في 2016... أزمات أوروبا الاقتصادية تتجه إلى الأسوأ

تاريخ النشر: 21 ديسمبر 2015 - 09:15 GMT
ضعف نفوذ فرنسا في أوروبا بسبب ضعفها الاقتصادي في الوقت الذي يكافح فيه هولاند لإعادة انتخابه في عام 2017 في مواجهة السياسية الشعبوية مارين لو بان التي تمثل اليمين المتطرف وكذلك سلفه المحافظ نيكولا ساركوزي
ضعف نفوذ فرنسا في أوروبا بسبب ضعفها الاقتصادي في الوقت الذي يكافح فيه هولاند لإعادة انتخابه في عام 2017 في مواجهة السياسية الشعبوية مارين لو بان التي تمثل اليمين المتطرف وكذلك سلفه المحافظ نيكولا ساركوزي

بأي مقياس من المقاييس كان 2015 عاما ذاق فيه الاتحاد الأوروبي من الأهوال الكثير، فإذا اختار البريطانيون من خلال التصويت في استفتاء الخروج من الاتحاد فربما يكون العام المقبل أسوأ حالا.

ولم يحدث منذ العام 1989 الذي سقط فيه سور برلين وانهارت الشيوعية في شرق أوروبا أن اهتزت القارة بالشدة التي اهتزت بها الحياة السياسية فيها هذا العام، لكن على النقيض من الاضطرابات التي شهدها ذلك العام ومهدت الطريق لطفرة في التكامل الأوروبي شهد 2015 من الأزمات ما هدد بتمزيق أواصر الاتحاد وترك ندوبا وشعورا بالجزع كما شهد إقامة عديد من الحواجز الجديدة.

وبحسب "رويترز"، فقد كان انهيار الستار الحديدي أدى خلال عامين إلى اتفاق على طرح عملة أوروبية موحدة وعلى مدار الأعوام الـ 15 التالية، إلى توسع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي شرقا حتى حدود روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء.

وبدا أن هذا يؤكد ما تنبأ به جان مونيه الذي يقف وراء فكرة الوحدة الأوروبية من أن وحدة القارة ستخرج للوجود من خلال الأزمات، وعلى النقيض فقد أدى ما شهده العام الحالي من صدمات سياسية واقتصادية بسبب طوفان المهاجرين وديون اليونان والإرهاب والتحركات العسكرية الروسية إلى عودة القيود الحدودية في كثير من الأماكن وإلى صعود نجم قوى سياسية شعبوية مناوئة للاتحاد الأوروبي وإلى تبادل الاتهامات فيما بين حكومات الاتحاد.

وقد حذر جان كلود يونكر الذي يصف الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي بأنه "مفوضية الفرصة الأخيرة" من أن منطقة شينجن التي لا تطبق فيها أي قيود حدودية ويتنقل فيها المسافرون دون الحاجة إلى جوازات السفر أصبحت في خطر كما أن من المستبعد أن يبقى اليورو نفسه قائما إذا أغلقت الحدود الداخلية.

ولجأ يونكر إلى الدعابة السوداء بعد القمة الأخيرة في قائمة من 12 اجتماع قمة عقده الاتحاد الأوروبي هذا العام خصص أغلبها لإدارة أزمات فقال إن الأزمات التي لدينا ستظل موجودة وستأتي أزمات أخرى.

وكانت نبرته الحزينة تذكيرا بالوضع على أرض الواقع فيما يتعلق بالروح التي أبدتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبرز زعماء أوروبا عندما أعلنت أن بوسعنا إنجاز ذلك وسعت لتطبيق ذلك على استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين أغلبهم من سورية.

ولم تتلق ميركل تأييدا يذكر من شركائها في الاتحاد الأوروبي في اقتسام عبء المهاجرين، حيث أصرت الأغلبية على أن الأولوية لإغلاق الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بدلا من استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين في بلادهم.

ويرجع هذا في جانب منه إلى استياء مستتر من الهيمنة الألمانية على الاتحاد الأوروبي ورد على رفضها المشاركة بحصة أكبر من المخاطر المالية في الاتحاد الأوروبي.

ويتهم بعض الشركاء برلين بالرياء فيما يتعلق بالعلاقات التي تربطها بروسيا في مجال الطاقة في الوقت الذي يعاني فيه أصدقاء لها مثل فرنسا وهولندا والدنمرك صعود نجم الساسة اليمينيين الشعبويين المناهضين للهجرة.

