صدور "سحابة صهباء يتساقط ماؤها" لسلطان الزغول

تاريخ النشر: 14 يوليو 2013 - 07:36 GMT
الغلاف
الغلاف

بمناسبة إعلان عجلون مدينة الثقافة الأردنية صدر عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان "سحابة صهباء يتساقط ماؤها- قراءات في الشعر العربي"، للكاتب سلطان الزغول.

يضمّ الكتاب مجموعة من القراءات النقدية في نصوص من الشعر العربي، قديمه وحديثه. ويجمع القراءات انحيازها إلى النصّ الشعري أساسا.

من هذا المنطلق كان النصّ هو الذي يفرض منهج القراءة. وإذا كان الباحث غير معنيّ بالالتزام الصارم بمنهج نقديّ من المناهج الراسخة، فهذا نابع من إيمانه المطلق -كما يقول في مقدمة الكتاب- "بأنّ النقد إبداع يتّخذ من النصّ المُبدَع أرضا لبناء عالمه الفنّي، وهو خلال ذلك يعيد بناء النصّ موضوع بحثه، دون أن يكون البناء الجديد بديلا عن حديقة الإبداع الأولى، بل حديقة أخرى تجاورها وتفتح أفقا للتحاور معها".

ويضيف الزغول في مقدمة كتابه: "إذا كان التأويل هو مهاد هذه القراءات، المنفتحة منهجيا على كلّ ما يمكن أن يحقق فائدة للولوج إلى عالم النصّ موضوع القراءة، فإنها ليست غافلة عن قول محمد مفتاح: إنّ النصّ الأدبي يمكن أن يقبل تعدّد القراءات، لكن ما لا يقبله هو التأويلات غير المتناسبة منطقيا، لأنها تحطّم أهمّ دعامتين يقوم عليهما مفهوم النص، وهما: الانسجام والتعقيد المنظّم".

تجول القراءات التي تشكّل متن هذا الكتاب في عوالم فنّية زاخرة، تمثّل نماذج غنيّة من الشعر العربي قديمه وجديده. ويبدأ الكتاب بتمهيد بعنوان "بين الإيقاع والمعنى". يليه قراءة تجول عبر نصّين خالدين من الشعر العربي القديم هما: معلقة لبيد بن ربيعة التي كتبت قبل الإسلام، وقصيدة الذئب للبحتري العباسي، وفي هذه القراءة محاولة لربطهما ضمن رؤية واحدة، على الرغم من أنّ النصّين قد كتبا في عهدين متباعدين زمنيا، وهو ما قد يقود إلى الظنّ أنّ البنية الفكرية والثقافية لأحدهما مختلفة كليا عن بنية الآخر.

بعد ذلك تناول الزغول ظاهرة مثيرة برزت في الشعر الأموي، هي ظاهرة شعر النقائض، فجال في نقيضتين من أشهر نقائض جرير والفرزدق، محاولا خلال ذلك تقصّي معالم هذه الظاهرة، وجلاء أسبابها ومنطلقاتها، وأهمّ ما يميّزها، وذلك من خلال الاستفادة من منهج النقد الثقافي في هذه القراءة.

على الرغم من تأكيده: "أنّ قراءة تجليات العنف في نقائض جرير والفرزدق لا تخلو من ملامح البحث الجمالي، فأنا غير معنيّ بالالتزام الصارم بمنهج مهما بلغ شأوه، وعلا صوته، كما أنّ النصّ هو الذي يقود القراءة حسبما تتطلّب ممرّاته وتشعّباته، ثمّ إنّ النقد بناء لا يملك مقوّمات الحياة إلا بالاتّكاء على البناء الجمالي الأوّل، أعني النصّ الأدبي. وإذا خلا البحث في بناء جمالي من تلمّس الجماليات، فلا بدّ أنّه يعاني نقصا ما".

بعد ذلك يتناول الباحث خمرية من أجمل خمريات أبي نواس محاولا أن ينفذ إلى طبقة أكثر عمقا من طبقات النصّ النواسيّ الذي يضمر أكثر من ما يكشف. ثم ينتقل إلى الشعر العربي الحديث، حيث يقرأ نصّين دالّين من أبرز نصوص خليل حاوي، هما قصيدتا "سدوم" و"عودة إلى سدوم"، اللتان تنطلقان من مرجعيات واحدة، لكنهما تبحران في اتجاهين متباينين. ثم قدم قراءة متميزة لقصيدة "خماسية الروح" لسعدي يوسف، هي قصيدة عامرة بالأسئلة المعرفية التي تدفع الشعر إلى حديقة الفلسفة.

إنّ تتبّع هذه النصوص المختارة بالقراءة والتحليل، وهي نصوص تمثّل مراحل ومحطات مهمة عبر مسيرة الشعر العربي، يظهر مدى التطوّر الشكلي والمضموني الذي أصاب القصيدة العربية عبر تاريخها الحافل. ولعلّ أهمّ رسالة يقدّمها هذا الكتاب هي الانحياز إلى تميّز النصّ أولا وأخيرا، والانفتاح على النصّ الشعري العربي، دون النظر إلى زمن كتابته، فهو يضع القصيدة الجاهلية والأموية والعباسية الخالدة جنبا إلى جنب مع نصوص تنتسب إلى الشعر العربي الحديث والمعاصر.