اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما الاربعاء فتح "عهد جديد" مع كوبا ملتزما بان يبحث مع الكونغرس رفع الحظر المفروض على الجزيرة منذ نصف قرن، بعد اعطائه الاذن باعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة معها.
وقال اوباما في خطاب تاريخي من البيت الابيض، ان "عزل كوبا لم يعط نتيجة"، داعيا الى اتباع "نهج جديد" ومعلنا بالاسبانية "نحن كلنا اميركيون".
من جانبه اعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون استعداد المنظمة للمساعدة في تحسين العلاقات بين الجانبين. كما عبر البابا فرنسيس عن ارتياحه الكبير لما وصفه بانه "قرار تاريخي" كما شكره اوباما على دوره في هذا التقارب.
بذلك تكون الولايات قد بدأت الاربعاء مع كوبا تقاربا متميزا بعد نصف قرن من التوتر المتوارث من حقبة الحرب الباردة، مع وعود بالعمل على اعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء وعلى تعاون اكبر في المجال الاقتصادي.
وقال اوباما، الرئيس الرابع والاربعون للولايات المتحدة، في كلمة بمناسبة وصوله الى البيت الابيض "هناك تاريخ من العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وكوبا، لكن الوقت حان لفتح صفحة جديدة"، معلنا عن فشل سياسة العزل ضد النظام الكوبي.
في الوقت نفسه، اعلن الرئيس الكوبي راول كاسترو من هافانا انه اتفق مع اوباما على اعادة العلاقات الدبلوماسية.
واضاف في خطاب بثته وسائل الاعلام الرسمية "هذا لا يعني ان (المشكلة) الرئيسية اي الحصار الاقتصادي تمت تسويتها".
واشاد بالرئيس الاميركي، قائلا "هذا القرار من قبل الرئيس اوباما يستحق اعتراف وتقدير شعبنا" موجها كلمة شكر الى البابا فرنسيس الذي ساهم في التوصل الى هذه الخطوة.
وقال "اود ان اشكر الفاتيكان على دعمه وخصوصا البابا فرنسيس".
وجاءت كلمة كاسترو بعد ان توصل البلدان الى اتفاق لمبادلة سجناء تم بفضله الافراج عن المقاول الاميركي الان غروس لقاء الافراج عن ثلاثة كوبيين ادينوا بالتجسس هم جيراردو هرنانديز ورامون لبانينو وانطونيو غيريرو.
وقال كاسترو ان الكوبيين الثلاثة الذين تعتبرهم هافانا "ابطالا" وصلوا الى كوبا الاربعاء.
واضاف "عاد جيراردو ورامون وانطونيو اليوم الى وطنهم".
واوضح "لاسباب انسانية عاد المواطن الاميركي الان غروس اليوم ايضا الى بلاده".
زيارة غير مستبعدة
وقال متحدث باسم البيت الابيض يوم الاربعاء انه لا يستبعد امكانية زيارة الرئيس اوباما الى كوبا بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإن كان اوباما ليست لديه خطط ملموسة لمثل هذه الزيارة.
وقال المتحدث جوش ارنست للصحفيين "اذا لاحت فرصة للرئيس للقيام بالزيارة فأنا متأكد أنه لن يرفضها."
وسلم ارنست بأن الرئيس التالي للولايات المتحدة يمكن أن يتراجع عن سياسات اوباما الجديدة بشأن كوبا لكنه قال إن البيت الابيض يأمل ان يتخذ الكونجرس خطوات ليرفع الحظر الامريكي تماما قبل ترك اوباما لمنصبه.
وفي الاثناء، انتقد رئيس مجلس النواب الامريكي جون بينر بشدة التحول في سياسة اوباما تجاه كوبا ووصفه بأنه تنازل "آخر في سلسلة طويلة من التنازلات الطائشة" لدكتاتورية متوحشة.
