تحول أوروبي بشأن المستوطنات لا يبشر بنجاح مبادرة السلام الفرنسية

تاريخ النشر: 18 أبريل 2016 - 10:18 GMT
 300 ألف فلسطيني يسكنون في 180 قرية لا تعترف بها إسرائيل في مناطق (ج)
300 ألف فلسطيني يسكنون في 180 قرية لا تعترف بها إسرائيل في مناطق (ج)

البوابة- خاص 

انتشى بعض المراقبين بالموقف الأوروبي الداعم للقضية الفلسطينية نهاية 2915، ما دفع بالأمل نحو نجاح رعاية أوروبية لمؤتمر دولي تدعو له فرنسا، وحصل على دعم الجانب الفلسطيني، لكن رصد التحركات الإسرائيلية، ورد الفعل الأوروبي بشأن مشروع قرار يلزم دول الاتحاد الأوروبي بتمييز بضائع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس، يظهر أن تحولا أوروبيا بدأ يأخذ مجراها على عكس ما كان مأمولا.
وأظهر الرصد الأخير للصحف الغربية، في الثلث الأول من 2016، شدا وجذبا بين إسرائيل وأوروبا، وأكد أن لحكومة بنيامين نتنياهو اليد الطولى في قلب الموازين، بخاصة الموقف تجاه المستوطنات الإسرائيلية، التي تعد جزءا من جملة شروط إنجاز الحل النهائي قبل الشروع في ترجمة فكرة الدولتين إلى واقع معاش.
ومع ذلك، يبقى أن حركة BDS، الفلسطينية الساعية لمقاطعة إسرائيل، هي الجهة شبه الوحيدة القادرة على الفعل، وسط فشل سياسي وإعلامي عربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وفي سياق دفق خبري مركب ومكثف لا يمهل منطقة الشرق الأوسط فسحة من التفكير.
ومنذ اليوم الأول الذي ناقشت فيه المفوضية الأوروبية مشروع قرار يدعو لوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية، تمهيدا لمقاطعتها، بفعل الجهود التي مارستها حركة (بي دي إس) الفلسطينية، باشرت حكومة نتنياهو جهودا دبلوماسية مكثفة للحيلولة دون تحريك البوصلة الأوروبية عن دعم الكيان العبري.
كما تشي السطور التالية بالمدى الذي يستطيع الاتحاد الأوروبي الوصول إليه لفرض قيود اقتصادية محدودة على إسرائيل.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقريرا صحفيا يوضح الدعم الذي تقدمه أوروبا للفلسطينيين، عبر توفيرها مبلغ 15 مليون دولار، لصالح عملية تنمية الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي المباشر، (ج)، على مدى العامين الفائتين، حيث شيدت العديد من المباني التي ترفض إسرائيل الاعتراف بها، وتقوم بإزالتها سنويا بذريعة عدم قانونيتها.
وتأتي المساعدات الأوروبية، في ظل وجود ما يزيد عن 300 ألف فلسطيني يسكنون في 180 قرية لا تعترف بها إسرائيل في مناطق (ج)، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى قلة الخدمات العامة فيها، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي إيجاد بدائل لهذا التجاهل الإسرائيلي المتعمد، خاصة وأن جميع طلبات البناء في تلك المناطق قد قوبلت بالرفض من قبل سلطات الاحتلال في عام 2014 وحده.
كما يأتي الدعم الأوروبي في ظل ما كشفت عنه حركة السلام الآن الإسرائيلية، من أن عدد خطط بناء المستوطنات في الضفة الغربية، قد تضاعف 3 مرات في الربع الأول من عام 2016، إذا ما جرت مقارنته بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي خبر أورده موقع فرانس 24، فإن 674 مشروعا لبناء وحدات استيطانية قد أنهى، على الأقل، خطوة ضمن سلسلة الإجراءات المطلوبة للموافقة عليه، بزيادة قدرها 194 وحدة سكنية عن الفترة نفسها في عام 2015.
لكن الأخبار الصحفية في الثلث الأول من السنة الجارية، سجلت اختراقات إسرائيلية نوعية ضد قرار المفوضية الأوروبية بشأن المذكرة التفسيرية، التي تسمح لدول الاتحاد الأوروبي بوسم بضائع المستوطنات.
