احتفل الكاتبُ والإعلامي الدكتور حسين العموش بتوقيع روايته الجديدة "رجالٌ للبيع" مساء يوم الأربعاء بالمركز الثقافي الملكي، برفقة حضور نوعيّ واسع من المثقفين والنقاد والإعلاميين والأصدقاء الذين جاؤوا ليشاطروه فرحة هذا العمل الإبداعي "الثاني" الذي يحمل بين طياته جرعة قوية من الجرأة، وشحنة "كهربائية" من النقد اللاذع ضد الفساد، ورؤية ثاقبة للأحداث التي تطبع الأردن.
في البداية قدّم الروائي الدكتور حسين العموش في هذه الأمسية التي أدارها الكاتب مفلح العدوان الدوافع النفسية والاجتماعية والسياسية التي فجّرت روايته قائلا: "من أوجاع الشتاء وبرد الليالي وحكايات الأب.. وسؤال لا إجابة له.. كانت فكرة "رجال للبيع". "ذات وجع بكى والدي وأنا أرقب دموع أبٍ تسح على وجنة واحدة، أدركتُ عندها أنهم منعوا دموع أبي من أن تخرج على وجنتين. من هذا المشهد النادر خرجت روايتي "رجال للبيع".
وفي إثر هذه المقدمة التي تحمل أسئلة حائرة كثيرة قدّم الكاتب حكمت النوايسة قراءة نقدية مستفيضة لهذه الرواية التي "تنحو منحى جديدا وتُقدّم نفسها بأسلوب التشخيص الذي كادت الرواية العربية أن تفارقه". وقد شرح الناقد أسباب هذا التشخيص في القراءة العميقة التي يشرح فيها قصة الشاب رضا، بطل الرواية قائلا: "رضا، بطل الرواية، وضمير السرد فيها، شاب مثل كثيرين من شباب الأردن، بالكاد ينهي تعليمه الجامعي حتى يبدأ تعب البحث عن عمل، ثم يجد عملا في أحد المصانع، وهو عمل بدني يمكن أن يقوم به أي إنسان لم يحصّل من التعليم شيئا، ويحتمل ذلك لأنه يريد لقمة شريفة يعتاش منها، وبالصدفة يكتشف الحزب الذي ينتمي إليه رضا إمكاناته الصحفية، فيعيّنه محررا في صحيفة الحزب، ثم مديرا لتحريرها، لتنفتح أمامه فرصة العمل في الصحافة، حيث يقوده ذلك إلى العمل في صحيفة شيحان، ومنها ينطلق في الكتابة: "نشر لي المقال الأول... فرحت به كمن يولد من جديد.. مشيت في شارع صويلح الرئيسي وإحساسي يقول إن جميع مَن في الشارع يشيرون إلي ويقولون قرأنا مقال الأستاذ رضا فلاح".
ويواصل النوايسة الغوص في دهاليز الرواية لينفذ إلى قلب وباء الفساد الذي ينخر المجتمع والسلطة، من خلال الأحداث التي ينعجن بها بطل الرواية قائلا: "ثمّ يبدأ رضا بالكتابة الساخنة ضد الفساد، فيقوده ذلك إلى السجن، فيكتشف أن السجن بداية الولوج إلى طريق النجومية والشهرة في عالم الصحافة، ومن السجن تبدأ معرفة الشاب الصحفي تنفتح على عالم الصحافة من الداخل، وعلاقته بالسلطة، حيث يُنقل، إثر مقالة ساخنة دخل بسببها السجن، إلى القسم الفني، وهو القسم الذي لم يكن من اهتماماته في يوم من الأيام".
