"حزب الله" يواجه مستقبلا قاتما

تاريخ النشر: 29 مايو 2013 - 01:48 GMT
من تجمع لمناصري حزب الله اللبناني.
من تجمع لمناصري حزب الله اللبناني.

 

علمني الشرق الأوسط التشاؤم. جزء كبير من المنطقة يدور في حلقات بدلاً من التقدم إلى الأمام، وقد رأيت البلاد تلو الأخرى تدخل في دوامة لا تستطيع الخروج منها. قد يكون التفاؤل مصطلحاً أميركياً، لكنه ليس أميركياً حصراً، وبالطبع لدينا نكسات خاصة بنا ونقاط فشل أيضاً، لكن الأمور اتجهت عموماً نحو الأفضل في الحياة الأميركية منذ تأسست هذه الأمة.

الشرق الأوسط، منطقة تعلم طريقة أخرى للنظر في مسار التاريخ، تفاؤل ساذج ارتطم بالصخور في لبنان والعراق ولم يجبر بعد. لم أكلف نفسي عناء التفاؤل مع ما جرى في مصر، لا يوجد شيء هناك يجعلنا متفائلين على أية حال، ولكني وجدت قليلاً من التفاؤل الآن في بعض الأوساط اللبنانية، على الرغم من أن الاقتصاد في أسوأ حال واحتمال امتداد الحرب السورية وتقسيم البلاد مرة أخرى.

وسأكون مقصراً إذا لم أفصح عن هذا التفاؤل، المكان متوتر والجميع يدرك أن هذا الصيف سيكون سيئاً للغاية، وللمرة الثالثة على التوالي، ولكن قد تكون الأمور على المديين المتوسط والبعيد أفضل قليلاً، على الأقل بالنسبة للبعض.

ليس بالنسبة لـ«حزب الله» بالتأكيد، والمستقبل - على المديين المتوسط والبعيد - يبدو قاتماً. وعلى الرغم من رفضهم (عناصر حزب الله) الحديث معي إلا أني علمت من أصدقائي اللبنانيين أن الفصيل الشيعي بدأ رحلته الطويلة نحو الانحدار. ويقول الإعلامي نديم قطيش الذي يقدم برنامجاً على قناة «المستقبل»، «أنا متفائل، لأني لا أصادف أشخاصاً مثلك هنا (غربيين)، إننا نقترب إلى نقطة حاسمة»، ويضيف «مشكلة حزب الله انه عندما وصل إلى قمة قوته، ولم يكن لديه مستقبل، وهو في انحدار من الأعلى».

استغل «حزب الله» ذريعة «المقاومة» للهيمنة على الجنوب، بعد تحريره قبل سنوات، والتحكم في مفاصل السلطة. ويرى قطيش أنه «في التسعينات كان عناصر حزب الله قلقين من رحيل الإسرائيليين، لأنهم لن يجدوا ما يفعلونه حينها».

وعلى الرغم من أن غالبية اللبنانيين كانوا يتمنون أن يقوم الحزب بنزح سلاحه بعد تحرير الأراضي المحتلة، إلا أن قيادته رفضت. وذكر لي قطيش نكتة سياسية تقول «اقترح مستشار أحد البلدان المتخلفة على رئيسه إعلان الحرب ضد أميركا، فوبخه على ذلك. فقال المستشار ان اليابان أعلنت الحرب ضد أميركا، وبعد أن هزمت أعيد إعمارها إلى أن أصبحت ما تراه الآن، لكن الرئيس قال هذا ما سيكون الحال عليه في حال هزمنا الأميركيون، ولكن ما ذا سيكون الحال إن انتصرنا؟!».

هذا هو الوضع الذي وجد «حزب الله» نفسه فيه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب، إذ لم يبق شيء يستدعي المقاومة. ويرى لبنانيون أن الحزب بات من الماضي، ويتعين عليه إعادة اكتشاف قدراته. ويرى كثيرون في لبنان أن الحزب لا يرى لنفسه دوراً سوى «المقاومة»، ويشبه قطيش التنظيم المسلح بالحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقاً، ويقول، «لديهم سجون خاصة، وخبز خاص بهم، وكذلك مستشفياتهم».

التنظيم الآن تحت ضغوط كبيرة ويخشى من الدخول في نزاع داخلي آخر، فقد خسر الكثير في الغزو الإسرائيلي على بيروت في ‬2006، لكن البعض يعتقد أن حزب الله خسر «شرعيته».