من جانبهم قال دبلوماسيون إسرائيليون إنهم يستصعبون تخفيف صيغة مشروع القرار الذي تدفع به إيرلندا والسويد التي تبدو أنها الدولة الأوروبية الأقرب إلى تأييد الحقوق الفلسطينية.
وهنا ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، العبرية، بأن مشرعين من حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الاجتماعي السويديين، عارضا في رسالة إلى البرلمان الأوروبي، مشاركة ساسكيا بانتيل، مديرة الاتحاد الفيدرالي الصهيوني السويدي، في جلسة نقاش في البرلمان الأوروبي، ضمن صراع خفي بين السويد وإسرائيل. وقالت الصحيفة إن السويد، هي الدول الأوروبية الوحيدة، التي تعارض السياسات الإسرائيلية، وقد تدهورت العلاقات بين ستوكهولم وتل أبيب منذ أن اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية.
ويدفع التعاطف الأوروبي مع الفلسطينيين، وبخاصة في مجال تنامي دور حركة BDS، حكومة نتنياهو إلى التحرك بسرعة في القارة العجوز، إذ يعتزم الأخير السفر إلى بروكسيل منتصف العام الجاري، في إطار التباحث حول اتفاقية تشمل قطاعات الزراعة والبيئة والقضايا الاقتصادية، بدلا من اتفاقية سابقة أبرمت في 2004. وذكر موقع Globes الإسرائيلي، أن نتنياهو سوف يلتقي المفوضية الأوروبية السامية للعلاقات الخارجية والسياسات الأمنية، فريدريتشا موغيريني، وهي الزيارة الأولى له، منذ تسعينيات القرن الماضي.
ورغم التفاؤل الذي تزرعه بعض المحاولات الأوروبية التي تبقي على مشروع كيان فلسطيني، ولو بصورة خداجية، إلا أن الصور القاتمة التي جرى رصدها في وسائل الإعلام على مدى الفترة السابقة تعد كثيرة جدا، ربما يجيء أبرزها ما صرح به السفير لارس فابورغ آنديرسون، رئيس البعثة الأوروبية في إسرائيل، والذي خالف توجهات الاتحاد الأوروبي، حين رحب ببيع البضائع الصادرة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، في الأسواق الأوروبية، في معارضة واضحة لمساعي BDS.
وكان أنديرسون قد تجاهل دعوات فلسطينية تطالبه بالانسحاب من مؤتمر عقد لمناهضة BDS، استضاف قادة المستوطنات. بيد أنه طالب كذلك بضرورة المضي في عملية السلام لوضع حد لتلك الحركة وهو موقف وافقه عليه السفير الأمريكي لدى إسرائيل، إذ وفي المؤتمر نفسه نقلت الصحيفة العبرية The Jerusalem Post، عن السفير دان شابيرو، محاولته للنأي بنفسه عن موقف حاد ضد BDS، بقوله إن استئناف المفاوضات أو وجود أفق سياسي لحل الدولتين هو الوسيلة التي يمكن من خلالها مواجهة الحركة.
بدوره اعتبر محمود نواجعة، الناطق الرسمي، باسم BDS، موقف آنديرسون، بالمخالف للسياسة الأوروبية الرافضة لمنتجات المستوطنات. وأضاف بأن الاتحاد تجاهل مرة أخرى اعتبار المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية، وأشار إلى أن الاتحاد أظهر نفاقا وموقفا مضاد لمبادئ حقوق الإنسان.
وفي محاولته تقويض جهود الحركة، ودغدغة مشاعر الأوروبيين في آن معا، قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلين، إن BDS تسعى إلى "نقض حق إسرائيل في الوجود، وأنها تقوم على الكراهية والعداء لإسرائيل".
ولا تختلف هذه العبارات الاستجدائية عما فرد له موقع سي أن أن العربي، عبر مقال مايكل أورين، سفير إسرائيل السابق لدى واشنطن، والذي تناول فيه ما اعتبره، أبعاد سلبية لقرار مقاطعة المستوطنات قائلا: إن "معاداة السامية، ظاهرة بدأت بالانتشار في أوروبا".
وقد يعكس موقف آنديرسون، الخطوات البريطانية الأخيرة حيث تعتزم لندن إصدار قانون يمنع المؤسسات ذات التمويل الحكومي من مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية. وكان وزير الدولة البريطاني، ماثيو هانكوك، صرح أنه سيتم فرض "عقوبات قاسية" على المقاطعين للمنتجات الإسرائيلية التي يتم إنتاجها في المستوطنات، مبررا ذلك بأن المقاطعة تتسبب بـ "تأجيج معاداة السامية".
