دق خبراء الاقتصاد المشاركون في مجالس الأجندة العالمية التي انعقدت في دبي منتصف الأسبوع الماضي ناقوس الخطر حول مشكلة البطالة التي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات العربية، خصوصاً ذات الكثافة السكانية الكبيرة. وحظيت أزمة البطالة التي يعيشها شباب العرب بنقاشات واسعة ومستفيضة من قبل خبراء القمة.
وأكد الخبراء الاقتصاديون الذين استطلعت «الرؤية الاقتصادية» آراءهم حول الموضوع على هامش الأجندة أن البطالة لا تزال تشكل الشغل الشاغل للحكومات العربية خصوصاً أنها تمس فئة الشباب الذين يشكلون قرابة 70 في المئة من سكان الوطن العربي، وبينوا أن كل السياسات المتخذة أثبتت فشلها ولم تحقق النتائج المرجوة منها.
وكانت دراسة صادرة من قبل البنك الدولي خلال العام 2011 أشارت إلى حاجة العرب إلى خلق 100 مليون وظيفة جديدة لإبقاء نسب البطالة عند مستوياتها الحالية فقط. وأعطى التقرير أرقاماً عن وضع البطالة في الدول العربية إذ تراوحت ما بين 25 و30 في المئة معتبراً إياها الأعلى عالمياً.
وحسب تقرير منظمة العمل العربية، بلغ عدد العاطلين عن العمل عربياً خلال العام الماضي 15 مليون شخص، مع توقعات بمزيد من الارتفاعات بسبب ما يعرف بالربيع العربي.
وقفزت البطالة في تونس من 13 في المئة عام 2010 لتبلغ خلال العام الجاري 18.9 في المئة، وفي اليمن تتراوح نسبة البطالة ما بين 35 و45 في المئة، بحسب تقرير المنظمة.
وكان تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في النصف الأول من العام الجاري، ذكر أن معدل البطاقة في مصر ارتفع من 8.9 في المئة عام 2010 إلى 11.9 في العام الماضي، ليبلغ 12.4 في المئة العام الجاري. أما بقية الدول العربية فتشهد نسبة متباينة من دولة إلى أخرى كلبنان في حدود 9 في المئة والجزائر أقل من 10 في المئة وفقاً للمنظمة العربية للعمل دائماً.
أهم مشاكل إعاقة النمو
ويرى الخبير الاقتصادي ناصر السعيدي أن البطالة وخصوصاً لدى الشباب تعد أهم مشكلة اقتصادية تواجه دول الوطن العربي، وأهم معضلة تعترض السياسات الاقتصادية والمالية في المنطقة، لذا يجب تركيز الجهود على جميع الصعد لمعالجة هذا الموضوع، بما معناه أن نسخر الجهود السياسية والاقتصادية والمالية وأيضاً المالية لتحسين فرص العمل وخلق الوظائف.
وأفاد السعيدي أن البطالة زادت في الدول التي تواجه تغيراً في نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي مثل مصر وليبيا وتونس واليمن، ومن الواضح أيضاً أنه خلال عامي 2012 و2013 الخطط المسطرة من قبل الحكومات لا تؤدي إلى تحسين العمل وإيجاد الحلول للبطالة التي ترهق كاهل هذه الدول.
وأوضح أن الوقت قد حان للتفكير في حل الأزمة خصوصاً أن عدد السكان في ازدياد، مفيداً أن أزمة العمل لم تصبح عربية فقط بل أصبحت عالمية ونسبة البطالة على سبيل المثال في دول كإسبانيا وإيطاليا واليونان تفوق 40 في المئة من إجمالي عدد السكان.
وتابع «اليوم 150 مليون شخص يتجهون إلى سوق العمل سنوياً على مستوى العالم، وفي الوطن العربي يبلغ عددهم نحو 15 مليوناً معظمهم شباب. والسؤال المطروح هو هل نقوم نحن بجهود تمكننا من مواجهة هذه المشكلة؟».
وأضاف السعيدي «في العام الماضي وخلال الجاري أيضاً، معظم البلدان العربية زادت الأجور والنفقات والعطاءات الاجتماعية وزادت الدعم الذي تقدمه لبعض السلع الطاقوية والغذاء، لكن هل هذه الزيادات ساهمت في حل المشكلة، الجواب هو النفي. والسؤال الذي يطرح أيضاً هو لماذا لم توجه هذه الزيادات إلى قطاعات معينة لخلق فرص العمل؟.
