يشهد الحوار الليبي-الليبي الذي رعته الأمم المتحدة في مقرها بجنيف نهاية الأسبوع الماضي انفراجات مع إعلان أبرز أطراف الصراع العسكري وقف إطلاق النار.
لكن الحوار تعترضه في الوقت ذاته العديد من العراقيل خصوصا مع وضع بعض الأطراف المشاركة فيه شروطا قد تعصف به.
فقد أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي الاحد وقف إطلاق النار استجابة لتوصيات حوار جنيف الذي جمع الاطراف الليبية المتنازعة بغية الوصول لحل سياسي للازمة، وذلك بعد يومين من اعلان مليشيات (فجر ليبيا) وقف اطلاق النار.
وقالت القيادة العامة للجيش في بيان تلقت وكالة أنباء ((شينخوا)) نسخة منه إننا "نعلن وقف إطلاق النار بدءا من منتصف ليلة الأحد الموافق 18 كانون الثاني/ يناير في البر والبحر والجو على كل الجبهات".
لكن قيادة الجيش استثنت من ذلك "عمليات ملاحقة الارهابيين الذين لا يعترفون بحق الليبيين في بناء دولتهم الوطنية ولا يقرون الاسس الديمقراطية التي تقوم عليها هذه الدولة" في اشارة الى التنظيمات الاسلامية المتطرفة على ما يبدو.
وأضافت القيادة في بيانها أنها "مستمرة في عمليات الاستطلاع لمنع تغيير الاوضاع على الجبهات وكذلك منع نقل السلاح والذخائر والأفراد برا أو بحرا أو جوا إليها، واعتبار ذلك خرقا لوقف إطلاق النار يتم استهدافه على الفور".
وأكدت أنها "أعطت قطاعاتها حق الدفاع عن النفس حال تعرضها لإطلاق النار"، مشيرة إلى أنها تعتبر هذا الوقف لإطلاق النار "فرصة ثمينة لانسحاب القوات المعتدية إلى داخل مناطقها".
كما أكدت أن "الجيش يقف على المسافة نفسها من كافة الاطراف السياسية الليبية القابلة بالعملية السياسية، وأنه ليس طرفا في هذه العملية بل حام لها، وأنه لا يقاتل إلا من يبادر باستعمال السلاح أو يهدد باستعماله لتعطيل أو ابتزاز العملية السياسية".
وقالت القيادة العامة للجيش الليبي إن الجيش يود التفرغ لواجبه في حماية الوطن وأهله وأمنه واستقراره، ولجهده المستمر للقضاء على الإرهاب وإنهاء فوضى السلاح وأعمال التخريب".
وتعهد الجيش أنه "سواء نجح حوار جنيف أم فشل فإنه سيواصل حماية الشعب الليبي والسعي لتحقيق تطلعاته في الامن والاستقرار بعيدا عن أية تجاذبات سياسية".
وفي هذا السياق ، قال المتحدث باسم رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي العقيد أحمد المسماري إن "قرار القيادة العامة للجيش الوطني جاء لمواكبة ما يجري في جنيف، احتراما للمفاوضات القائمة خاصة مع الاطراف التي لا تتبع الارهاب، التي أمرت بدورها بوقف إطلاق النار، وقررت الانصياع للحوار".
وأوضح المسماري أن "القيادة العامة أبرقت البيان لتلك الجبهات التي وافقت على احترام المفاوضات القائمة"، كاشفا أن "القتال لن يتوقف في الجبهات التي يقاتل فيها الجيش الإرهابيين، خصوصا جبهتي بنغازي ودرنة".
وانطلقت الاربعاء الماضي في مقر الأمم المتحدة في جنيف الجولة الأولى للحوار بين الأطراف الليبية التي قبلت التفاوض.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون إن "هدف حوار جنيف هو تشكيل حكومة وفاق وطني تمثل جميع الليبيين؛ وذلك للوصول إلى تسوية سياسية مقبولة، ووقف الاقتتال الدائر بين الأطراف المتنازعة".
