تدني الاستثمارات العربية في اليونان يخفف من انعكاسات الأزمة المالية

تاريخ النشر: 02 يوليو 2015 - 07:33 GMT
الأزمة اليونانية لن تنعكس على الاقتصادات العربية، وحتى لو انعكست فسيكون تأثيرها محدودا لا يذكر
الأزمة اليونانية لن تنعكس على الاقتصادات العربية، وحتى لو انعكست فسيكون تأثيرها محدودا لا يذكر

أزمة اليونان أوروبية بامتياز وانعكاساتـــها الســلبية سـتتركز في منطقة اليورو ولن تمتد إلى كل البلدان الأوروبية فضلا عن اقتصادات أخرى مثل الدول العربية، نظرا إلى محدودية حجم الاستثمارات التي تملكها في هذه الدولة الأوروبية.

هذا ما أفصح به عدد من الاقتصاديين العرب والبريطانيين الذي تحدثوا لـ "الاقتصادية" بعدما وجهت لهم أسئلة حول المدى الذي يمكن لأزمة اليونان أن تصل إليه، وما طبيعة القطاعات في الاقتصادات العربية التي قد تتأثر سلبا بالأزمة؟

الدكتور خالد سامي الخبير المالي العربي في لندن اعتبر أن الأزمة اليونانية لن تنعكس على الاقتصادات العربية، وحتى لو انعكست فسيكون تأثيرها محدودا لا يذكر.

وقال لـ "الاقتصادية" إن الأزمة اليونانية أوروبية بامتياز، وانعكاساتها السلبية ستتركز في منطقة اليورو، ولن تمتد إلى كل بلدان الاتحاد الأوروبي.

وأضاف "بلد مثل بريطانيا عضو في الاتحاد، لكن لديها عملتها الوطنية الخاصة التي تتمتع بمكانة اقتصادية قوية، لن تتأثر سلبا بالأزمة اليونانية، بل على العكس لربما تعود الهزة الاقتصادية في منطقة اليورو بفائدة على الاقتصاد البريطاني".

وتابع حديثه بالقول "بالنسبة للاقتصادات العربية، فلن يكون هناك تأثير مباشر لخروج اليونان من اليورو أو حتى الاتحاد الأوروبي، وإنما التأثير أن حدثا سيكون بشكل غير مباشر نتيجة الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو".

واعتبر أن تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة سيؤثر في التبادل التجاري بين العالم العربي وأوروبا، كما أن بعض الودائع المالية العربية باليورو قد تسحب وتحول إلى عملات أخرى أبرزها الدولار والاسترليني.

الدكتور فرانك راسل رئيس قسم الاقتصاد سابقا في جامعة ليدز والاستشاري في الاتحاد الأوروبي يتفق في أن تأثير الأزمة اليونانية على الاقتصاد العربي، خاصة في منطقة الخليج سيكون محكوما ليس بالأزمة اليونانية ذاتها، وإنما بتداعياتها على أوروبا والاقتصاد العالمي.

وقال لـ "الاقتصادية" "إن الاستثمارات العربية المباشرة والمعلن عنها في اليونان محدودة للغاية، وأغلبها يدخل في إطار الملكية الخاصة، وتلك يمكن أن تتأثر بشكل كبير للغاية، وستفقد الجزء الأكبر من قيمتها، لكن خسارتها لن تحدث ضررا في الاقتصادات العربية.

وأضاف راسل "الضرر الأكبر يمكن أن يصيب الدول الخليجية عبر الانعكاسات السلبية على سعر النفط، فخروج اليونان سيؤدي حتما إلى انخفاض في أسعار النفط، ولربما تتدهور الأسعار لمعدلات متدنية للغاية إذا أدى خروج أثينا من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي إلى أزمة اقتصادية في أوروبا".