وقال بينر في بيان "العلاقات مع نظام كاسترو لا يجب تغييرها.. ناهيك عن تطبيعها.. قبل ان يتمتع شعب كوبا بالحرية.. وليس قبل ذلك ولو بثانية واحدة."
ومن داخل الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، ندد روبرت مينينديز، الرئيس الحالي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بما يقوم به أوباما تجاه كوبا، قائلاً إنه "يبرر السلوك الوحشي للحكومة الكوبية".
وأضاف مينينديز في بيان، أن مبادلة غروس "بمجرمين مدانين" من كوبا "يرسي سابقة خطيرة للغاية".
ترحيب دولي
وقد هنأ البابا فرنسيس الولايات المتحدة وكوبا على قرارهما اقامة علاقات دبلوماسية وقال الفاتيكان انه مستعد لدعم تعزيز العلاقات الثنائية.
وأكد الفاتيكان في بيان ان دبلوماسييه سهلوا المحادثات بين البلدين "التي أدت الى حلول مقبولة لكل من الطرفين".
وجاء في البيان ان "قداسة البابا يود أن يعبر عن تهنئته الحارة على القرار التاريخي الذي اتخذته حكومتا الولايات المتحدة الامريكية وكوبا لاقامة علاقات دبلوماسية بهدف التغلب على المصاعب التي خيمت على تاريخهما الحديث من اجل مصلحة مواطني البلدين."
وقال البيان ان البابا كتب رسائل الى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو والامريكي باراك أوباما "ودعاهما الى حل المسائل الانسانية محل الاهتمام المشترك بما فيها وضع سجناء معينين من اجل بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين."
وأكد البيان ان دبلوماسية الفاتيكان استخدمت "لتسهيل حوار بناء في الامور ذات الحساسية مما ادى الى حلول مقبولة للطرفين."
وأضاف البيان ان الفاتيكان "سيواصل ضمان تقديم الدعم للمبادرات التي تتخذها الدولتان لتعزيز العلاقات الثنائية" ودعم مصلحة مواطنيهما.
ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف قوله إن روسيا ترحب بتحرك الولايات المتحدة لتطبيع علاقاتها مع كوبا.
ونقلت الوكالة عن ريابكوف قوله إن التحرك الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي باراك اوباما في وقت سابق يوم الاربعاء يأتي في الاتجاه الصحيح وان موسكو ستتابع العملية عن كثب.
وقال ريابكوف "اعلان اليوم لقي ردا ايجابيا منا." واضاف "نرى ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح. لا نعتقد أن فرض الولايات المتحدة عقوبات على أي دولة له اساس شرعي واسس قانونية."
ووصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو صفقة تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وكوبا بأنها لفتة "شجاعة" من اوباما واعتبرها انتصارا للدولة الواقعة في البحر الكاريبي.
وقال مادورو للزعماء في كتلة ميركسور التجارية لأمريكا الجنوبية في قمة في مدينة بارانا الارجنتينية "يجب ان تدركوا لفتة باراك اوباما.. لفتة شجاعة وضرورية."
محادثات سرية في كندا والفاتيكان
وكانت الانفراجة التاريخية في العلاقات الأمريكية الكوبية بدأت في ربيع عام 2013 حينما سمح الرئيس باراك أوباما بإجراء محادثات سرية مع كوبا وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه لبدء محادثات نووية مع إيران.
وبلغت شهور من المحادثات في كندا والفاتيكان بمشاركة واحد من أقرب معاوني أوباما ذروتها يوم الثلاثاء حينما تحدث أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو هاتفيا لنحو ساعة واتفقا على خطوات من شأنها أن تنهي نصف قرن من العداء وتعيد تشكيل العلاقات في نصف الكرة الأرضية الغربي.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية طلب عدم نشر اسمه إن أوباما يعتقد أنه "إذا كانت هناك أي سياسة خارجية أمريكية تجاوزت مدة صلاحيتها فهي السياسة الأمريكية إزاء كوبا."
