صدر حديثاً كتاب للصحافي الألماني هارالد ويلزر تحت عنوان " حروب المناخ: القتل في القرن الـ21" وأشار فيه الى أن حرب دارفور سيسطرها التاريخ كأول حرب مناخية جرت بين مزارعين أفارقة مقيمين في موضعهم، وعرب من البدو الراعاة. ورغم ان النزاع قائم بينهم منذ (70) عاما، الا أن ما حدث من تجريف للأرض الزراعية بالتزامن مع زيادة المواشي هو الذي فجر النزاع، وأن ندرة الأمطار كان لها أكبر الأثر في أن تصبح المناطق الشمالية غير صالحة للمرعى وأن الرعاة اضطروا الى النزوح نحو الجنوب، وأصبح الكثير منهم لأول مرة بدو. واذا ما أشار البعض الى أن الغرب يُقدم مساعدات للجنوب، "فأود أن أقول لهم أنه خلال العشرين عاماً الماضية كلفت الحروب القارة السمراء أكثر من اعانات التنمية التي قدمها الغرب.
وفي أفغانستان، فاذا تساءلنا عن أسباب حالة الحرب المستمرة هناك، فيجب أن نشير الى أن (80 في المئة) من الأراضي الزراعية في البلاد أصابها تأكل وتم تجريفها، و(70 في المئة) من الغابات اختفت، و(50 في المئة) من الأراضي الزراعية لم تعد قابلة للزراعة، ومن المعروف أنه بعد (30) عاماً من حرب فيتنام لم تعد الغابات التي كانت موجودة من قبل، وأن البيئة هناك مازالت متعطشة الى التنوع الحيوي. كما جف نهر الأردن ولم يعد يفيد البلاد لأن اسرائيل استخدمت المياه كسلاح تذل وتستعبد به الشعوب المحيطة به.
على الجانب الآخر، تقترح الدول الرأسمالية بذر وقود حيوي بهدف تأخير مجيء اللحظة التي ينفد فيها البترول. كما أن هذا التصحر الناجم عن الدفيئة الأرضية سيجعل التصحر يستشري في الأراضي الزراعية، خاصة في أميركا الجنوبية وآسيا. ويتزامن مع هذا وذاك أن تستولي شركات رأسمالية كبرى على مساحات شاسعات في تلك الدول لاستغلال ما بها من مصادر للطاقة وخاصة البترول. وأخذ الكاتب يضرب بعض الأمثلة على ما سيؤول اليه الوضع لو حدثت تنمية في هذه الدولة أو تلك، قائلاً ان النرويج استطاعت أن تستغل ثروتها البترولية في الاستثمار والاعداد على المدى البعيد، وهو الأمر الذي سيسمح للأجيال القادمة بمستوى معيشي عال، وبالتالي سينعكس على كل المناحي المعيشية لديهم. وكذلك سويسرا، فرغم جبالها الشاهقة، تمتلك اليوم أكبر شبكة مواصلات عامة في العالم، ولكل مواطن سويسري (47) رحلة بالقطار سنوياً، مقابل (14) لمواطني الدول الأوروبية الأخري.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({}); -->كما أن كارثة (نوفل أورلان)- كاترينا - التي حدثت العام 2005، حسبما يشير (هارولد ويلزر) خدمت النظام في تلك الولاية، فبفضل اعصار كاترينا تمكنت (كاتلين بلانكو) حاكمة مقاطعة (لويزانا) من أن تُعلن القوانين العرفية، والتي من خلالها أعطت أوامر للحرس الوطني باطلاق النار على "الغزاة السارقين"، وهم بالنسبة لها " الشعوب السمراء والفقراء" من سكان الولاية، الذي شُرد منهم (250) ألف مواطن وأصبحوا لا جئين، ويندرج اعصار كاترينا تحت مسمى " الكوارث الأقل من الطبيعية".
لعب المناخ دوراً كبيرا في مجرى الأحداث عبر التاريخ، فالكوارث الطبيعية لها تأثير " بيئي اجتماعي" مهم: لنتذكر أن ما حدث من سقوط للديكتاتور " سوموزا" جاء بعد زلزال أرضي، وأن الشتاء القارص الذي أهلك المحاصيل الشتوية، ومنها القمح، كان أحد الأسباب الرئيسية في قيام الثورة الفرنسية. وأخيراً في افريقيا، كانت عمليات بناء السدود السبب في هجرة شعوب من مدنهم الى معسكرات ايواء ومنها مدينة لاجوس، حتى كان عدد لاجئي المناخ العام 1995 ب¯(25) مليوناً، في حين كان عدد اللاجئين السياسيين (22) مليونا.
وللكوارث البيئية دور كبير في مجرى التاريخ، ففي اليوم الذي استولى (لويس السادس عشر) على (الباستيل) أعرب عن أسفه لما حدث في (14) يوليو من زلزال ولم يتمكن أن يستغل هذه الكارثة وعاد بخفي حنين.