عند التطرّق إلى موضوع الدعارة في الأردن -والذي نادرًا ما تتم مناقشته- فغالبًا ما يسود الاعتقاد بأن المردود الاقتصادي الذي توفره هذه التجارة يأتي من النساء الأجنبيات العاملات في هذا المجال؛ إلا أن هناك جانبًا من هذه التجارة مصدره نساء عربيات كذلك. وحاليًًا؛ بحسب تقرير أجرته مجلة جوالأردنية عن وضع العاملات العربيات في مجال الدعارة في الأردن؛ فقد أخذت جمعية محلية رائدة على عاتقها مهمة مساعدة أولئك النسوة في ترك الحياة في الشارع.
تُصنّف المعتقدات الاجتماعية المومسات في الأردن إلى فئتين: الشقراوات ذوات القوام الطويل والأصول الأوروبية أو ذوات القوام القصير من أصول آسيوية شرقية. أما النساء اللواتي صادفناهن في مركز "جود نيوز سنتر" فتترواح أعمار هن بين ١٨ و ٤٠ عامًا؛ ستة منهن من أصل عراقي واثنتان من أصل أردني. وعلى عكس الاعتقاد الشائع بأن بائعات الهوى عزباوات فقد كنّ جميعًا متزوجات ما عدا واحدة كما وكن محجبات كذلك إلا واحدة أيضًا مما يجعلهن أقرب إلى أن يكنّ جاراتٍ لأي منا.
وعندما بدأت القصص في التدفق؛ اتفقت جميعها على رواية واحدة مفادها أن لا امرأة منهن قد اختارت هذا النمط من الحياة، فهو كان الملاذ الأخير لهن في حياة لم تمنحهن خيارًا آخر حيث تحول العمل في الدعارة -وهو العمل المرفوض اجتماعيًا- إلى الوسيلة الوحيدة فعليًا لإعاشة أطفالهن مما حوله إلى نوع من الواجب أكثر من واقع كونه خيارًا. كثيرًا ما نوقش موضوع العنف ضد المرأة في المنطقة إلا أن حالات الدعارة هي موضوع لا تتم مناقشته عمومًا وذلك لأن المومسات في الأردن غير مستعدات أبدًا لأن يكن طرفًا فيها فالعذرية هي أساس شرف المرأة وعائلتها في البلد ولذا فإن إجبار النساء على العمل في الدعارة يتحول مع الزمن إلى عقوبة موت بطيء بالنسبة إليهنّ.
كانت أمل تعمل في تخطيط برنامج لرعاية الأيتام تابع لوزارة الصحة عندما تعثرت بدليل يؤكد وجود اقتصاد جنسي تغذيه النساء المحليات ويموله رجال محليون فقامت أمل بتغيير مشاريعها لتؤسس مركز "جود نيوز سنتر" في العام ٢٠٠٦م والذي لا يتحلى بصفة دينية محددة. أصبح المبنى السكني الذي يضم المركز مليئًا بتلك النسوة خلال النهار حيث يحصلن على المساعدة وفقاً لشروطهن وبدون أي أحكام مسبقة عليهن من غيرهن من النساء إلى جانب توفير بدائل عمل لهن. لحمايتها وحماية المركز اختارت أمل هذا الاسم المستعار لهذا المقال حيث اختير الاسم "أمل" عن عمد ليدل على ماهية عمل المركز.
يقوم أشخاص محددون بمراقبة النساء والفتيات اللواتي هن في حالة خطر؛ فيترصدون عائلات اللاجئين العراقيين والأردنيات الهاربات من بيوتهن بسبب سوء المعاملة. إنهم يتابعون دور الإيتام وينتظرون حتى تبلغ الفتيات 18 عاماً فيقدمونهن إلى ما يمكن أن يكون أول عائلة يعرفونها ليخلقوا بذلك مجتمعا وهميا يبقي الفتيات في شباكهم. قد تبدأ الاستمالة أحيانًا بهدية لا تزيد عن ٢٠ ديناراً وكلمات تروي قلوباً ظمأى للحنان . لا يبدو هؤلاء بالضرورة على نفس الهيئة اللامعة التي تقدمها هوليود عن القوادين فهم رجال متواضعو المظهر وسيدات يعرضن توفير الحماية ومجتمعًا تنضم له الفتيات.
دعاء وهوا ايضاً اسم مستعار،فتاة لطيفة الكلام وجميلة تبلغ من العمر ٢٠ عاماً ولدت لأب أردني وأم عراقية، عاشت هي واخوتها الأصغر سناً حياة طفولية مثالية في العراق . انهار عالمها عندما توفي والدها وانتقلت عائلتها للعيش في الأردن حيث نبذتهم عائلة الوالد وبعد ما تزوجت والدتها لإعالة بناتها استاء زوج أمها منها ومن أخواتها . كانت مجرد مراهقة حين التقت بمراقبات حيّها وهن شابات كن يسكن بعيداً عن عائلاتهن فعرضن عليها مكاناً للعيش فجهزت حقيبتها وغادرت دون أن تقول وداعاً لعائلتها.
