للوهلة الأولى، قد تبدو مظاهرة يقوم بها الأيتام مطالبين بحقوق متساوية أمرا لا يستدعي التفكير فيه من حيث كونهم إحدى الفئات المستضعفة مجتمعيا. إلا أنه في حالة الأيتام الأردنيين؛ فإن هناك تفسيرا أكثر قتامة بخصوص السبب الذي دفع بمجموعة من الشباب العشرينيين إلى الاعتصام على دواوير العاصمة الأردنية عمان خلال السنوات الأربع الماضية.
قد يبدو إطلاق لفظة الأيتام على هذه المجموعة أمرا مضللا وغير دقيق؛ إذ أن الأشخاص الذين التقيناهم وهم مجتمعون ليلا على دوار عبدون وهي منطقة من أجمل مناطق العاصمة الأردنية عمان لا يمكن تصنيفهم كأيتام أو حتى كأردنيين.
فهؤلاء الأيتام هم أولاد غير شرعيون أو مجهولو النسب وينحدر معظمهم من أصول فلسطينية وقد أمضوا سنوات من عمرهم متنقلين بين دور الرعاية التي تتفاوت في درجة السوء بينها وهم يحاربون الحكومة الأردنية للحصول على حقوقهم على مدى السنوات الأربع الماضية.
في غضون ذلك؛ أصدرت الحكومة الأردنية بطاقات أحوال شخصية للأيتام تحوي ٣ خانات صفرية تمييزا لهم عن غيرهم من المواطنين. ولا يستطيع أي منهم أن يشرح السبب الذي دفع الحكومة إلـى "وصمهم" بهذه الخانات الثلاث إلا أن جميعهم يدركون معناها.
يقول علاء الطيبي (٢٤ عاما)؛ المتحدث غير الرسمي باسم هؤلاء اللقطاء والأيتام البالغين الذين ولدوا خارج إطار الزواج والذي التقيناه جالسا وسط جماعة من الشباب:
"بدأت الأصفار الثلاثة في الظهور على بطاقة أحوالنا الشخصية ابتداء من العام ٢٠٠٠ فما بعد".
ويتابع:
"من الواضح أن هذه الأرقام هي السبب في جعل أصحاب الأعمال الكبيرة مثل ملاك المصانع مترددين في توظيفنا لعلمهم بما تدل عليه".
وكانت الحكومة الأردنية قد اعترفت هذا الأسبوع بأن هذه المجموعة من الأرقام قد تم إصدارها فقط بغرض تمييز مجهولي النسب عن غيرهم؛ إلا أنها لا تزال مجبرة على تبرير هذا التصرف الذي يتسم "بالوصم والتمييز" تجاههم.
يقدر علاء بأن هناك حوالي ٨٠ يتيما قد احتشدواعلى الدوار برغم أنه يوجد ١٨٠٠ يتيما يعانون نفس الحالة في الأردن على حد قوله.
كما واجتمعت إلى الأيتام في الدوار مجموعة من العائلات التي شاركتهم تناول العصائر الرمضانية التقليدية وارتشاف القهوة.
إضافة إلى الذكور، لا تبدو الفتيات أحسن حالا؛ فقد اختارت عريب جبر (٢٦ عاما) أن تقصر شعرها وترتدي معطفا طويلا أكبر من حجم جسدها مبررة ذلك بالقول:
"قصصت شعري في محاولة لحماية نفسي بسبب نومي في الشارع". وتتابع عريب بأنها كلما بدت أشبه بالذكور كلما ساهم ذلك في إبعاد شبح الاغتصاب عنها.
وكانت عريب قد تخرجت من جمعية قرى الأطفال SOS الأردنية عند بلوغها الثامنة عشر من العمر؛ إلا أنه وبسبب عدم وجود مكان يؤويها فإن عريب قد داومت على العودة إلى المركز مرارا وتكرارا بهدف قضاء ليلتها هناك وعن ذلك تقول:
"قامت جمعية SOS باستدعاء الشرطة عندما حاولت المبيت فيها. قالوا لي بأنه لا يمكنني ذلك لأني تجاوزت سن الثامنة عشرة إلا أنني لم أعرف مكانا آخر أذهب إليه".
