"لقد وقعنا في الفخ" جديد يوسف معاطي

تاريخ النشر: 20 مايو 2013 - 05:00 GMT
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

"لقد وقعنا في الفخ" كتاب جديد في الأدب الساخر، للكاتب والسيناريست يوسف معاطي، صدر مؤخراً عن الدار المصـرية اللبنانيـة، وهو الكتاب السادس عشـر لمعاطي، في تعاونه مع الدار المصـرية.

 يحتوي كتاب "لقد وقعنا في الفخ" على حوالي عشرين فصلا، تجوّل بنا معاطي، في مظاهر الحياة المصرية بعد الثورة، ويصفه الناشـر محمد رشـاد، رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية في مقدمته: "الكتاب الذي بين يديك الآن هو سخرية مُرة من حالة التردي والانهيار الأخلاقي الذي حدث في مجتمعنا على طريقة يوسف معاطي".

ويواصل رشاد في تقديمه مخاطباً القارئ: "لابد وأنك تدرك كما أدرك أنا، أن المزاج العام ليس على ما يرام، وأن حالة من الحيرة والكآبة تسود المشهد. وإذا استطاع الكاتب أن يرسم ابتسامة حقيقية على وجوه الناس قبل الثورة.. فما أحوجنا إلى تلك الابتسامة في هذه الأيام".

يبدأ معاطي، كتابه بمقدمة قصيرة بعنوان "اصطباحة" يقول فيها: مؤيدو التيار الإسلامي يريدون الاحتكام إلى "الصندوق".. وقد هدَّدهم الراحل عمر سليمان بأن يفتح "الصندوق" الأسود، ولكن القدر لم يمهله لكي يفعل ذلك وعاد إلى بلاده في "صندوق".. والإخوان ملأوا الدنيا ضجيجًا حول إهدار المال العام في الصناديق الخاصة.. ومنذ حكموا البلاد لم نسمع عن أي "صندوق". والحكومة الآن تريد قرضًا من "الصندوق".. والنخبة تبحث عن فكرة من خارج "الصندوق". ورغم توفر كل هذه العناوين في بلدنا.. إلا أن بعض التيارات المتشددة تعلن أنها ستلم المعارضين للرئيس وتجيبهمله في شكاير.. وليس في صناديق!.

 تفتتح فصول الكتاب، بفصل عام  يغوص في التغييرات التي لحقت بأخلاق المصريين وضيقهم ببعضهم البعض متسائلاً: "هل حدث أن سألت أحدهم سؤالًا عاديًّا.. لطيفًا.. وديعًا.. فرد عليك من سألته بعنف وبغلظة وبزهق بعد أن نفخ تلك النفخة التي جعلتك تشعر أن سشوارًا موجهًا إلى وجهك يكاد أن يحرقه، إذا حدث معك ذلك لا تفاجأ ولا تندهش.. فشعبنا لم يعد كما كان.. تقول له إزيك يقولك الله يسلمك.. تقولّه صباح الخير يقولك صباح النور.. خلاااااص.. انتهى هذا العهد.. فبعد الثورة صار شعبنا حرًّا.. سياسيًّا.. استراتيجيًّا.. مفاجئًا.. صادمًا.. فلا تلم هذا المواطن الذي رد على سؤالك الوديع بغلظة مفاجئة فأحرجك.. وأخذك على خوانة.. فيجب أن تراعي أولًا حالته الثورية، وحالته المادية وحالته المعيشية والإعلامية أيضًا. ويجب أن تراعي وهذا هو الأهم.. أن سؤالك البريء هذا.. لابد وأنه (المواطن الزهقان هذا الذي سألته) سمعه آلاف المرات من آخرين غيرك.. فأرجو أن تقدر ظروفه وتتحمله. وتذكر أنه تحمّل هذا السؤال من آلاف المواطنين قبلك وربما أجاب عليهم بصبر جميل.. وجت على حظك أنت بأه.. وقفلت معاه.. لنتحمّل بعض يا جماعة.. تحملنا كثيرًا ذلك العادم الذي يخرج من الشكمانات فيملأ صدورنا.. ألا نتحمل بعض الهواء الساخن الذي يخرج من الصدور المخنوقة؟!.