تواجد الشيعة في لبنان منذ قرن، ولكن «حزب الله» نشأ في ‬1982. لا أعتقد أن التنظيم سينشأ لولا قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد يكون الحزب مجرد فرع للحرس الثوري في ما وراء البحار، كما أن وجود الحزب ارتبط إلى حد كبير بنظام آل الأسد في بلد مجاور. وعلى الرغم من أن اتفاق الطائف نص على نزح سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، إلا أن دمشق ضمنت بقاء السلاح في أيدي عناصر الحزب، ولو وافق (الرئيس السوري السابق) حافظ الأسد، في عام ‬1990، على نهاية الحزب لما بقي شيء منه يذكر اليوم.

المزاج العام للشيعة اللبنانيين يميزه الخوف والحيطة. يتخوف لبنانيون من أن يصل السلفيون المتشددون إلى السلطة في دمشق ومن ثم يمهدون الطريق للسلفيين في لبنان. هذا احتمال وارد، ولو كان عن بعد. و«جبهة النصرة» لا تدعم اللبنانيين الآن لأنها منشغلة بقتال (الرئيس السوري بشار) الأسد، إلا أن الجميع يعلم أن الأطياف العلمانية في سورية من دون ذكر العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد، سيناهضون حكم «النصرة» في حال نجحت في إسقاط النظام، ولكن وقوع ذلك احتمال وارد، وغالبية السنة في لبنان يساندون حزب رفيق الحريري (في إشارة إلى تيار المستقبل الذي أسسه رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري)، الذي يعتبر ليبرالياً ورأسمالياً.

يقول إعلامي «قناة المستقبل» - الشيعي لكنه لا يساند حزب الله - إن الشيعة في لبنان يخشون من السنة أكثر من خشيتهم من إسرائيل، أما مديرة الموقع الالكتروني لمجلة «لبنان الآن»، حنين غدار، المنحدرة من الجنوب، فترى أن المسألة لا تتعلق بما يريده «حزب الله» في ‬2013 ولكن «ما تريده إيران، إنها تريد حزب الله أن يبقى قوياً لتستخدمه إقليميا من أجل التحكم والنفوذ، ومن دون حزب الله سيخسرون الكثير»، تقول «إنهم يخسرون النظام السوري، وعلى الرغم من أنهم يعلمون أن الأسد سيرحل في النهاية إلا أنهم يفعلون كل ما بوسعهم لبقائه»، مشيرة إلى أن الإيرانيين «يريدون الإبقاء على حمص حتى لا ينقطع خط الإمداد». و«حزب الله» يقاتل في سورية ليضمن ملاذاً للنظام في شرق سورية، يكون محمياً في ما بعد من قبل العلويين وإيران، وتالياً يكون من السهل على هذه الأخير توريد السلاح إلى الحزب.

تقول حنين إن «حزب الله» غير مهتم بتطبيق الشريعة، والواقع أن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم اليوم لا تخضع لأحكام الشريعة، خلافاً لإيران، فالنساء يرتدين ما يحلو لهن، وإراقة الدماء يوم عاشوراء ممنوعة لأنها سلوك «همجي». هناك مراقبة لكن لا يوجد استبداد. وكل ما يهم في الموضوع هو الحفاظ على السلطة والسلاح، ولكن من دون أن يتحرش بالطوائف الأخرى.

وفي لبنان كل طائفة تعتبر أقلية، لذا لم يحاول «حزب الله» أو المتشددون فيه أن يفرضوا نظاماً دينياً صارماً لأن ذلك غير ممكن في لبنان.

تقول حنين ان «حزب الله» يسعى للهيمنة على مؤسسات الدولة فقط في حين يعاني أهل الجنوب من الإحباط الشديد، مشيرة إلى الجنوب يعتبر أكثر مستهلكي الكحول بعد بيروت، وكمية الخمور التي يتناولها الناس في «الضاحية» غير معقولة، إنهم يشربون كميات كبيرة من النبيذ وغيره. الناس في المنطقة يريدون حياة أفضل ويريدون الأمن كذلك، وكلاهما لا يوجدان في الجنوب، وكثير من الشيعة مستاؤون من زج الحزب في الصراع السوري.