ما موقف الأردن من فكرة المنطقة العازلة جنوب سوريا؟

تاريخ النشر: 09 ديسمبر 2014 - 05:18 GMT
لاجئون سوريون على الحدود الاردنية السورية- ارشيف
لاجئون سوريون على الحدود الاردنية السورية- ارشيف

عمان-عمر عساف

حتى الآن لا يولي المسؤولون الأردنيون فكرة إقامة منطقة عازلة جنوب سوريا اهتماما كبيرا. وهم يعتمدون في ذلك على معطيات عدة، إضافة إلى اختلافات في الرؤى مع دعاتها في التحالف الدولي.

فعمّان تريد من المنطقة العازلة، أن تكون مستقرا لعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، بما يخفف الضغط والأعباء المترتبة على استضافة نحو 1,5 مليون سوري، أكثر من ثلثهم يقطنون في مخيمات أعدت خصيصا لهم.

ويخشى الأردن الرسمي من أن تصير المنطقة العازلة "بنغازي سوريا"، أي قاعدة للانطلاق في العمق السوري إما لمحاربة قوات النظام السوري أو لمطاردة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وهذا ما يفتح الباب على مواجهة مكشوفة ومفتوحة مع كلا الطرفين، وهو ما لا يرغب به صانع القرار الأردني.

مغامرة غير مأمونة

غير ان الأردن الرسمي لا يملك حتى الآن قراراً سيادياً حتى يتخذ موقفا حيال الأحداث الجارية بمحيطه وفقاً لمحللين ومتابعين للشأن السياسي الأردني. وهم يعزون ذلك لافتقاره للموارد ومقومات الدولة، لذا، ينحاز لحلفائه الممولين له، إلى جانب حرص النظام على مصالحه الخاصة والمتعلقة باستمراريته وسط الغليان الداخلي الذي يواجهه من الشارع الشعبي.

وعلى رغم التكتم الشديد الذي يفرضه صانع القرار حيال مجمل الطروحات والاحتمالات لإنشاء هذه المنطقة، إلا أن هناك من يرى داخل أروقة الحكم أن هذه الفكرة ما هي الا فقاعات وأمنيات لن تتحقق في الوقت الراهن لصعوبة الظروف العسكرية والاقتصادية. ويرتكز هذا الجناح إلى انه لا ممولين لهذه المنطقة العازلة، وهم يعتقدون أن الأردن سيكون الخاسر اقتصاديا في حال أنشئت هذه المنطقة، في حين أنه يمكن له سياسيا أن يستعمل ورقة المنطقة العازلة من اجل زيادة المنح المقدمة له ولاسترضاء شريحة شعبية مجهلة رافضة لوجود السوريين على الأرض الأردنية.

وبينما تبقى الأمور أشبه بمد و جزر سياسياً، إلا أنه لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة كثافة الزيارات التي يقوم بها قادة عسكريون أميركيون لعمان، تربطها التصريحات الرسمية بإطار التعاون الأردني مع الائتلاف الدولي لمحاربة "داعش".

ويرى المتابعون ان الأردن، الذي، خلافا لما هو معلن، يرى في اللجوء السوري إلى أراضيه أحد أنجح المشاريع التنموية التي أقيمت به ويتعامل معه على هذا الأساس. وفيما يعتقدون ان المنطقة العازلة غير مهيأة حتى الآن في ظل الصراع على الأرض بين أربع جهات مسلحة (الجيش النظامي، الجيش الحر، جبهة النصرة، وداعش المحدودة بقلة عددها ووجودها)، إلا أن أحدا لا يعتقد أنه سيرفض الانخراط في مشروع "العازلة" بنهاية المطاف، خصوصا إذا ما ضغطت عليه واشنطن ودول الخليج العربي. لكنهم يرجحون ان يسعى صانع القرار إلى تعظيم حجم المكاسب المادية حال اضطر إلى المشاركة في إنشائها.