 

أهمية أن تكون سافلاً

 

يقول معاطي أن الشعب المصري شعر في جملته "الشعب يريد إسقاط النظام" المكونة من أربع كلمات فصيحة.. في عبارة محترمة راقية، شعر المصريون بشعور لا يخفى على أحد أن الجملة ليست شعبية بما يكفي.. وليست معبرة بما يكفي عن مكنون الصدور.. ثم إنها تقال في بلاد كثيرة غير بلادنا نفس الجملة بنفس الألفاظ، بينما كانت العقول المصرية الشابة الموهوبة تعمل بلا توقف لتبدع شيئًا جديدًا صادمًا مفاجئًا شعبيًّا.

حتى أن الدولة في البداية فهمت الهتاف خطأ.. فهي لم تتعود على هذه النوعية من الهتافات الرزينة الوقورة.. واعتقدوا أن الشعب يريد إسقاط وزارة الداخلية.. أو إقالة الوزير فقط وكان هذا هو التقرير الذي قدم للدولة.. لترجمة هذا الهتاف الجديد. بل إن تقريرًا آخر قدمه أحد الأجهزة يؤكد أن هؤلاء المتظاهرين بالتحرير ليسوا مصريين ويتكلمون كلامًا غريبًا بلهجة غريبة.. وفجأة وعينك ما تشوف إلا النور.. طلعت هتافاتنا إحنا بأه.. ودي لا عاوزة تقارير ولا أجهزة.. بدأت برفع الأحذية، وبدأت تعلو في الميدان.. "إرحل.. إرحل يا ابن الجزمة". هنا فقط بدأت الأجهزة تفهم.. فالأجهزة تعلم جيدًا أن المصري حينما يخلع حذاءه ويرفعه يبأه خلاص.

 ومعهم حق.. فهل إذا أتوا إلى الميدان.. ووقفوا صامتين مهذبين مع موسيقى حالمة لكورساكوف، أو وقف عمر خيرت ليعزف لهم على البيانو.. هل كان النظام سيرحل؟!.. قلت لصديقي الأديب هذا الذي شتموه في الميدان لأنه طالب الثوار بأن يهتفوا في أدب: إذا أردت أن تنهى الناس عن فعل شيء يجب أن تقدم لهم البديل.. فهل مثلا كان البديل أن يهتف الثوار هكذا: من فضل حضرتك يا ريس.. يا ريت ترحل.. مع كل الحب والاحترام الشعب يحلم بإسقاط النظام.. ممكن نقعد إحنا يا ريس وحضرتك تمشي.

واختتم معاطي، رؤيته مؤكدًا أن المشكلة التي لا يدركها البعض، أن أي شيء جماعي يحتشد له عدد كبير من الناس يصبح أمرًا واقعًا فوق الأخلاق والقوانين والدساتير.. حتى لو كان سبابًا جماعيًّا وسفالة جماعية.. وحينما كان شبابنا يظهرون على الشاشات ويتكلمون بلا ذوق أو أدب أو لياقة كان البعض يستاء منهم.. ويستاء أكثر لأنني لا أستاء منهم. ليتسافل الجميع.. فقد احتجت أنا شخصيًّا في أوقات كثيرة لهذه السفالة.. فأعانتني حينما لم ينفع الأدب الذي كان بالنسبة لي مهانة وليس مهنة.. مالكم.. تندهشون من أنني أدعو إلى السفالة.. نعم.. أدعو إليها بكل قوتي.. بل بكل سفالتي.. فالسفالة هي الأمل الوحيد الباقي لمجابهة سفالة الآخرين. استعدوا.. احتشدوا.. أعدوا أذرعكم وأصابعكم وأنوفكم وبذاءاتكم.. فالأخلاق الحميدة التي امتطيناها لعقود طويلة أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه. إذًا.. لنتسافل.. ونتشاتم.. ونسب هؤلاء الذين يظنوننا مؤدبين.. طيبين.. يع.. ولا أريد أحدًا أن يفتح لي كتاب الثورات.. ويظل.. ينظر ويحلل.. ويشرح لنا أن أي ثورة في الدنيا بيحصل فيها كذا وكذا.. ويجب عليكم أن تفعلوا كذا وكذا.. هي كده.. ثورتنا إحنا بأه كده.

