بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) – الكويت – الإستراتيجية الاقتصادية والرؤية المستقبلية - لبنان – نبذه عن الاقتصاد الكلي -إن الاقتصاد اللبناني يتمتع بروح المنافسة ونظام حرية السوق ويتميز بمبادرة قوية ومميزة في التقاليد التجارية. ومن أبرز ملامحه توجهه نحو الخدمات، ومن القطاعات التي تشهد نموا ملحوظا قطاعي الأعمال المصرفية والسياحة. ولا توجد قيود على تحويل العملات الأجنبية أو على حركة رؤوس الأموال أو الاستثمار الأجنبي، وتطبق مبادئ السرية المصرفية بشكل حازم. يستفيد لبنان واقتصاده من مواطنيه المقيمين في دول المهجر في مجموعات كبيرة تحافظ على روابطها وتماسكها مع الوطن الأم ويميل أفرادها عموما إلى ممارسة التجارة والأعمال الحرة.
وخلال الأعوام الست الماضية، شه الناتج المحلي الإجمالي في لبنان نموا بطيئا ، بلغ خلالها معدل النمو السنوي المركب للناتج المحلي الإجمالي 5.1 في المائة. ويعزى هذا التباطؤ إلى التوتر السياسي والتضخم والعجز في ميزان التجارة وتراجع السياحة، وما ترتب على هذه العوامل من أثر سلبي على الطلب المحلي. ساهم غياب الاستقرار السياسي على مدى السنوات القليلة الماضية في تدمير البنية الاقتصادية الأساسية، الأمر الذي جمّد مبادرات السوق الرأسمالية وتدفقات رؤوس الأموال إلى لبنان. إلا أن الأمور تتغير نحو الأحسن، حيث من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 24.6 مليار دولار للعام 2008 ويتوقع المراقبون أن ينمو هذا الناتج بنسبة 5 في المائة في العام 2009.
بالنسبة للمستقبل، تجمع التقديرات على أن الاقتصاد اللبناني سجل نموّا حقيقيا محدودا بلغ 1.5 في المائة خلال العام 2007 وحقق ناتجا محليا إجماليا بلغ 29.0 تريليون ليرة لبنانية (19.3 مليار دولار)، إلا أن هذا الرقم لا يزال أقل من الرقم القياسي الذي سجله الاقتصاد في العام 2005. كما يقدر معدل النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.4 في المائة في العام 2007 ليصل إلى 34.7 تريليون ليرة لبنانية. (23.0 مليار دولار). ويعزى هذا النمو المتواضع إلى التوترات الاقتصادية التي لا تزال قائمة وتؤثر على الاقتصاد، ولهذا السبب، من المرجح أن تؤجل قرارات الاستثمار الطويل الجل، مع استمرار تدفق استثمارات مباشرة قليلة، وخاصة من دول الخليج. تقدر الاستثمارات بمئات الملايين من الدولارات وليس بالمليارات التي كانت متوقعة في أوائل العام 2006 قبل انفلات الأزمة السياسية ودخول البلاد في نفق عدم الاستقرار. وتجدر الإشارة إلى أن النمو المتوقع للعام 2007 يعزى بشكل رئيسي إلى استثمارات في البيئة التحتية تم تمويلها بواسطة تبرعات خارجية.
على صعيد الميزانية العامة للدولة، اتخذ عجز الميزانية مسارا تنازليا على مدى الفترة 2001-2005 حيث تراجع من 4.2 تريليون إلى 2.8 تريليون ليرة لبنانية. وارتبط هذا التقلص بشكل رئيسي ببرامج الإصلاح التي تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة وتقليص النفقات، وخاصة تكاليف خدمة الدين. وإلى جانب زيادة الإيرادات من الضرائب، كان السبب الرئيسي لانخفاض العجز في الميزانية العامة هو انخفاض عبء الفائدة نتيجة لإعادة تمويل الدين العام بواسطة قرض مقدم من الدول المانحة تحت مظلة مؤتمر "باريس 3" بقيمة 4.0 مليار دولار أميركي بدون فائدة. إلا أن التوترات السياسية خلال العام 2006 كان لها أثر سلبي أدّى إلى ارتفاع العجز بنسبة 39.1 في المائة ليصل إلى 3.9 مليار ليرة لبنانية في نهاية العام 2006. إلا أن هذا العجز تراجع في العام 2007 بنسبة طفيفة بلغت 1.4 في المائة ليصل إلى 3.8 تريليون ليرة لبنانية.
خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2008، بلغت الإيرادات الحكومية 7.6 مليار ليرة لبنانية، بزيادة بنسبة 16 في المائة عن الفترة ذاتها من العام 2007.ومن إجمالي الإيرادات، كانت حصة إيرادات الخزينة 579 مليار ليرة. وبلغت النفقات 10.6 تريليون ليرة، بزيادة بنسبة 14.5 في المائة عن الفترة ذاتها من العام 2007. والملاحظ أن الإيرادات تنمو بسرعة أكبر من معدل نمو النفقات، الأمر الذي يشكل عاملا إيجابيا للاقتصاد اللبناني إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو. بلغ العجز في الميزانية 3.0 تريليون ليرة في نهاية شهر سبتمبر 2008.