بالكاد استطاعت دعاء توفير لقمة يومها لوحدها فأخبرتها رفيقاتها بأنها تستطيع ان تكسب مالاً لا بأس به إن عملت كنادلة في ملهى ليلي مثلهن ويأخذ أصحاب الملاهي نسبة معينة من النساء اللواتي يعملن لحسابهم. ذهبت دعاء بدافع من فضولها إلى الملهى فعرض عليها رجل ٢٠ ديناراً مقابل ٢٠ دقيقة لتصرف جنسي من اختياره . مع الفهم المتوسط لدى المراهقة الأردنية عن الجنس لم تكن لديها أدنى فكرة عما يعنيه الأمر إلى أن فقدت عذريتها فصارت تشعر بالعار وانخدشت عاطفياً . لم تستطع العودة إلى والدتها وزوج أمها وأخواتها، فما حدث معها مدعاة لجريمة شرف .
ثم ظهر المنقذ المحتمل فقالت دعاء: "التقيت برجل أعمال ثري في الملهى؛ أحبني وأرادني أن أترك هذا العمل، قال بأنه راغب في أن يتزوجني فاستأجر لنا شقة لنكون معا في كل مرة يعود فيها من السفر". أشرقت عيناها لفترة قصيرة وهي تتحدث عن تلك الأيام ثم تابعت: "ولكن بعدها أصبحت حاملاً فجعلني أجهض ذلك الحمل ثم حملت مرة أخرى ومن ثم قام بإجباري على الإجهاض مرة ثانية".
توقف زوج دعاء عن ارسال المال وقطع علاقته بها بعد الإجهاضات فشعرت أنه تخلى عنها فعادت إلى ممارسة البغاء . في يوم من الأيام جاء شقيق زوجها لزيارتها ومعه صديق فاعتقدت أنه أحضر لها بعض المال من زوجها ولكن بدلأ من ذلك عرض عليها ٦٠ ديناراً مقابل ان تمارس الجنس معهما في نفس الوقت ومن خلال دموعها ودموعنا كل ما فهمناه هو أنها قد هربت منهما عن طريق النافذة. وبعد أن نفذت نقودها خرجت دعاء إلى حديقة في الجبيهة ليراها زوج والدتها بالصدفة ويبدأ بالصراخ بأنها قد جلبت لهم العار. استطاعت أن تهرب منه وساعدتها امرأة في مناورتها لرجال الشرطة من خلال الحشد وأعطتها رقم هاتفها. كانت هذه المرأة أم راكان التي تنتمي إلى نوع آخر من المراقبين الذين يقدمون نوعاً آخر من الحماية .
أم راكان امرأة متزوجة وأمًا لثمانية أطفال تكسب عيشها ببيع المستحضرات التجميلية إلى جيرانها . تتمتع أم راكان بنوع خاص من الرادار الذي يكشف لها النساء المعرضات للخطر فكانت تقرأ تعابير العار والشلل العاطفي في عيونهن وهكذا بدأت بطرح أسئلة لم يطرقها أحد قبل فاكتشفت ام راكان بالصدفة صناعة الجنس في الأردن وأدى اكتشافها هذا إلى مسار مهني جديد مع أمل في جمعية "جود نيوز سنتر" حيث تتظاهر أم راكان بأنها "مدام" أو "قوادة" تعمل في مجال الدعارة وتحصل على ثقة النساء وتعطيهن رقم هاتفها وتنتظر بأن يهاتفنها.
لا يخلو هذا العمل من المخاطرة فالقوادون والقوادات لا يريدون أن يفقدوا أعمالهم ويقومون بتهديد أي شخص يقدم المساعدة للمومسات. فقد زرعوا المخدرات في ثياب النساء اللواتي يحضرن البرامج ليتصلوا بالشرطة بعد ذلك. . قالت أمل بأن السلطات لم تبدِ أي اهتمام بالتدخل فالجنس يعتبر مسألة شخصية والعنف المنزلي صار يعتبر مشكلة منذ عهد قريب فقط ولا أحد يرغب بالحديث عن بائعات الهوى.
ويستند نجاح هذا المركز على تقديم دروس في مجال الصحة الجنسية وفحوصات مجانية للكشف عن مرض نقص المناعة البشري حيث أنهت أكثر من ٥٠ مومس هذه الدورات. معظم العاملات في تجارة الجنس لم يكملن تعليمهن المدرسي ناهيك عن نقص معرفتهن بالكيفية التي تعمل فيها أجسامهن. وبتثقيفهن عن مخاطر الأمراض المنقولة جنسياً فإنهن قد بدأن في الإصرار على استخدام الواقي الذكري. تمثلت مشاكل أمل في الحصول على التمويل المستمر ومساعدة النساء على ايجاد فرص عمل بديلة لا تتطلب سنوات من الدراسة.
عبرت أمل عن دهشتها بحصول المركز على دعم القيادات الدينية والمجتمعية في المنطقة باعتراف هذه القيادات بأن الدعارة واقع وأنهم بحاجة إلى التعامل عملياً مع ما يحدث. وقد حققت أمل نجاحاً في خلق مجتمع مترابط بالإحترام حيث أكدت النساء على ذلك. فهذا النوع من الترابط والدعم أمر بالغ الأهمية لمنع عودة النساء إلى العمل في الجنس .
تبدو دعاء سعيدة بمزاولة مهنتها الجديدة كمصففة للشعر والتي تعلمتها في المركز . يوفر المركز للخريجات "عِدّة عمل" حتى يتمكنّ من الذهاب إلى منازل السيدات والقيام بتصفيف الشعر .وهكذا ستتمكن دعاء من رَصْد النساء اللواتي كن في نفس وضعها فقد أحضرت النساء اللواتي كن في شقتها السابقة إلى المركز وهكذا تحولت المُراقَبَة إلى مُراقِب . إن أسباب الدخول في الدعارة ليست بسيطة وطرق الخروج منها ليست بسهلة أو مّيسرة.