شكسبير لصاً

يقول الكاتب أنه نشأ في تربية أخلاقية شبه عسكرية، ويطالب اليوم بأن يأخذ حقه في السفالة التي ظلت حلماً يراوده مكبوتاً في صدره، ويعلن أن أول من يصب عليه جام سفالته هو وليم شكسبير، الكاتب الشهير الذي يصفه بأنه "فلول" حيث كان يؤلف الروايات التي يعرضها في القصر أمام الملك المخلوع وحاشيته. واستطاع أن يحصل على أراض المملكة بتراب الفلوسز ثم إنه لقربه من السلطة الحاكمة احتكر التأليف والمسرح فلم يظهر بجواره أي مؤلف آخر ولا سمعنا عن فرقة مسرحية أخرى تعمل غيره.

 وبالإضافة إلى جريمة الاحتكار فهو لص..نعم وليم حرامي ومعظم أعماله مسروقة، "روميو وجوليت" وهي اولى مسرحياته لطشها من قصة كتبها شاعر إنجليزي مغمور اسمه آرثر بروكم..لا أحد يسمع به الآن، والرجل آثر الصمت حتى لا يدخل في مشاكل مع وليم القريب من القصر، وسبب آخر لم يجعل آرثر بروك يعترض هو أنه نفسه كان لاطشها من كتاب اسمه "قصر المسرات" للمؤلف وليم بنتر وهو كتاب يجمع مؤلفه فيه قصصاً وحكايات إيطالية رائعة.

 أيضاً الأخ "وليم" انقض في مسرحيته الشهيرة "الليلة الثانية عشرة" على قصة إيطالية لمؤلف اسمه "نيكولاستش"، و"هاملت" التي تجري أحداقها في الدنمارك مأخوذة أيضاً عن رواية بنفس الاسم، و"عطيل" مأخوذة عن قصة إيطالية قديمة.

 أيضاً كان "وليم" يقرأ في كتاب بلوتارك السير الإنجليزي ووجد قصة أنطونيو وكليوباترا التي أخذها منه، وكما يقول معاطي فهذه هي بعض المستندات الأولية التي التي يأتقدم بها إلى النائب العام متهماً شكسبير بالتربح وإهدار المال العام!.

 النخبة وفولتير

يقول معاطي أنه سيتوقف عند بعض العبارات التي يستخدمها مثقفونا في البرامج الحوارية لحشد أفكارهم والدفع بها لكي تسكن رؤوس العامة والبسطاء، منها ما قاله أحد هؤلاء النخبة في معرض حديثه عن فكرة التوافق قال للمذيعة: شوفي فولتير قال ايه..أنا أختلف معك في الرأي لكنني مستعد أن أفقد حياتي دفاعاً عن أن اقول رأيك.

ويتساءل معاطي: هل إذا كانت تلكك الجملة قد قيلت من واحد "زي حالاتي" كان حد عبرني؟ والا عشان هو فولتير يعني؟ والسؤال الأهم هل يعرف شعبنا الذي أقبل إقبالاً ساحقاً على فيلم "شارع الهرم" وعلى الإخوان والسلفيين من هو فولتير هذا؟ لقد بدأت أشعر – والحديث ليوسف معاطي – أنني أسأت الظن بشعبنا، لم أكن أعرف أنه يؤمن بفولتير إلى هذا الحد، لقد كانت هذه العبارة الفولتيرية تحديداً هي القول الفصل في حوارات كثيرة شاهدتها، حتى أن بعض الإسلاميين استشهدوا بها في معاركهم الحوارية بعد أن أدركوا أن شعبنا غاوي فولتير.

