أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير إلى أن معدل التضخم أو غلاء المعيشة في الكويت قد تسارع ليصل إلى 4.1%، مقاساً بالتغير في متوسط المستوى العام لأسعار المستهلك خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في يوليو من العام الحالي وذلك بعد أن كان قد تراجع إلى 3% في عام 2006. كما تشير التغيرات في المؤشرات الشهرية للأسعار مقارنة بمستواها قبل عام إلى ارتفاع أكثر حدة في معدل التضخم خلال شهر يوليو، إذ عاد للارتفاع مجدداً ليصل إلى 5% على أساس سنوي بعد أن كان قد تباطأ في الشهر السابق إلى ما نسبته 4.4%، إلا أنه يبقى دون أعلى مستوى سجله مؤخراً في شهر مايو والبالغ 5.4%. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الأرقام الشهرية غالباً ما تكون عرضة لتذبذبات ملحوظة مما لا يسمح بتلمس توجهات الأسعار بشكل واضح. وبناء على ذلك، فقد يكون من السابق لأوانه الحكم على درجة نجاح الجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية للحد من تنامي الضغوط التضخمية.
ويعزي بنك الكويت المركزي جانب من التنامي في معدل غلاء المعيشة خلال الآونة الأخيرة إلى تراجع سعر صرف الدينار الكويتي مقابل العملات الرئيسية من غير الدولار، والذي أسهم بدوره في تزايد أسعار الواردات. وفي مسعى لاحتواء هذه الضغوط التضخمية، تخلى البنك المركزي في 20 مايو من العام الحالي عن سياسة ربط سعر الدينار حصرياً بالدولار، وقام برفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأمريكي منذ ذلك الحين بنحو 3.9%. ومع أن معدل التضخم على أساس سنوي قد تراجع بما قدره 0.4 نقطة مئوية ما بين شهري إبريل ويوليو، فقد يكون ذلك يعكس بالدرجة الأولى عوامل موسمية أدت إلى تراجع معدل التضخم بشكل حاد في إبريل من عام 2006 ، مما جعله يبدو أعلى في هذا العام.
وأشار الوطني إلى أنه من المؤكد أن الضغوط التضخمية لا تنجم حصرياً عن سياسة سعر الصرف. ففي كافة دول الخليج العربي، يلاحظ أن مجموعة من العوامل الداخلية قد لعبت أيضاً دوراً هاماً في تنامي معدل التضخم. ويأتي في مقدمة هذه العوامل النمو المتسارع في الطلب المحلي والذي تأثر بدوره بتسارع النمو في القروض، هذا إلى جانب السياسات المالية التوسعية.
وتشير البيانات إلى تراجع مساهمة قطاع الغذاء في الزيادة التي سجلها معدل غلاء المعيشة خلال الاثني عشر شهراً الماضية والمنتهية في يوليو، وذلك بعد تبؤه لمركز الصدارة في توليد الضغوط التضخمية في الكويت خلال العامين السابقين. حيث تباطأ معدل النمو في أسعار الغذاء في شهر يوليو إلى 2.1% على أساس سنوي، وهي أدنى نسبة سجلها منذ ما يزيد عن عام، مما أسهم في انخفاض متوسط التضخم لهذه المجموعة خلال الاثني عشر شهراً الماضية إلى 4.3% وذلك مقابل 5.7% سادت الفترة ذاتها قبل عام. وعليه، فقد تراجعت نسبة مساهمة أسعار المواد الغذائية في معدل غلاء المعيشة من حوالي الثلث خلال عامي 2005 و2006 إلى ما دون الخمس خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة. ويذكر هنا أن السنوات الأخيرة قد شهدت تصاعداً واضحاً في أسعار الغذاء على المستوى العالمي، مما أثر على معدلات التضخم في الدول المستوردة للمواد الغذائية كالكويت.
وبحسب تقرير الوطني، شهدت مجموعة "النقل والمواصلات" ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها خلال الأشهر التسعة الماضية بحيث أصبحت تستحوذ على مركز الصدارة بين كافة المجموعات الرئيسية في توليدها للتضخم المسجل في الوقت الراهن. فقد وصل معدل التضخم في هذه المجموعة إلى حوالي 7.3% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية بيوليو من العام الحالي، متجاوزاً بذلك وبشكل ملموس متوسط عام 2006 والذي بلغ 1.8%. وقد تكون مجموعة من العوامل قد أدت إلى هذا التطور، كارتفاع كلفة الواردات من وسائط النقل الشخصية وقطع الغيار ذات المصدر الأوروبي، وخاصة في ضوء ارتفاع سعر صرف اليورو والجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي، هذا إلى جانب ارتفاع أسعار تذاكر السفر الجوي والبحري وغيرها من وسائط النقل نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ناهيك عن نمو الطلب على المنتجات ذات العلاقة بقطاع المواصلات.
أما مجموعة خدمات المسكن، والتي تشتمل بشكل رئيسي على إيجارات المساكن وما يعادلها للمساكن التي يقطنها مالكوها، فقد جاءت في المرتبة الثانية من حيث مساهمتها في ارتفاع معدل غلاء المعيشة. وقد يعزى التضخم في أسعار خدمات المسكن إلى تواصل الارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء، هذا إلى جانب الطلب القوي على المنازل والشقق السكنية المرافق للتنامي الملحوظ في عدد السكان. فخلال شهر يوليو، حافظ معدل الغلاء في خدمات المسكن على نفس مستواه لشهر يونيو والبالغ 7.1% على أساس سنوي، في حين بلغ 3.2% خلال الاثني عشر شهراً الماضية مقابل 2.5% للفترة ذاتها من العام الأسبق. أما إذا ما تم معاينة الأرقام الشهرية، فسيتضح محدودية عدد المرات التي يتم فيها تغيير القيمة المقدرة لكلفة المساكن والتي لم تتجاوز مرتين في كل من عامي 2006 و2007. كما أن معدل تضخم الأسعار في هذا القطاع قد بلغ 5.7% خلال النصف الأول من عام 2007، مما يوحي إلى احتمال ارتفاعه فوق مستوى 10% إذا ما شهد النصف الثاني من العام زيادات مشابهة.
كذلك الحال، فقد شهدت الأسعار في قطاع الكساء وملبوسات القدم زيادة ملحوظة بلغت 5.3% خلال الاثني عشر شهراً الماضية المنتهية في يوليو، في حين تراجعت الأسعار على نحو غير متوقع في قطاع الخدمات التعليمية والصحية وإن كان بشكل طفيف (0.4%). ومع ذلك، فإن التصريحات الصادرة عن الحكومة مؤخراً بخصوص إمكانية السماح لعدد من المدارس الخاصة برفع رسومها الدراسية بدعوى الحاجة لتمويل زيادة رواتب مدرسيها توحي إلى احتمالية توقف حالة الهدوء التي تشهدها الأسعار في هذا القطاع.
© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)