في النهاية؛ قررت الشرطة أن تزج بعريب في السجن وقد داومت هذه الأخيرة على الدخول إلى السجن والخروج منه على فترات متقطعة خلال السنوات السبع الأخيرة.
"بدأت أفضِّل البقاء في الحبس بعد فترة من الزمن فعلى الأقل كان السجن يوفر لي المأوى والطعام؛ وقد خرجت من السجن قبل ثمانية شهور فقط".
وأضافت عريب بأن SOS وعدت بإعطائها المال مقابل بقائها صامتة حيال تجربتها السيئة مع الجمعية إلا أنها رفضت:
"قامت الجمعية بتهديدي بعد أن قمت بعمل مقابلة مع تلفزيون الحقيقة عن ما حدث معي ولا أريد مالهم".
من جهة أخرى؛ رفضت قرية SOS التعليق على الواقعة عند قيامنا في موقع البوابة بالاتصال بها وقد علل المسؤولون ذلك بأن ليس في مقدورهم الرد بسبب مسائل الخصوصية المتعلقة بالقاصرين القدامى أو الذين هم في رعايتهم حاليا.
وصرح علاء لموقع البوابة بأن حوالي ٨٥٪ من هؤلاء الناس -ويعني الأيتام- هم أفراد عاطلون عن العمل ويقع اللوم في ذلك على الأرقام ذات الخانات الثلاث في بطاقاتهم الشخصية وإلى ضعف مستوى التعليم الذي تلقوه في المياتم ودور الرعاية.
كما ويعمل معظم الشباب الأيتام أو مجهولي النسب في وظائف ذات رواتب متواضعة كورش البناء ومحلات السوبر ماركت فيما اضطرت الظروف الإناث منهم للعمل في الملاهي الليلية كبائعات هوى.
تيما عمر هي الأصغر سنا بين مجهولي النسب الذين تحدثنا إليهم وقد تم تزويجها غصبا وهي في سن السادسة عشرة. وتقول تيما بأن مديري الميتم الذي كانت تعيش فيه قد أجبروها على القبول بهذا الزواج.
تقول تيما:
"أصدر الملك حسين رحمه الله أمرا بنقلي إلى واحد من المراكز الذي تميز بروعته إلا أن المركز الذي انتقلت إليه بعد ذلك كان غاية في السوء. فيما بعد؛ قال لي الكبار في المركز بأن عليّ أن أتزوج من يتيم آخر إلا أنه كان يبلغ التاسعة والعشرين من العمر ولا أعلم كيف حدث ذلك".
تبدو تيما مخدرة وهي تروي لنا قصتها فيتدخل أفراد آخرون من المجموعة ليشرحوا لنا أن زوجها متورط معظم الوقت في مشاكل مع الشرطة فيما يدل مظهر تيما على أن زوجها لا ينفق عليها بالشكل الكافي.
وتنوي هذه المجموعة وهم من أكثر الفئات المستضعفة في المجتمع الأردني متابعة الاعتصام حتى تتم الاستجابة لمطالبهم والتي يأتي في مقدمتها إزالة الرقم الذي يميزهم عن غيرهم من الأردنيين ويجعل من السهل على رجال الأمن وأصحاب العمل التعرف عليهم بسرعة. كما ويطالب الأيتام أيضا بمزيد من دعم الحكومة لهم وفي ذلك يقول بكر سمير (٢١ عاما):
"سنوقف اعتصامنا عندما تقوم الحكومة بحل مشكلة الأرقام التي نحملها على بطاقاتنا الشخصية وتوفير المأوى والتأمين الصحي لنا".