وتابع المسؤول أن البابا فرنسيس لعب دورا أساسيا في التقارب بين واشنطن وآخر معاقل الشيوعية في العالم الغربي. وفي بداية صيف 2014 بعث البابا رسائل شخصية منفصلة إلى أوباما وكاسترو داعيا إياهما لتبادل السجناء وتحسين العلاقات.
وحينما استقبل البابا الرئيس الأمريكي في مدينة الفاتيكان في أواخر مارس آذار كانت المحادثات السرية مع كوبا محورا رئيسيا للنقاش. وأضاف المسؤول أن كوبا "لقيت قدرا من الاهتمام مثل أي موضوع آخر."
وقال السناتور ريتشارد ديربن وهو ديمقراطي لرويترز "لعب الفاتيكان دورا كبيرا." واضاف أن الكردينال خايمي أورتيجا كبير أساقفة هافانا شارك أيضا في الجهود الدبلوماسية.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن المحادثات السرية جرى التنسيق لها عبر أقسام المصالح الدبلوماسية في العاصمتين الأمريكية والكوبية وعبر بعثة كوبا في الأمم المتحدة.
وقال مسؤول أمريكي كبير ثان إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أجرى أربع مكالمات هاتفية مع وزير خارجية كوبا في صيف 2014 تركزت على مصير الأمريكي ألان جروس المتعاقد مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي كان مسجونا في كوبا.
وجرت أول محادثات مباشرة بشأن تبادل السجناء وإعادة العلاقات الدبلوماسية في يونيو حزيران 2013 في كندا التي أبقت على علاقاتها مع كوبا.
وكان على رأس الوفد الأمريكي في اجتماعات كندا والفاتيكان بن رودس المعاون البارز لأوباما والذي يشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي ومعه ريكاردو زونيجا كبير المتخصصين في شؤون أمريكا اللاتينية في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض.
ولم يتسن على الفور معرفة أسماء المسؤولين الكوبيين الذين شاركوا في المحادثات.
وقال المسؤول الأمريكي إن المحادثات السرية تناولت بشكل مباشر نقاط الخلاف بين الجانبين.
وأوضح الكوبيون أنهم يعارضون البرامج الأمريكية الداعية للديمقراطية في كوبا. وهي برامج اعتبرها الكوبيون منذ فترة طويلة محاولة متخفية للإطاحة بنظامها الاشتراكي. ولكن الأمريكيين قالوا إنهم لن يوقفوا هذه البرامج.
وتابع المسؤول الكبير أن الجانب الأمريكي أصر على أن تفرج كوبا عن جاسوس لم يتم الكشف عن هويته كان يعمل لصالح واشنطن وساعد مسؤولين أمريكيين على الكشف عن جواسيس كوبيين في الولايات المتحدة ومحاكمتهم.
وتابع المسؤول الكبير أن ذلك الشخص الذي امتنع المسؤولون الأمريكيون عن الكشف عن اسمه قام "بعمل بطولي للولايات المتحدة معرضا نفسه لخطر عظيم.. وهو موجود في سجن كوبي منذ نحو 20 عاما." ولم يتسن لرويترز على الفور التعرف على هوية هذا الشخص.
وأصرت واشنطن أيضا على ألا يكون الإفراج عن جروس جزءا من أي تبادل للجواسيس وهو ما يؤكد كيف أن واشنطن ترفض مزاعم هافانا بأن جروس كان عميلا للمخابرات.
ولكن أفرجت الولايات المتحدة عن ثلاثة ضباط للمخابرات الكوبية قضوا 16 عاما في السجون الأمريكية في إطار مسعى لتطبيع العلاقات.
وقال المسؤول الكبير إنه تم وضع اللمسات النهائية على ترتيبات تبادل السجناء في اجتماع حاسم عقد في الفاتيكان. ولم يتضح موعده. ولكنه مهد الطريق لأن يتوصل أوباما وكاسترو للاتفاق يوم الثلاثاء ليتم الإعلان عنه يوم الاربعاء.