ويطالب الخبير الاقتصادي بضرورة تغيير جذري للسياسة الاقتصادية والتركيز على الاستثمار في البنية التحتية واللوجستية حيث بإمكانهما خلق فرص للعمل وهو ما تم تناوله في جلسات المنتدى بالتفصيل.
ويلخص السعيدي مشكلة البطالة التي يعانيها شباب العرب في سببين هما نسبة البطالة المرتفعة والمزمنة، وهيكلية اقتصادات الدول العربية.
وبيّن أن الأحداث الطارئة التي حدثت في العالم فاقمت الوضع أكثر كالأزمة المالية العالمية وأحداث الربيع العربي، مشيراً إلى ضرورة إحداث إصلاحات اقتصادية لمواجهة المشاكل الآنية والسابقة.
أما عن الإجراءات الواجب اتخاذها للحد من البطالة فيرى أن التركيز ينبغي أن ينصب على ضرورة خلق فرص العمل في القطاع الخاص، ففي العامين الأخيرين كانت الجهود منصبة على القطاع العام، وهذا يؤدي إلى مشكلة للخاص لأن الأول يرفع من تكلفة اليد العاملة لمواجهة الاضطرابات التي قد تهدده، بينما المطلوب هو تشجيع ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لسد الفجوة وتقليص الأزمة.
وكان تقرير محلي صدر منذ بضعة أيام أشار إلى أن القطاع الخاص في الدولة لا يوظف إلا نسبة قليلة من المواطنين مقارنة بالعام، وفسر السعيدي ذلك بأن القطاع العام يقدم أجوراً وحوافز لا تتوفر في الخاص، فعدد ساعات العمل أقل والعطاءات أعلى. فلمَ سيفضل المواطن الذهاب إلى الخاص وترك العام؟ يتساءل الخبير.
ولردم هذه الفجوة يطالب بضرورة إيلاء البرامج التعليمية اهتماماً كبيراً إذ يجب أن يكون هناك برنامج تدريب يتوجه لفئة الشباب غير الجامعيين مثلاً. فعلى سبيل المثال، في ألمانيا برامج تدريب على مستوى المدارس للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16و15 عاماً ويمتد هذا البرنامج إلى الجامعة، إذ يوفرون فرص تدريب في الشركات لمدة ستة أشهر، وهذا البرنامج مدعوم من قبل الدولة وغالبية دول شمال أوروبا تطبقه. لذا يجب علينا نحن أيضاً أن نعيد هيكلة البرامج التربوية بما يتماشى مع العصر بحيث يصبح الشاب مؤهلاً لسوق العمل قبل التخرج.
وحول دور قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة فيرى السعيدي أنه يعاني مشاكل جمة منها تكلفة العمل العالية وشح التمويل وصعوبة الحصول عليه، كما يعاني مشكلة المبيعات وبخاصة للدولة، فالحكومات العربية تفضل الشراء من المؤسسات والشركات الكبيرة بدلاً من أصحاب الشركات الصغيرة.
تفاقم مشكلة قديمة
من جانبه قال البروفيسور في مدرسة لي كيوان كوان لسياسات العامة في سنغافورة ياسر جرار إن «البطالة ليست بالأمر الجديد في الوطن العربي، لكن يمكن القول إن الموضوع اتخذ أبعاداً حقيقية وصار الاهتمام به أكبر عندما تم إطلاق صافرة الإنذار من دبي في العام 2002 أثناء انعقاد اجتماع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث اطلقوا التقرير المشهور الداعي إلى خلق 100 مليون وظيفة عمل بحلول العام 2020».
وأضاف جرار «إذا أردنا تقييم الخطوات المنجزة لحد الآن من قبل الحكومات العربية فنجد أن الإجراءات المتخذة غير مناسبة ولا تليق بحجم الأزمة، كتحرير القطاع الخاص وتشجيع رواد الأعمال لدعم وإيجاد وظائف جديدة».