وتابع "سيزداد الوضع سواء إذا طالت الأزمة الصين التي تمر بتباطؤ في معدلات النمو والولايات المتحدة الذي لا يزال نموها هشا، إذ سيتراجع الطلب بشدة على النفط عالميا، وهنا ستتأثر ميزانيات الدول الخليجية".

ويجب الأخذ في الحسبان، الوضع الاقتصادي المحتمل في أوروبا والاستثمارات العربية الحكومية، سواء المباشرة أو عبر الصناديق السيادية الموزعة في عدد مختلف من بلدان الاتحاد الأوروبي عامة ومنطقة اليورو خاصة.

وقال راسل "هذه الاستثمارات ستكون نقطة ضعف أساسية بالنسبة للاقتصادات العربية".

وأضاف "أغلب الاستثمارات الحكومية في أوروبا هي استثمارات خليجية في الأساس، سواء كانت في العقارات أو سندات الخزينة الحكومية، أما استثمارات البلدان العربية غير الخليجية فهي محدودة".

مع هذا، فإن الباحثة جيما ويدلي من مجموعة لويدز المصرفية ترى أن الأزمة اليونانية حتى بدون أن تمتد إلى أوروبا يمكن أن تؤثر في الاقتصاد العربي بشكل مؤلم ومباشر نتيجة ما تسميه عامل "الخوف".

وتعتبر أن "نظرية الدومينو" يمكن أن تشرح هذا الوضع بشكل واضح.

وقالت ويدلي لـ "الاقتصادية" إنه ليس بالضرورة أن يكون هناك علاقات اقتصادية قوية ومباشرة بين اليونان والاقتصادات العربية حتى يؤدي انتكاس الوضع الاقتصادي اليوناني إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد العربي.

وأضافت "العامل النفسي الآن يلعب دورا بارزا في اتخاذ القرار الاقتصادي الراهن والمستقبلي. خروج اليونان من منطقة اليورو له تداعيات شديدة على اقتصاد منطقة اليورو وأوروبا وربما الاقتصاد العالمي بحسب أغلب التوقعات، من هنا ينجم التأثير السلبي على الاقتصادات العربية والخليجية".

وتابعت أن الشركات والأفراد في الخليج وعبر العالم كله سيترددون في القيام بأي شكل من أشكال الاستثمار، انتظارا لتتضح الصورة النهائية.

من جانب آخر، فإن الأزمة اليونانية قد تنعكس على الاقتصاد العربي والخليجي تحديدا ليس بالضرورة نتيجة العلاقات الأوروبية - الخليجية وإنما عبر القنوات التجارية والاستثمارية بين الصين والخليج مثلا إذا أثرت الأزمة اليونانية على الوضع الاقتصادي الصيني.

العامل النفسي الناجم عن الأزمة كان أكثر وضوحا في أوروبا حيث تراجعت أسهم عديد من الشركات في البورصات الأوروبية رغم أن نسبة مساهمة الاقتصاد اليوناني في الاقتصاد الأوروبي لا تتجاوز 2 في المائة و0.3 في المائة من الاقتصاد العالمي في أفضل تقدير.

ويحذر عدد من الاقتصاديين البريطانيين من أن التداعيات النفسية للأزمة اليونانية لربما تكون أكثر خطورة وتأثيرا على الاقتصاد الأوروبي والعالمي من الانعكاسات "المادية" لها.

البروفسير ميتشيل كريج أستاذ الأنظمة الاستثمارية يعتبر أن قيمة الدين اليوناني وعدم قدرة أثينا على الالتزام بسدادها لن يؤثر بشكل ملموس على المنظومة المالية الأوروبية أو الدولية.

كما أن هشاشة الاقتصاد اليوناني لن تؤثر في إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من ذلك فإن الأزمة ستترك بصمات سلبية لفترة طويلة من الوقت على مناخ الاستثمار في أوروبا.

وقال كريج لـ "الاقتصادية" "انسحاب اليونان من الاتحاد الأوروبي لا يعني نهاية العالم. حجم الدين اليوناني لا يمثل نسبة تذكر من دين الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ نحو 12 تريليون دولار".