وعلى صفحات موقع مديل إيست آي، صوت البرلمان الكندي لقرار ضد BDS. وندد البرلمان الكندي بالحركة، وذلك بعد الضغوط التي مارسها اللوبي اليهودي بغية الوصول إلى هذا القرار.
كما أمكن ملاحظة الهامش الواسع للموقف الأوروبي السلبي في امتناع الدول الأوروبية عن التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان الدولي في أواخر مارس الماضي، بشأن وضع قاعدة بيانات تدرج فيها الشركات التي تمارس نشاطاتها في المستوطنات الاسرائيلية المقامة في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
من جهة ثانية، لا يبدو الموقف الأمريكي حاسما في موقفه من المستوطنات الإسرائيلية، رغم ما تجاهر به إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من معارضة للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، إلا أنها وعلى عكس الفعل الأوروبي، لا تعبر عن هذا الرفض بالأفعال.
ويأتي الموقف الأمريكي المبهم فيما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصميمه على انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي حول الاستيطان. وفي رده على رفض بنيامين نتانياهو لما اسماها "الاملاءات الدولية" والشروط المسبقة، قال عباس "عندما نتحدث عن تجميد الاستيطان، هذا ليس شرطاً مسبقاً، بل موقف دولي، العالم كله يقول لإسرائيل عليكم ان توقفوا الاستيطان، أميركا تقول وأوروبا كلها تقول ذلك".
إلا أن الموقف الأميركي حول المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن، يبقى غير معلن حتى الآن. إلا أن الصحيفة الإسرائيلية ذي جيروسليم بوست، نشرت تصريحات مارك تونر، نائب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، الذي حاول أن ينأى بنفسه عن تحديد موقف واضح من مشروع القرار الفلسطيني، حيث قال إنه "يعد ورقة غير رسمية لا يمكن التعليق عليها الآن"، إلا أنه أكد موقف الإدارة الأمريكية الحالية الرافض للأنشطة الاستيطانية، التي وصفها بأنها غير شرعية وتهدم قضية السلام في الشرق الأوسط.
بيد أن الصحيفة العبرية ذكرت بأن واشنطن لم تصوت بالفيتو منذ تولي أوباما منصبه إلا على قرار مشابه في عام 2011.
ولطالما كررت الإدارة الأمريكية موقفها الرافض للاستيطان كما جاء أخيرا على لسان نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، في خبر أوردته بي بي سي، حين دعا إسرائيل لإثبات التزامها بحل الدولتين، وقال أمام مؤتمر اللوبي اليهودي ـ الأمريكي، آيباك، إن مواصلة بناء المستوطنات يقوض الآمال بالتوصل الى السلام.
ومع ذلك، فقد أقر أوباما، في فبراير الماضي قانونا يعارض مقاطعة إسرائيل، من خلال الاتفاقية التجارية الجديدة معها. ورغم أن أوباما يعتزم التوقيع على اتفاقية تجارية جديدة تناهض حركة BDS، إلا أنه لن يقف داعما لتلك القطاعات التي تدعم إسرائيل، وتحاول أن تملي على واشنطن وقف شراكاتها مع الدول التي تدعم الحركة.
وفي هذا السياق، أمكن تتبع خبر نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، وذكر بأن الجمارك الأمريكية، وفي خطوة أرادت من خلالها إدارة أوباما أن تؤكد معارضتها لبناء المستوطنات، قامت بإصدار تذكير لقانون صدر عام 1994، شدد على ضرورة ألا يتم طباعة عبارة (صُنع في إسرائيل) على البضائع القادمة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وسرعان ما أثار هذا التذكير، جدلا في الأوساط الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية.
وكتبت الصحيفة العبرية ذي تايمز أوف إسرائيل تقول إن التطبيقات الجمركية الأمريكية التي أجبرت على وضع علامة تميز البضائع الإسرائيلية القادمة من الضفة الغربية، ليس قرار تقنيا، بل هو إشارة واضحة على تغير السياسة الأمريكية تجاه المستوطنات.
على أي حال، فإن خبراء ومشرعين أمريكيين أكدوا أن القرار لا يرمي إلى تمييز بضائع المستوطنات بقدر ما يهدف إلى تمييز البضائع المصنّعة من قبل الفلسطينيين أنفسهم.