وأردف أن الدول العربية ظلت تعمل بالسياسة القديمة نفسها المتمثلة في خلق وظائف في القطاع العام الذي يوظف نحو 60 في المئة من اليد العاملة عربياً، وقد يصل إلى 70 في المئة كما في ليبيا مثلاً، مضيفاً «من المستحيل أن تحافظ على هذه النسبة من قبل القطاع العام، وطيلة العشر سنوات الماضية لم نر إجراءات تتخذ للحد من البطالة على الرغم من أن المشكلة معروفة والحلول أيضاً».
وتابع «إن العالم العربي يجب عليه خلق وظائف من خلال تحرير الاقتصاد وتشجيع ريادة الأعمال ومنح القروض والتسهيلات المالية وتحسين الضرائب»، موضحاً أن الحلول موجودة لكن الرغبة في العمل غير موجودة.
وبين جرار أن العامين الماضيين شهدا ردود فعل من قبل الحكومات العربية لمعالجة المشكلة وخلق فرص العمل، لكن هذه الحركة كانت آنية وظرفية وهي بمثابة ضمادة للجرح ليس إلا.
وأشار إلى أن دور الحكومات في الوقت الراهن يتمثل في رفع المعاشات والتوظيف في القطاع العام، لكن الحلول الرئيسة تتمثل في إعادة هيكلة القطاع الخاص وتحسين آلية منح القروض من قبل البنوك لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال.
وأوضح أن هناك نقطة مهمة لا يجب التغاضي عنها وهي إعادة هيكلة التعليم لتخريج طلاب يتمتعون بمعارف ضرورية وإرادة قوية للعمل، وكل هذه الحلول تحتاج من خمس إلى عشر سنوات لإعطاء نتائجها، مبيناً أن الحكومات في مأزق وهي بحاجة إلى حلول قصيرة وطويلة الأمد للقضاء على الظاهرة.
وشدد جرار على أهمية قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يعتمد على عدة عوامل وهي وجود مجموعة كبيرة من الشباب، وعندنا في الوطن العربي الشباب يشكل نسبة كبيرة من السكان بالإضافة إلى توافر طاقة إيجابية من شباب العرب.
وقال «نحن مرتاحون من كمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي بدأت تخرج بأسماء شباب وشابات عربيات، لكن من ناحية التسهيلات لا تزال هناك مشاكل جمة مثل القروض فهي لا تزال صعبة وشبه مستحيلة والبنوك غير مهتمة بمساعدة هذا القطاع؛ وثانياً الأسواق وتشجيع الأعمال الصغيرة والمتوسطة ولغاية الآن لم نصل إلى ذلك».
وأعطى جرار مثلاً على تشجيع رواد الأعمال بالرئيس الأمريكي أوباما، فلمّا أطلق أجندة العمل شجع الحكومة الأمريكية على الشراء من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ونحن لم نصل إلى هذه المرحلة.
وزاد «الشباب موجودون والطاقات أيضاً، لكن الدور الآن على الحكومات التي يجب عليها أن تهيأ المناخ المناسب عن طريق تشجيع البنوك على منح القروض، وتسطير سياسات واجراءات فعالة تسهم على الأقل في إشغال جزء من الوظائف وتقليص الفجوة».
وثمن جرار المشاريع الصغيرة العربية التي تظهر بين الفينة والأخرى مثل مشروع ومضة وقرطبة، موضحاً أن 72 في المئة من المحتوى العربي على الإنترنت مصدره شركات تكنولوجية صغيرة من الأدرن. وأضاف «رأينا رأسمالاً مغامر يدخل مع هذه الشركات حتى في مصر، وهذه بوادر إيجابية بدأت تظهر في الوطن العربي، لكن التجارب الناجحة صغيرة ومحدودة وغير كافية لتواجه 100 مليون وظيفة يحتاجها العالم العربي خلال 2020».
وأردف أن المطلوب هو أن تقوم الحكومات بخلق مناخ كامل مناسب لتشجيع هذه الصناعات.
وعلى صعيد آخر، أكد البروفيسور في مدرسة لي كيوان كوان لسياسات العامة في سنغافورة أن المدارس والجامعات العربية غير كافية وغير مؤهلة لتأهيل الشباب وإعطائهم المهارات اللازمة للمشاركة في خلق فرص العمل والوظائف، كما أنه في غالبية الجامعات العربية لا توجد حاضنات الأعمال، لذا أتصور أن من الضروري إعادة هيكلة قطاع التعليم من الألف إلى الياء وليس فقط إصلاحات جزئية.
