"على سرير الشفاه" للكاتب الأردني الراحل محمد طمليه

تاريخ النشر: 02 يونيو 2012 - 06:54 GMT
جانب من الحفل
جانب من الحفل

عمان- أطلقت عائلة الكاتب الراحل محمد طمليه أول من أمس في "بيت بلدنا"، كتابه "على سرير الشفاه" الصادر بدعم من الديوان الملكي العامر، عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، متضمِّنا نصوصاً كتبَها الراحل أثناء صراعه مع مرض السرطان.

وجاء الحفلُ الذي أدارته أحكام الدجاني، بتنظيم ورعاية من دار طمليه للدراسات والأبحاث، وشارك فيه الكاتب الساخر يوسف غيشان، والقاص مفلح العدوان، وقدم الفنان كمال خليل وصلة غنائية، إضافة إلى قراءات من نصوص الراحل ألقاها شقيقه المخرج رياض طمليه.

طمليه الذي غيبه الموت قبل أربعة اعوام كان حاضرا في الحفل من خلال الأصدقاء الذين قرأوا نصوصه، فالكاتب يوسف غيشان قال عنه إنه "أول الساخرين وآخر الميتين"، مضيفا "لم يقدم طمليه إضافات للكتابة الأردنية الساخرة، بل قام بتأسيس تلك الكتابة منذ زاويته شاهد عيان في الدستور في العام 1987".

 

ورأى غيشان أن "طمليه حمل الكتابة الساخرة على ظهره وحيدا، كما حمل سيزيف الصخرة، بينما النسور تنهش كبده، عقابا له على تحدي الالهة وتعليمه البشر سر النار، حتى بداية التسعينيات، إلى حين اضطرار الحكومات بعد هبة نيسان والسماح ببعض أنواع الديمقراطية الشكلية، التي أدت الى ظهور كتاب ساخرين من تحت عباءة طمليه.. كنت أنا أحدهم".

وأضاف "ابتكر طمليه اسلوبا عبقريا في التلاعب بالكلمات والجمل، وابتكر التعابير العذراء وخلق علاقات بين الكلمات لم تكن قد ولدت بعد. لذلك لم يستطع أي منا – نحن الساخرين المحدثين- تقليده او الاقتراب منه فنيا، وهذا ما (أجبرنا) على ابتكار قاموس خاص بكل واحد منا، ربما لأننا عجزنا عن نسخ لغة طمليه".

وأكد أن كل كاتب أردني ساخر صار يحمل بصمته الخاصة، ويعود الفضل في ذلك التمايز، إلى لغة طمليه التي يصعب تقليدها، مشيرا إلى أن حلم طمليه وهاجسه المقلق كان، أن يكتب رواية تضعه في مصاف كتاب الرواية في العالم، فكان يقول: "كما تعلمون، فإن السرطان هو مجرد سكرتير شخصي قام بتعيينه ليذكره كل صباح بواجبه ازاء مشروعه الأدبي".

وأشار غيشان إلى أن طمليه كان مذهولا بالروايات، خصوصا الأدب الروسي، وكان يحفظ مقاطع كاملة، ويقلد شخصياتها ويتأثر بهم ويتقمص حيواتهم أحيانا، ويتصرف كثيرا كما يتوقع ان يتصرف احد ابطال "الاخوة  كرامازوف" او "الدون الهادئ" او غيرها.

لم يكتب طمليه روايته، ربما اقترف الكثير من الفقرات والأسطر التي كان ينوي أن يضعها في متن النص، لكنه لم يرض عن اي حرف منها، كان يريد شيئا أكثر وأعمق وأكثر دهشة، وفقَ غيشان، كان ينبغي أن يموت طمليه لندرك، أن روايته الحقة كانت سيرة محمد طمليه نفسه، وأن حياته ومماته، وما بينهما من دهشة وقلق وسأم وتراجيوكوميديا، وما فيها من بؤس وثراء وشجاعة وجبن وخجل ووقاحة وانهزام وتحد ،عشق وخيانة.