وأضاف "الدين الخارجي لإيطاليا تريليوني يورو. فرنسا وألمانيا أيضا ذات الرقم. من ثم فإن التأثير المادي لخروج اليونان مضر بها إذ سترتفع معدلات البطالة والتضخم وسيتراجع الناتج المحلي وستقوم الحكومة بمصادرة مدخرات المواطنين عبر تحويلها من اليورو للدراخما".

لكنه يستدرك حديثه بالقول إن التأثير النفسي في الأسواق مضر وخطير. "انسحاب اليونان يخلق شعورا بفقدان الثقة بقدرة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو كبيئة اقتصادية أو استثمارية آمنة".

وأضاف "سيجتاح المستثمرون والمضاربون في البورصات الأوروبية قناعة بأن اليونان ستكون البداية لتفكك منطقة اليورو أو أوروبا الموحدة، وأن اقتصادات مديونة مثل أيرلندا والبرتغال وإسبانيا يمكن أن تسلك الطريق اليوناني، وهذا سيعني تفتت الاتحاد الأوروبي".

وقال كريج إن هذا الشعور والقناعات هي التي ستؤدي بالمستثمرين إلى التوقف عن الاستثمار، وستؤدي إلى خلق حالة من القلق لدى المستهلك الأوروبي، ويمكن أن تنعكس سلبا على المصارف بسحب المودعين لودائعهم في الاقتصادات الهاشة.

علي أي حال فإن وجهة النظر السائدة لدى قطاع ملحوظ من الاقتصاديين في المملكة المتحدة أن الأزمة اليونانية بانسحاب اليونان من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي قابلة للتكرر قريبا في أيرلندا.

الباحثة الاقتصادية في جامعة كمبريدج أناسي ويل تعتقد أن كل تجربة من التجارب الثلاثة سواء أيرلندا المرشحة للإفلاس، وأيسلندا التي أفلست ثم استعادت قوتها، والأرجنتين ذات التاريخ المؤلم في هذا المجال تختلف عن الأخرى.

وإذا كان القاسم المشترك هو إفراط الحكومات في الاقتراض وعدم القدرة على ضبط حساباتها المالية، فإنها ترى أن القاسم بين التجربة اليونانية والأرجنتينية ربما يكون أقوى من التجربتين الأخريين.

وقالت لـ"الاقتصادية" "الهيكل الاقتصادي في أيسلندا وأيرلندا يختلف نسبيا عن اليونان التي تعتمد على الزراعة وهو ما يشبه نسبيا الاقتصاد الأرجنتيني. أعتقد أن اليونان يمكن أن تخرج من إفلاسها إذا ركزت كالأرجنتين على القطاع الزراعي".

وأضافت "انخفاض أسعار التكلفة الزراعية في اليونان نتيجة الإفلاس سيؤدي إلى انخفاض أسعار المنتج وقدرته على المنافسة في أوروبا عند مواجهة المنتجات المماثلة القادمة من قبرص وإسبانيا والبرتغال".

وتابعت "هذا يتطلب من اليونان العمل بقوة على خلق قطاع تصديري قوي وهو ما تفتقده مقارنة بالأرجنتين، فاليونانيون ليس أمة تجارية حتى الآن".

وحول الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع السياحي لإخراج اليونان من عثرتها الراهنة تقول "ربما يكون انخفاض الأسعار مغريا لتدفق السائحين لكن إذا ترافق ذلك مع اضطرابات سياسية فلن يفلح في القيام بدور اقتصادي مؤثر".

اقرأ أيضاً: 

أزمة اليونان تهبط أسعار الذهب عالمياً

الأزمة اليونانية تربك أسعار صرف اليورو في أسواق مكة

سوق الطاقة العالمية يتأثر سلباً بالأزمة اليونانية

الأزمة اليونانية تفرض العديد من الأسئلة الحرجة.. ماهي؟