سيطر التشاؤم على المحللين في سوق النفط العالمية بشأن تأثير إنتاج النفط الصخري الأمريكي في النفط التقليدي، على الرغم من قرار "أوبك" بتثبيت سقف إنتاجها الخميس الماضي.
ودعا مختصون في السوق إلى ضرورة تطوير السياسات المستقبلية لمنظمة أوبك ودراسة تداعيات ما يسمى "ثورة الصخر الزيتي" الأمريكي، وتأثيراته المحتملة في الأسواق التقليدية.
ويعتقد إيجور ياكوفلف المحلل الروسي، أن الاجتماع المغلق لوزراء النفط الاثني عشر في منظمة أوبك، الذي عقد الخميس الماضي، والذي استمر أكثر من المعتاد سرب بعض القلق إلى المحللين والصحافيين الذين حضروا بأعداد تفوق المرات السابقة بكثير بسبب القلق الذي صاحب التراجع الحاد في أسعار النفط الخام خلال الشهور الأخيرة.
وأشار لـ "الاقتصادية" إلى أن التشاؤم سيطر على عدد كبير من المحللين، حتى إن البعض أعرب عن مخاوفه من عودة الأسعار لمستوى عام 2004، وهو نحو 40 دولارا للبرميل.
وذكر المحلل الروسي أن شركات النفط الأمريكية تتمتع بحوافز ضريبية ومساعدات من الدولة، ما منح الشركات الأمريكية القدرة على استعادة غالبية سوقها المحلية، كما تنامت صادراتها النفطية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، مشيراً إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتسم الآن بوفرة المعروض، وهي بالفعل أكثر مناطق العالم المشبعة بخام النفط، وهو ما ساهم في انخفاض أسعار النفط الخام العالمية.
وأوضح أن إنتاج النفط الصخري سيبقى عالي التكلفة مقارنة بخامات أخرى، ولذا فإن إنتاج النفط في الولايات المتحدة لن يكون فعالا من حيث التكلفة إلا لعدد صغير من العلامات التجارية، مثل باكن السجيل، والنسر فورد السجيل، ولويد الثقيل.
وأكد أن الإدارة الأمريكية لن تستطيع دعم مشروعات كثيرة وجديدة في هذا المجال، وهو ما انعكس بالاتجاه الأمريكي نحو تأجيل خطط دخول السوق العالمية بالعديد من منتجاتها.
يأتي هذا القلق بعد مرور واحد من الأسابيع العصيبة على سوق النفط في العالم، الذي شهد تراجعا حادا بالتواكب مع عقد المؤتمر الوزاري لمنظمة "أوبك"، حيث هبط سعر الخام إلى 70.80 دولار للبرميل، وكان قد سجل نهاية تعاملات الأسبوع السابق عليه 74.03 دولار للبرميل بتراجع ناهز أربعة دولارات في البرميل، فيما يعد أعلى نسبة انخفاض خلال أربع سنوات.
وتراجعت العقود الآجلة للنفط الخام بشكل حاد، بعد أن قررت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في ختام اجتماعها عدم خفض الإنتاج، ففي بورصة نيويورك التجارية (نايمكس)، بينما هبطت عقود النفط الخام الأمريكي تسليم كانون الأول (ديسمبر) بنسبة كبيرة بلغت 6.70 في المائة أو ما يعادل 4.68 دولار، ليتداول عند 69.12 دولار للبرميل وهو أدنى سعر له منذ شهر آيار (مايو) 2010، وبعدها تماسكت الأسعار حول مستوى 69.41 دولار للبرميل.
وفي مكان آخر في بورصة العقود الآجلة، ارتفعت عقود نفط برنت الآجلة تسليم شهر كانون الأول (ديسمبر) بنسبة 6.35 في المائة أو ما يعادل 4.57 دولار لتتداول عند 73.19 دولار للبرميل، وفي وقت سابق سجلت هذه العقود 72.81 دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ حزيران (يونيو) 2010.
وتراجعت أسعار برنت المتداولة في لندن بما يقرب من 37 في المائة منذ حزيران (يونيو)، عندما ارتفع إلى ما حول مستوى 116 دولارا، في حين أن النفط الخام الأمريكي، أو ما يسمى "خام غرب تكساس الوسيط"، قد انخفض بما يقرب من 35 في المائة من أعلى سعر له في شهر حزيران (يونيو) والبالغ 107.50 دولار للبرميل.
وتقول ريما سوبحانوكولوفا المحللة الروسية لـ "الاقتصادية"، إن نيجيريا وفنزويلا ودولاً أخرى تعاني أكثر من غيرها انخفاض أسعار النفط، وتبحث عن حلول عاجلة ومساندة دولية لمواجهة تفاقم مشاكلها الاقتصادية، مشيدة في الوقت ذاته بوصول أول سيدة في تاريخ أوبك لرئاسة المنظمة اعتبارا من العام المقبل، وهي مفاجأة للأوساط الاقتصادية رغم أنها رئاسة دورية، حيث ستتولى إليسون ديزياني مادوكي وزيرة النفط النيجيرية رئاسة المنظمة اعتبارا من أول كانون الثاني (يناير) المقبل.
وتؤكد المحللة أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن التلاعب في سوق النفط العالمية والتأثير في العرض والطلب بالعمل على زيادة العرض من خلال إنتاج النفط الصخري، موضحة أن أحد وزراء النفط أكد أن عمل "واشنطن" على انخفاض الأسعار سيحقق أضرارا للجميع؛ لأن الوصول لأدنى من 70 دولارا للبرميل سينعكس سلبيا على الجميع، وستواجه كل الاقتصاديات مشكلات كبيرة في شتى أنحاء العالم.
من جانبه، يقول مجدي العشري الباحث الاقتصادي لـ"الاقتصادية"، إن الإعلام وبعض التكهنات والشائعات في السوق أخذت المحللين في اتجاه توقع خفض الإنتاج من النفط الخام بهدف تحسين الأسعار، وهو ما جعل قرار "أوبك" بالإبقاء على هدف الإنتاج الرسمي دون تغيير عند 30 مليون برميل يوميا، يخيب آمال الأسواق التي كانت تراهن في بعض الدوائر المالية والاقتصادية المهمة على أن المنظمة ستخفض إنتاجها.
وأشار العشري إلى أن "أوبك" المكونة من 12 عضوا وتنتج ما يقرب من 40 في المائة من الإمدادات العالمية للنفط ستظل صاحبة الدور المحوري والمؤثر في الاقتصادات الدولية وفي سوق النفط بشكل رئيس، متوقعا أن يكون اجتماعها المقبل في 5 حزيران (يونيو) على القدر نفسه من الأهمية والمتابعة؛ لأن الشهور القادمة ربما تشهد الجديد والكثير فيما يتعلق بالأسعار والإنتاج.
وأضاف العشري أن التراجع الحاد للأسعار لا شك أنه مدفوع بالمخاوف بشأن ضعف الطلب العالمي جنبا إلى جنب مع مؤشرات سابقة عن أن منتجي أوبك لن يخفضوا الإنتاج، وهو ما حدث بالفعل، ويقودنا الآن إلى تراجعات متتالية في الأسعار، ولكنها يمكن أن تستعيد بعض العافية قريبا.