وخلص إلى القول "رواية طمليه التي لم يكتبها، لأنه كان يبحث عن روايته في الخارج بينما كانت تقبع في الداخل – داخله- على أهبة السطوع والتحول من لحم ودم وعرق الى ورق، لافتا إلى انه قد يكتب احد ما في المستقبل سيرة حياة طمليه، لكنها لن تكون على الإطلاق رواية طمليه التي كان يحلم بها، لأنها ستكون مكتوبة بغير لغته، ومنطوقة بغير حنجرته، ومضرجة بغير دمه. ربما كان طميله يدرك جوهر روايته، لكنه لم يكتبها لأنه كان قصير النفس".

من جانبه، قال مفلح العدوان إن طمليه قال بكل ما أوتي من سخرية، وتحد للمرض، والحياة، وكأنه يناكف الشاعر الفرنسي، "أراغون" الذي قال "لست نادما في حياتي على شيء قدر ندمي على امتلاء فمي بكلمات لم أقلها"، لقد قالها طمليه ولم يندم.

 

العدوان الذي قام بكتابة مقدمة الكتاب، تابع "كأنه يريد ان اخط مقدمة اخرى، ولو فعلتها، وعدت للكتاب مرة اخرى، لوجدت نفسي مقدما على كتابة ثلاث مقدمات مغايرة لكل ما سبق، متسائلا هل تتلمسون غلاف الكتاب الآن؟ هو بين أيديكم.. ها هو طمليه يطل عليكم. بوجهه، ترى ماذا تخبئ عيناه؟ ولسانه الذي لم يسعفه في أيامه الاخيرة، ماذا يريد ان يقول؟ ربما هو بحركة لا إرادية منه يمده غير مكترث بأحد، يمد لسانه بوجه كل احدا".

 

وتحدث العدوان عن المقدمة التي كتبها ووصفها بأنها فرصة لاستعادة نبض الغائب من خلال نصوصه. وقال" وكان هذا، وكنت مع كل صفحة من المخطوط، اشعر كأن نافذة تفتح عبر الاسطر والكلمات، ليطل منها طمليه، ويعزف وترا مختلفا في الروح، يضحكني تارة، ويبكيني تارة اخرى، ولا يستطيع، على عادته، أن يترك صفحة دون ان يناكف فيها كل من يقرؤه".

وخلص إلى أن "طمليه لم يترك مجالا لأحد ان يتلمس ضعفه لحظة مرضه، مثلما هو لا يريد لأحد ان يشعر به لحظة غيابه، وقد اقتربنا على السنة الرابعة لرحيله عنا، لكنه "وبوعي منه، ولا وعي منا يعود إلينا، منتشيا بكلماته، بمقالاته، بمواقفه، وبعناوين كتبه".

بعد ذلك قرأ شقيقه رياض مجموعة من مقالات طمليه التي كتبها قبل اصابته بمرض السرطان منها مقال "طالبتني بالزواج، تداعيات رجل يجلس على الجاعد، منصة التتويج/ شهيد جديد"، حيث قال في هذه المقالة:

"اتابع بطولة العالم في مجال العاب القوى التي تجري حاليا في "كندا" هنالك عدة محطات عربية تنقلها... يظهر العلم الفلسطيني محمولا على اكتاف الشباب/ العلم لا يرفرف، لا يرتفع؛ وانما يتجه افقيا صوب المقبرة. اثقل علم: كل الاعلام من قماش، لذلك فهي تطير الى اعلى حالا، وبصورة فيها دلع ليس الا، ولكن العلم الفلسطيني من لحم ودم، لذلك فهو رصين وحقيقي: حركة بطيئة وجماعية بالعرض، لا يهم طالما انها حثيثة، ومخيفة، وتكبر اكثر واكثر، ويخشاها الجميع دون استثناء".

تلا ذلك قدم الفنان كمال خليل وصلة غنائية، حيث غنى من كلمات طمليه بعنوان "حبيبتي الأرض من أين يأتي الدوي، ادبابة قصفت أم حط دوري، وحدي في الغرفة لا صديق يقرع بابي"، ثم غنى قصيدة للشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي بعنوان "لا مشكله لدي".