والجمعة، أعلنت ميليشيات فجر ليبيا التي تسيطر منذ أغسطس على العاصمة طرابلس الجمعة وقف إطلاق النار على مختلف جبهات القتال الذي تخوضه ضد القوات الحكومية، وذلك غداة اختتام الجولة الاولى من حوار جنيف.
وقالت ميليشيات فجر ليبيا في بيان حصلت ((شينخوا)) على نسخة منه إنها تعلن موافقتها "على وقف إطلاق النار لعمليتي فجر ليبيا والشروق، على أن يلتزم الطرف الآخر بذلك".
وأعربت هذه المليشيات التي يتحدر معظم مقاتليها من مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) عن "سعيها لفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الانسانية ونقل الجرحى والمرضى وإخراج المحاصرين في بنغازي (شرق) وككلة (غرب) وغيرها من بؤر التوتر".
لكن أحد ابرز قادة ميليشيات فجر ليبيا أعلن السبت ان "قوات عملية فجر ليبيا تعرضت للاستهداف في منطقة الوطية"، قرب قاعدة جوية تسيطر عليها القوات الحكومية وتنطلق منها مقاتلات سلاح الجو لقصف عدد من المواقع في مناطق غرب ليبيا.
وقال أحمد هدية المتحدث باسم قوات درع الوسطى (مصراتة) أحد ابرز الميليشيات في فجر ليبيا إن "قواتنا ملتزمة بوقف إطلاق النار بناء على الطلب الأممي الأخير"، مؤكدا " إلتزام فجر ليبيا بحوار جنيف".
وأضاف هدية اننا "تعرضنا للاستهداف رغم بياننا بالموافقة على وقف إطلاق نار المشروط بالتزام الطرف الآخر، وفتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات للمدن المحاصرة في الغرب الليبي".
وفي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) منسوبة للمكتب الإعلامي لـ (فجر ليبيا) عرفت على أنها الصفحة الرسمية للعملية، نشر بيان وصف القرار الذي أصدره الجيش الليبي بوقف إطلاق النار بانه "قرار غير شرعي وصادر عن مجموعة مسلحة خارجة عن شرعية الدولة ".
واكد البيان "التزام قوات ثوار فجر ليبيا بأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة نوري أبوسهمين ورئاسة الأركان العامة التابعة له ، مع التأكيد على أن البيان الذي أصدرته ما يسمى بقوات حفتر ، لا يمثل إلا عصابة مسلحة خارجة عن شرعية الدولة ، لا تمتثل و لا تنصاع لشرعية المؤتمر الوطني العام و رئاسة الأركان العامة المنبثقة عنه " .
وأضافت أنه "استنادا لحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بحل برلمان طبرق ، لا يوجد شرعية غير شرعية المؤتمر الوطني و لا رئاسة أركان غير رئاسة الأركان التابعة له ، وعليه فإن بيانات مجرم الحرب خليفة حفتر ، هي بيانات سياسية محضة و ليست عسكرية بالاتفاق مع ليون في محاولة منه لإيجاد مقعد على كراسي الحوار المزعوم فقط لا غير" .
لكن هدية أكد في تصريحاته أن أية بيانات غير "مرئية عبر شاشات التلفزة" تنسب لفجر ليبيا غير صحيحة، مؤكدا أنه لاوجود لأية انشقاقات أو خلافات داخل "فجر ليبيا".
وأعلن هدية عن "وجود سوء فهم حول خروج بيان وقف إطلاق النار الذي أصدرته فجر ليبيا دون تنسيق جماعي" مشيرا إلى "تسرعه في إلقاء بيان وقف إطلاق النار جاء من أجل ليبيا، ودعما للحوار الودي".
وأكد" توقف الاشتباكات في المنطقة الغربية، وأن الوضع يسوده الهدوء التام منذ صباح اليوم الأحد".
من جهته اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد عمر بعيو أن فجر ليبيا بدون مصراتة مجرد صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك" في إشارة إلى جنوح معظم قادة مصراتة وساستها إلى الحوار والسلم.
ورحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بإعلانات وقف إطلاق النار أحادية الجانب التي صدرت عن الأطراف في ليبيا والتي ترمي إلى "تسوية النزاع بشكل سلمي من خلال الحوار"، داعية جميع الأطراف إلى العمل معها على تحديد عناصر وقف إطلاق النار لضمان الالتزام به.
ورأت البعثة في بيان تلقت ((شينخوا)) نسخة منه أن "هذه الإشارة المشجعة تساهم بشكل كبير في إيجاد بيئة مؤاتية لعملية الحوار الليبي الجارية"، وحثت "الأطراف على ضمان تطبيق وقف إطلاق النار على الأرض وفي البحر والجو إضافة إلى حركة العناصر المسلحة والمركبات".
وقالت إن "لجانا من الطرفين ستقوم بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بمعالجة أية خروقات".
واعتبرت أن "من شأن الهدنة تدفق المساعدات الإنسانية إلى النازحين والمحتاجين في المناطق المتضررة كما ستشجع المنظمات الدولية على استئناف عملها بشكل كامل في البلاد".
لكن المؤتمر الوطني الليبي العام وهو البرلمان المنتهية ولايته تمسك بعقد الحوار بين الاطراف الليبية المتنازعة في الاراضي الليبية للمشاركة فيه.
ومن المقرر استئناف جولات الحوار الوطني الاسبوع القادم في جنيف.
وأكد المؤتمر في بيان تلاه عمر حميدان المتحدث باسمه " تمسكه بضرورة أن يكون الحوار على الاراضي الليبية"، مقترحا مدينة غات الواقعة في اقصى الجنوب الليبي على الحدود الليبية مع الجزائر والنيجر مكانا للحوار.
وأشار البيان إلى أن المؤتمر فوض رئيسه نوري بوسهمين "القائد الأعلى للجيش" غير المعترف به ب"التنسيق مع رئاسة الأركان العامة للجيش الخاضع للمؤتمر والمجلس الأعلى للدفاع (في الحكومة الموازية) وقادة الثوار المنضوين تحت لواء الشرعية بوضع الآليات المناسبة لسير العمليات العسكرية الميدانية بالشكل الذي يهيء الظروف الملائمة لإنجاح هذا الحوار"، على حد وصفه.
ورحب مجلس الامن الدولي السبت بإعلان وقف اطلاق النار على مختلف جبهات القتال الذي تخوضه "فجر ليبيا" ضد القوات الحكومية، مهددا بفرض عقوبات على معرقلي جهود السلام.
كما اعرب مجلس الامن عن دعمه للجولة الثانية من مفاوضات السلام المقررة في جنيف الاسبوع المقبل، مطالبا بالحاح كل اطراف النزاع بالمشاركة في هذه المباحثات.
وتتنازع على الشرعية في ليبيا برلمانان وحكومتان، بعد سيطرة ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس في اغسطس الماضي وإعادتها الحياة للمؤتمر الوطني العام بعد انتهاء ولايته وإنشائها لحكومة موازية لكنهما لم يلقيا اية اعترافات من المجتمع الدولي.
وأمام سيطرة هذه الميليشات على طرابلس، لجأ البرلمان المنتخب في 25 حزيران/يونيو 2014 إلى شرق البلاد هو والحكومة المنبثقة عنه، وقد حصدا اعترافات المجتمع الدولي، لكن الدائرة الدستورية لدى المحكمة الليبية العليا أبطلت تعديلا دستوريا انتخب بموجبه مجلس النواب ما جعل المجتمع الدولي في حرج.
وتبنت السلطات المعترف بها من الاسرة الدولية العمليات العسكرية التي يقودها اللواء خليفة حفتر تحت اسم "الكرامة" والتي أطلقها في مايو الماضي وقال إنها لاجتثاث الإرهاب من بلاده، إضافة إلى دعمها للجيش الذي ضم هذه العملية لكنفه، بعد أن اعتبرتها في باديء الأمر "انقلابا عسكريا".(عن وكالة شينخوا)