 ويعلق الكاتب ساخراً: يقولون ان شعبنا منقسم وأن الأمة مختلفة هذا كله هراء ومحاولات لتفتيت الوحدة في بلدنا..فولتير – الله يبارك له – قام بالواجب ووحد امتنا.

مصريتي مدينة صينية

 هذا المقال كتبه معاطي مايو 2007 لكنه كان ممنوعاً من النشر، يتحدث فيه عن رغبة دولة عربية من استنساخ معالم مصر في أرضها، فرغم كما يقول أمير هذه الدولة العربية أن الدور السياسي الذي كانت تلعبه مصر في المنطقة انتهى تماماً، إلا أن الفن والثقافة ظلا كما هما وكأن مصر أمر واقع مفروض على العالم العربي، في كل بلد عربي عندنا ملاه عالمية لا تقل عن ملاهي أوروبا، حتى التزحلق على الجليد نفذناه في بلادنا الحارة حتى يجد مواطنونا ما لا يجدونه في مكان آخر ومع ذلك يسافرون إلى مثر كل عام، فما السبب؟.

 

 أجابه أحد الحضور أن الأخوة العرب يذهبون إلى مصر للاستمتاع بالعيش هناك والتحدث مع المصريين والجلوس على المقاهي، حتى أنني أعرف – يواصل – عائلة تذهب كل صيف إلى القاهرة ويظلون طول الليل يتمشون في شارع جامعة الدول العربية في المهندسين حتى يطلع الصباح وفقد. وهذا هو كل ما يفعلونه.

 واقترح الأمير أن يتم بناء مصر أخرى في الصحراء ،صورة طبق الأصل من مصر بشوارعها وحواريها وحتى بالقمامة في الشوارع، وعربات الكارو وكوبري أكتوبر، والأهرامات وبرج القاهرة وشارع جامعة الدول، وسنسميها إمارة مصر العربية.

 كان المشروع الضخم قد رسا في النهاية على الصين، وشركة من هناك لتنفيذه وبالفعل استطاعت أن تبني مصر في فترة قياسية، وكانت الإمارة طبق الأصل من مصر الحقيقية، شئ واحد كان ناقصاً هو المصريون أو بالأحرى روح المصريين، زحام الشوارع، خناقات النواصي، الهمس، النكات.

اقترح الخبير الصيني الذي تولى تنفيذ المشروع توريد بشر صينيين ليعيشوا في الإمارة بعد تدريبهم في معاهد متخصصة لتعليم اللهجة المصرية وعادات وتقاليد المصريين، لكن بعد تنفيذ هذا بدا الديكور تحفة لكن المخرج عديم الإحساس، واقترح احد مستشاري الأمير أن يستورد عمالة مصرية، ليعطي الحياة في الإمارة لمسة حقيقية، وحدث بالفعل فقد هاجر ملايين المصريين.

 بدأ السائحون يذهبون لإمارة مصر الجديدة، وانتعشت الحياة هناك، وأصبحت مصر الحقيقية خالية مهجورة، كأنها مدينة سكنية ألقيت فيها قنبلة ذرية.

الغريب بعد كل هذا أنه كلما حدثت مصيبة أو كارثة لا يشتمون إلا مصر، ولا يحرقون إلا علمها، إن الهجوم على مصر وكراهيتها كما يقول الكاتب أصبح من الكلاسيكيات العربية. فالزيالة في مصر وكذلك المجاعات والسفالة وحوادث الطرق، والشباب الضائع والمخدرات والتفاهة والجهل، ولم أسمع أو أشاهد مطلقاً أن مواطناً أصيب بدور برد حتى، أو اتزحلق وهو ماشي..في نشرة الأخبار الحية من الشقيقة قطر..وقد فسر خبراء الإعلام تلك الظاهرة الفريدة؛ بأن قطر ما فيهاش بني آدمين..وإنما ملائكة!.