وأوضح أن الأزمة المالية خلقت تنافساً في سوق العمل بعد الهجمة التي تعرض لها السوق من قبل اليد العاملة الإسبانية المؤهلة جداً بل حتى اليونان، وهذا مفيد للشركات لكن يضغط على سوق العمل ويقلل من الفرص.
تأخر الحل يفاقم الوضع
وقال الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الخبراء في المنتدى الاقتصادي العالمي أرسلان شيخاوي «مشكلة البطالة في الوطن العربي عويصة وسأتحدث عن الأزمة في منطقة شمال أفريقيا من المغرب الأقصى لغاية مصر، حيث يجب على هذه الدول خلق ما يقارب 18 مليون وظيفة عمل على المدى القصير أي من عامين إلى خمسةأعوام».
ويرى شيخاوي أن أي تأخير في تحقيق هذا الرقم سيدفع المنطقة إلى مواجهة ضغوط اجتماعية كبيرة، لاسيما من فئة الشباب الجامعيين وهي الفئة التي تعاني كثيراً من فقدان مناصب العمل. وأوضح أن هذا الضغط لن تقتصر آثاره على الأبعاد الاجتماعية فقط بل تمتد إلى السياسة والاقتصاد وباقي مناحي الحياة. وتابع، حتى في باقي الدول العربية إذا لم تخلق الوظائف فستواجه المزيد من المتاعب، لذلك نقول دائماً المشكلة كبيرة وحلها صعب لكن غير مستحيل. وألقى شيخاوي المسؤولية الكبرى على القطاع الخاص باعتباره القطاع المدر للمناصب والوظائف عالمياً فلماذا يعجز عن ذلك عربياً؟
ويجيب الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الخبراء في المنتدى الاقتصادي العالمي، أن من بين أهم الأسباب والمعوقات نجد البيروقراطية في مقدمة العوائق أمام القطاع الخاص، بالإضافة إلى مشكلة التمويل والقروض البنكية وغيرها من الصعوبات التي تحد من فاعلية القطاع ومدى مساهمته في توفير المناصب وتحقيق القيمة المضافة للاقتصادات العربية.
وأكد ان القطاع الخاص يجب أن يسند له الدور الأكبر ليس في محاربة البطالة فحسب بل في جميع مجالات الاقتصاد، موضحاً أن القطاع الخاص إذا ما توفرت له شروط المنافسة وترك للعمل بحرية ودون عراقيل مصطنعة فسيتكيف مع الواقع ويحقق إنجازات اقتصادية باهرة تسهم بشكل فعال في محاربة البطالة.
وحول دور قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في تقليص البطالة، أفاد شيخاوي أن القطاع وحده لا يقدر ويجب أن تكون له المساعدة من قبل شركات القطاع الخاص الذي يجب أن يسهم بنسبة 70 في المئة في خلق مناصب العمل.
حوافز إماراتية لرواد المشاريع الصغيرة
ترى عضو القيادات العالمية أمل أحمد المطوع أن دولة الإمارات تركز كثيراً على المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال سلسلة الحوافز المقدمة لأصحابها.
وأوضحت المطوع أن من خلال هذا الدعم نمكن رواد المشاريع من تطوير أعمالهم وخلق فرص العمل لغيرهم من الشباب، وبهذا تسهم المؤسسات الصغيرة في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد.
وأشارت إلى المؤسسات التي خلقتها الدولة للاهتمام بالشباب كصندوق خليفة ومؤسسة محمد بن راشد لدعم المشاريع وبرنامج إنجاز الذي أشرفت فيه على فريق عمل مكون من 13 شخصاً تمكنوا من تحقيق نتائج مشرفة عربياً.
وأكدت أن الإمارات تشجع على العمل في القطاع الخاص بدليل التحفيزات المقدمة منذ عدة سنوات وليست وليدة اليوم. وأنا على سبيل المثال بدأت في هذا القطاع ومن ثم اتجهت إلى العام.

حظيت أزمة البطالة التي يعيشها شباب العرب بنقاشات واسعة ومستفيضة من قبل خبراء القمة