كما حفلت الرواية بالنقد الموضوعي الهادف لعالم السياسة، إذ يقول النوايسة "إنّه عالم مليء بالمؤامرات، والدسائس، والمكائد، وآخر شيء يمكن توقّعه هو النزاهة، والنظافة، إذ إن هناك يدا خفيّة تنشد إليها كل خيوط اللعبة، في السياسة، وفي الإعلام، لكنّ رضا، البطل في هذه الرواية يجعل فهمنا مساويا لفهمه تماما ما يدور، فهو لا يدّعي المعرفة الكليّة، ولا يدّعي الإحاطة، وإنّما يقدّم لنا ذلك متواشجا مع ما تصل إليه حياة البطل: "" ما الذي يجري.. ماذا هناك.. هل انزعج مني رئيس التحرير.. هل وصله عني (إسفين) أرض جو.. من أوصل له كلاما لم أقله.. ماذا يحدث؟؟"
وفي النقد الاجتماعي العميق الذي احتل حيزا كبيرا في نص الرواية قال النوايسة "أن الرواية تتعرض أيضا للجوانب الاجتماعية التي قلّما ينظر إليها بوصفها نقائص، ومن ذلك ما يقوم به بعض المثقفين، الذين ينظرون للمرأة بوصفها صيدا أو مغنما، فالفنان التشكيلي مازن، بعد أن غرر بمها، حيث نرى هنا ازدواجية المثقف تجاه المرأة، وأبعد من ذلك ازدواجية المثقف أمام المجتمع، يقول مازن لرضا عندما طلب منه إنقاذ مها مما وضعها فيه: "" افهمني يا رضا.. لا أستطيع أن أهضم فكرة أن تكون زوجة لي.. المرأة التي تسلّم نفسها لرجل من أول مرة.. تهون عليها نفسها في المرة الثانية.. لا أستطيع أن أقنع نفسي بالزواج من مومس".
وعن شخصيات الرواية قال النوايسة :"شخصيات الرواية مصنوعة من سلوكها، إذ لم يتعمّد الكاتب بيان الأبعاد الجسدية، والنفسية للشخصيات من خلال الوصف المباشر، وإنما ترك لأفعال الشخصيات التعبير عن تلك الأبعاد، وتخصيصا الأبعاد النفسية، وهذا ينسجم إلى حد كبير مع نمط السرد المقدّم بضمير المتكلم".
هذا ويقول الناقد أنه "إذا كانت الرواية توجّه النقد السياسي لعلاقة الإعلام بالسلطة فإنها تمارس نقدها السياسي للسلطة، وربّما يكون النقد هنا للمفاصل المهمة في تأثير السياسات على الناس، ولعلّ أخطر نقد يوجّه هنا هو النقد الموجّه لثنائية: الفيصلي الوحدات، حيث ينفذ من خلالها إلى الآثار الجوهرية لهذه الثنائية، يقول: "آه الفيصلي والوحدات وما أدراك ما الفيصلي والوحدات.. لقد درسوا نفسياتنا وجعلوا أدمغة شبابنا مثل طابة الشرايط".
ويلخص النوايسة مفاصل تحليل الرواية التي جاءت بلغة ممزوجة من لغة الصحفي، الساخرة أحيانا، واللغة الأدبية المحلقة على النحو التالي: "فقر- عمل في الأعمال الجسدية بعد أن حصل على الشهادة الجامعية - عمل في الصحافة – الجرأة – السجن – الإغراء – الاستجابة – الانتهاء إلى المحو". ولعل أجمل ما يميز هذه الرواية، يقول النوايسة في النهاية "أن الخير فيها ليس خيرا مطلقا، والشر فيها ليس شرا مطلقًا، بمعنى أنّها شخّصت الإنسان بوصفه إنساناً".
لا شك أن اللحمة الوطنية، وإنقاذ الوطن من الفساد هي غاية العموش النبيلة من هذه الرواية الموضوعية التي تُلخصها "صحيفة أسبوعية تضع شابا في مقتبل العمر، مسكون بالبؤس والفقر والقهر معا، على أوّل خطوات السلطة...صحفيا ومستشارا، ثم زوجا.. وأبا غير شرعي لطفلٍ لم يقترف خطيئة.. وحُبّ لم يكتمل."