المعارضة السورية

ولا تبتعد المعارضة السورية الميدانية (المجلس الثوري والجيش الحر) كثيرا في الرأي حيال المنطقة العازلة عن التكهنات الأردنية. ويقول قيادي بارز في المجلس الثوري في تصريح (على الهاتف) ل"النهار" أنه الى الآن "لايوجد اي قرار بخصوص المنطقة العازلة". ويتابع القيادي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن هذا الموضوع "ليس بأمر عادي ... هو قرار دولي بحت ولا يمكن أي دولة تبنيه مهما بلغت من القوة". وإنشاؤها "يحتاج الى حماية دولية كما حدث في بنغازي عام 2011".

وعما إذا كانت هناك نية لإقامة هذه المنطقة، فلا يثق القيادي بأنها متوافرة عند الولايات المتحدة، وهو يرى انها "كاذبة ... ولا يهمها سوى أمن إسرائيل، أما نحن العرب فلسنا إلا خراف للذبح فقط، والعرب ليسوا باصحاب قرار بل كلهم مأمورون ... نحن الجسر الذي تصعد عليه اميركا كما تريد". وهو يؤكد ان هذه هي قناعة متوافرة لدى جميع قيادات "الجيش الحر"، وأكدتها التجربة المتواصلة على مدى السنوات الأربع الأخيرة. ويلفت هنا إلى أن جنوب سوريا هي "المنطقة الأشد تعقيدا ... إذ يتركز فيها نصف الجيش السوري"، مما يصعّب من فكرة إقامة منطقة عازلة أكانت مأوى للاجئين او قاعدة لمحاربة النظام او داعش والنصرة، ويجعلها مغامرة خطرة، خلافا للوضع في الشمال على الحدود التركية".

ويذهب القيادي، الموجود في درعا، إلى أن هدف واشنطن هو "التقسيم وإشغال العرب بحروب جانبية تقضي على بعضهم مع توريد السلاح لشركاتها وابتزاز العرب وخصوصاً دول الخليج ودفع الفاتورة مع الحفاظ في الوقت ذاته على أمن اسرائيل". أما "داعش"، فيقر القيادي المعارض بأنها تشكل خطرا على المعارضة السورية، لكنه يعتقد انها "ستزول اوتوماتيكيا حال انتهاء المصلحة الاميركية من وجودها". ويعتقد ان الولايات المتحدة لو ارادت اطاحة الرئيس بشار الأسد، فإن ذلك ّلا يستدعي منها جهودا كبيرة.

خيارات الأردن

المعلومات الراشحة تفيد أن الاردن سيفكر بالمنطقة العازلة في حال أقام الاميركيون والاتراك منطقة عازلة شمال سوريا. وهذا التفكير، وفق الباحث السياسي راكان السعايدة، ينحصر في خيارين، الاول: منطقة عازلة بالتنسيق مع النظام السوري، مما يعني انه سيكون لإيواء اللاجئين بالدرجة الأولى، وربما لمطاردة التنظيمات "الإرهابية". والآخر عبر الائتلاف الدولي، وهو قد يفتح الباب على امكان محاربة النظام السوري، الذي لا يبدو للأردن انه في وضع ضعيف يضمن إسقاطه.

وهنا يعتقد السعايدة أن الافضل للأردن ان يكون العمل منسقا بصيغة ما مع النظام... لتجنب استهداف المنطقة العازلة حال اقامتها او عمل انتقامي ضده.

في المحصلة، فإن خيارات الأردن الذاتية ضيقة في التعامل مع الأزمة السورية، بما فيها المخاطر التي يمكن أن تمسه، لذلك عمّان تدير ملف الأزمة السورية من جهتها بتنسيق مع أميركا واطراف خليجية، على رغم أن الأخيرة باتت مرتبكة نوعا ما حيال هذا الملف.

المصدر: صحيفة  "النهار" اللبنانية.