وجاء واحد من أشد ردود الصد فيما يتعلق بتوزيع عبء اللاجئين من فرنسا الحليف الوثيق، فقد ذكر مانويل فالس رئيس الوزراء عن سياسة الانفتاح التي تتبعها ميركل تجاه اللاجئين السوريين أن بلاده لم تقل لهم "تعالوا".

وتكاثر المنتقدون على ميركل في القمة التي عقدها الاتحاد الأوروبي بمناسبة نهاية السنة، فقد شن عليها ماتيو رينتسي رئيس الوزراء الإيطالي هجوما دعمته فيه البرتغال واليونان لرفضها قبول خطة لضمان ودائع المصارف في منطقة اليورو.

ونددت دول البلطيق وبلغاريا وإيطاليا بتأييدها لخط أنابيب مباشر لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا في وقت يفرض فيه الاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو بسبب تصرفاتها العسكرية في أوكرانيا وكان سببا في إلغاء مد خط أنابيب إلى جنوب أوروبا، وقال دبلوماسي استمع إلى ما دار من حوار إن الكل كان تقريبا ضد ميركل في القاعة.

وإحدى المشكلات التي يرجح أن تزداد تدهورا في عام 2016 هي أن القادة الرئيسيين في أوروبا ضعفاء سياسيا ومشغولون بتحديات داخلية كبيرة بما يجعلهم يعجزون عن اتخاذ التدابير الضرورية المطلوبة جماعيا.

ويتوقف بقاء ميركل ذات التوجهات المحافظة في المستشارية على قدرتها على خفض عدد اللاجئين المتدفقين على ألمانيا في العام المقبل وإظهار سيطرتها على مسألة الهجرة، ودون ميركل التي يلقبها المواطنون في بلدها "بأمي" تكريما لمكانتها سينزلق الاتحاد الأوروبي إلى ورطة أكبر.

وضعف نفوذ فرنسا في أوروبا بسبب ضعفها الاقتصادي في الوقت الذي يكافح فيه هولاند لإعادة انتخابه في عام 2017 في مواجهة السياسية الشعبوية مارين لو بان التي تمثل اليمين المتطرف وكذلك سلفه المحافظ نيكولا ساركوزي.

ولا يهتم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سوى بالتوصل إلى اتفاق لإنقاذ ماء الوجه فيما يتعلق بشروط عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي في فبراير شباط المقبل لتحقيق الفوز في استفتاء حاسم ألمح إلى أنه يأمل إجراءه خلال العام المقبل.

وقد رهن كاميرون مستقبل بريطانيا فعليا بمحاولة حرمان المهاجرين من دول شرق أوروبا من الامتيازات التي يحظى بها العمال البريطانيون من ذوي الدخول المحدودة، التي يقول كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إنها غير قانونية.

وفي ضوء الانزعاج العام في بريطانيا من مسألة الهجرة والجو السائد المناهض للنخبة والارتياب القديم في أوروبا الذي تعمل وسائل الإعلام المتشككة على الترويج له فإن الاستفتاء قد يحمل في طياته مأزقا كبيرا.

فإذا أصبحت بريطانيا - صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وإحدى القوتين العسكريتين الرئيستين في القارة - أول دولة يقرر الناخبون فيها الانسحاب من الاتحاد الأوروبي فستكون تلك لطمة مدمرة للثقة بالاتحاد ومكانته الدولية.

ويعتقد أنصار الاتحاد الأوروبي أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى تحرير بقية الأعضاء من القيود التي تكبل مضيهم قدما في وحدة أوثق قائمة على منطقة اليورو، لكن هذه الرؤية تتجاهل الانقسامات العديدة بين الدول الأخرى الأعضاء وعددها 27 دولة من شرق وغرب وشمال وجنوب ومؤيدين لحرية الأسواق مقابل مؤيدين لسياسات الحماية واشتراكيين مقابل المحافظين ومدافعين عن السيادة الوطنية مقابل المدافعين عن التكامل.

والأرجح أن الاستفتاء على خروج بريطانيا سيؤدي إلى مطالب بإجراء استفتاءات في دول أخرى من بولندا إلى الدنمارك وسط مفاوضات لاذعة بين لندن وبروكسل حول شروط انسحاب بريطانيا وعلاقاتها بالاتحاد مستقبلا.

وقد كانت الدنمارك مثالا حيا على مدى المخاطرة السياسية عندما تتوجه الحكومات في أي مكان في أوروبا إلى ناخبيها بالسؤال عما إذا كانوا يريدون توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فقد كان الرد "لا شكرا".

اقرأ أيضاً: 

تدني الاستثمارات العربية في اليونان يخفف من انعكاسات الأزمة المالية