يشكل حساب رأس المال والحساب المالي أهم البنود في إيرادات الدولة اللبنانية، وكان هذا الحساب يسجل فائضا جيدا وارتفع بشكل حاد في العام 2003 حين بلغ 4.9 مليار دولار نتيجة لاستثمارات أجنبية مباشرة واستثمارات محافظ استثمارية بلغت 8.9 مليار دولار في العام 2007.
ومن العناصر التي ساهمت في تحقيق الفائض في الحسابات المالية زيادة تدفق الاستثمارات إلى لبنان، حيث بلغت الاستثمارات المباشرة .53,077 مليون دولار في العام 2007، بعد تدفقات مماثلة بلغت 2,669.4 مليون دولار في العام 2006. ومن جهة أخرى، هناك زيادة في حجم الأموال التي تخرج من البنان، وقد بلغت التدفقات الخارجية 991 مليون دولار، إلا أن تدفقات المحافظ الاستثمارية آخذت في الارتفاع لتبلغ 1,730.4 مليون دولار في العام 2007 بزيادة بلغت نسبتها 32 في المائة عن مستواها في العام 2006. وتجدر الإشارة إلى أن استثمارات المحافظ ارتفعت بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 71 في المائة خلال الفترة ما بين العام 2003 – 2007 في حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 1.1 في المائة خلال الفترة ذاتها.
ولكن، مع كل الجهود التي تبذلها الحكومة لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، يأتي خطر التضخم. فقد واجه لبنان تضخما بلغت نسبته 100 في المائة على مدى أعوام عدة أعقبت الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي وزيادة الدين العام. وبعد أن رزح الاقتصاد تحت نير هذا التضخم الذي تجاوزت نسبته 100 في المائة في أوائل التسعينات، انخفض معدل التضخم بشكل ملحوظ في العام 2000 وصاعدا. فقد شهد انخفاضا ليصل إلى دون مستوى 10 في المائة خلال الألفية الجديدة وحتى الآن.
العام 2007 لم يكن جيدا بالنسبة للمستهلك اللبناني، حيث كان العام الوحيد الذي ارتفع خلالها معدل التضخم في قطاعات هامة من الاقتصاد فوق مستوى 10 في المائة. وخاصة في قطاعات الخدمة والطعام والخدمات العامة. وهذا أحد أسباب تراجع قيمة الليرة اللبنانية المرتبطة بالدولار الأميركي الآخذ في التراجع، الأمر الذي زاد معدل التضخم خارجي المنشأ وهناك سبب آخر، وهو بداية تكوّن فقاعة أسعار النفط ،حيث ارتفعت أسعار هذه السلعة الحيوية إلى 91.10 دولار للبرميل في شهر أكتوبر 2007.
ارتفع التضخم في العام 2008 إلى 7.2 حتى شهر يونيو عندما طرأت زيادات كبيرة على الأسعار، حيث قفزت أسعار المواصلات بنسبة 20 في المائة والمواد الغائية بنسبة 10 في المائة والإسكان بنسبة 4.8 في المائة والخدمات بنسبة 15.6 في المائة.
نتوقع تراجع معدل التضخم عن مستوياته الحالية نتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمي الذي كان عاملا رئيسيا في انخفاض أسعار النفط والمواد الغذائية، وهما بندان رئيسيان على صعيد التضخم. إلى جانب ذلك، ولأن العملة اللبنانية مرتبطة بالدولار الأميركي، فإن بدء انتعاش الاقتصاد الأميركي من جديد وتدريجيا سوف يؤدي إلى زيادة القدرة الشرائية ويخفض تكلفة الواردات مما سيؤدي في النهاية إلى تخفيض معدل التضخم خارجي المنشأ.
تعد التوقعات بالنسبة للعام 2008 أفضل قليلا، حيث من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 3.5 في المائة ليصل على مستوى قياسي جديد يبلغ 30.1 تريليون ليرة لبنانية (19.9 مليار دولار). يقوم هذا السيناريو بشكل رئيسي على افتراض حدوث انفراج في التوتر السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي. بالإضافة إلى ذلك، تفترض هذه التوقعات تحقيق أداء أفضل في قطاع الخدمات وخاصة في الخدمات المالية والسياحة، وهو الأمر الذي سوف تدعمه نتائج برنامج الإصلاح الذي تتبناه الحكومة في مختلف المجالات والتي تغطي إدارة الدين وإحكام السيطرة على عجز الميزانية والإصلاح الضريبي وبرنامج الخصخصة وحل مشكلة البطالة وكبح جماح التضخم. وهذه هي المخاطر التي تواجه الاقتصاد اللبناني خلال المرحلة القادمة. وعلى الرغم مما تتخذه الحكومة من خطوات جيدة وفي الاتجاه الصحيح على صعيد برنامجها الإصلاحي، سوف تلعب قدرتها على التحكم بالمخاطر السياسية والتصدي للتوترات الداخلية دورا هاما يستطيع الاقتصاد من خلاله دعم تلك الإصلاحات لما لها من أثر على الأداء الاقتصادي عموما.
© 2008 تقرير مينا(www.menareport.com)