنين في بعض القطاعات كالبنوك والتأمين، إلا أن تلك القطاعات تواجه صعوبات في استقطاب القطريين للعمل فيها، كما أن نقص خبرة الشباب حديثي التخرج لا يعود بأثر إيجابي سريع على الشركات.
عمان
اعتمدت سلطنة عُمان نهج باقي دول الخليج في توطين الوظائف عن طريق تدخل الحكومة المباشر في التوظيف ،حيث بلغت نسبة عملية توطين الوظائف في السلطنة حتى العام الماضي 35.1% في القطاع السياحي و 23% في القطاع الصناعي و14.1% في القطاع اللوجستي فيما وصل عدد العمانيين المشتغلين في قطاع الإنشاءات نحو 54819. (13)
التحديات
صرحت وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية أن سياسات توطين الوظائف في دول الخليج تساهم في حلّ مشكلة البطالة وتوفير مزيد من الوظائف للمواطنين في ظل الزيادة السكانية السريعة، لكنها قد تؤدي إلى زيادة كلفة اليد العاملة، وتعوق تنويع الموارد البشرية.
ومن الصعوبات التي تواجه هذه الحملة، تمثيل العاملون الأجانب لأكثر من 80 في المئة من قوة العمل في القطاع الخاص في عدد من الدول الخليجية، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً منهم يشغلون مناصب رئيسية في إدارة الشركات الوطنية في مجالات مهمة كالطيران والعقارات والخدمات المالية وقطاع الإعلام.( 1)
وبالرغم من الجهود المتواصلة من قبل حكومات الدول الخليجية في صقل الكوادر المحلية وتطوير مهارات شعوبها، ما زالت الشركات والمؤسسات تعاني من قلة أو انعدام كفاءة بعض المرشحين المواطنين في مجالات معينة.
أؤمن بأنه لا يمكن للدول الاستغناء عن العمالة الأجنبية،إلا أن تجاوزهم نصف عدد السكان يشكل خطرا أمنياً واجتماعيًا وثقافيًا واقتصادياً. لذلك يجب أن تدرك الدول الخليجية أن الاعتماد الكلي على العمالة الوافدة عواقبه وخيمة، لأنه برحيلها ستزول المعرفة والمهارات مما سيؤدي إلى تراجع الدول في جميع المجالات.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر وآراء شركة البوابة أو الشركات التابعة لها.
المصادر:
1 موقع الحياة
2 العربية
3 العربي الجديد
4 www.government.ae
5 الإمارات اليوم
6 صدى الإلكترونية
7 arabic.cnn
8 العرب
9إرم نيوز
10 alkhaleejonline
11 arabic.cn
12 gulf.argam
13الوطن