نشرت صحيفة "واشنطن بوست" اليوم السبت تحقيقا اجرته وكالة "اسوشييتيد برس" تحت عنوان "الثوار السوريون يستغلون تدفق الاسلحة لخوض معركة استراتيجية للسيطرة على جنوبي سوريا". وهنا نص التحقيق:
"يشن الثوار السوريون، مستغلين تدفقاً للاسلحة في الآونة الاخيرة، معركة استراتيجية للسيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد ويسعون لتأمين معبر من الحدود الاردنية الى دمشق تحضيراً لهجوم في نهاية الامر على العاصمة.
ويوم الجمعة احتفل الثوار باحدث انتصاراتهم: سيطرتهم التامة على داعل، وهي بلدة مهمة على الطريق الرئيسي السريع بعد ان انسحبت قوات نظام الرئيس بشار الاسد انسحاباً شبه تام من المنطقة.
وهتف المقاتلون المسلحون ليل الخميس بعد ان استولوا على آخر حواجز التفتيش العسكرية في البلدة التي كانت قوات الاسد موجودة فيها "الله اكبر! نحن آتون يا بشار!"، حسب شريط فيديو معروض على الانترنت.
وداعل هي احدى البلدات الكبيرة في محافظة درعا الجنوبية حيث بدأ التمرد ضد الاسد في آذار (مارس) 2011 عندما اعتقلت قوات الامن طلبة مدارس ثانوية كانوا قد كتبوا شعارت مناوئة للنظام على احد الجدران.
ويقول ناشطون ان داعل هي التي اطيح فيها باول تمثال لوالد الاسد وسلفه، الرئيس الراحل حافظ الاسد، بعيد اندلاع الاحتجاجات.
ورد النظام بحملة عسكرية ضارية في المنطقة. وقد نجح لفترة طويلة في كبح التمرد هناك بينما كانت القوات الحكومية تولي اهتمامها للدفاع عن مناطق سوريا الشمالية والشرقية لمنع تقدم الثوار مع تحول التمرد الى حرب اهلية قتل فيها من يقدر عددهم بـ 70 الف شخص.
ولكن في بلدات وقرى مغبرة في انحاء المحافظة، اتخذ الثوار في الفترة الاخيرة موقف الهجوم ووسعوا وجودهم باحساس متجدد بالهدف. ويضم المقاتلون الثوار في صفوفهم متشددين اسلاميين.
والمنطقة الاستراتيجية - التي تعرف باسم سهول حوران، وهي تمتد من مشارف العاصمة جنوباً الى الاردن- تعتبر بوابة حاسمة الاهمية تفضي الى الجائزة النهائية التي هي دمشق.
ويبدو ان تدفقاً للاسلحة في الفترة الاخيرة قد جعل هذا الهدف يبدو اقرب منالاً من اي وقت سابق.
وبالرغم من ان الثوار يسيطرون على مناطق واسعة في شمال سوريا متاخمةٍ لتركيا، فان الحدود الاردنية لا تبعد سوى 100 كيلومتر عن دمشق، او ثلث المسافة الى تركيا في الشمال، حيث يسيطر الثوار على مساحات واسعة من الاراضي.
وقد وطد الثوار مواطىء اقدام لهم في عدد من ضواحي دمشق ولكنهم لم يتمكنوا من التقدم الا في مناطق محدودة في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية من العاصمة. ويقول الثوار انهم يحاولون تأمين ممر من الاردن الى دمشق.
وقد حققوا في الاسابيع الاخيرة تقدما مهما في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين المحاذيتين للاردن واسرائيل، واحتلوا بلدات وقرى قرب خط وقف اطلاق النار بين سوريا واسرائيل على مرتفعات الجولان (المحتلة) وعلى طول الطريق الدولي الذي يربط بين دمشق والاردن.
واحتلوا ايضاً حواجز تفتيش عسكرية عديدة، مطهرين مسافة 25 كيلومتراً على الحدود السورية-الاردنية. وفي الاسبوع الماضي، احتل الثوار قاعدة كبرى للدفاع الجوي قرب قرية صيدا.
من الصعب معرفة مساحة المنطقة التي يسيطر عليها الثوار. ويقول ناشطون ان قوات النظام تحتفظ في بلدات وقرى كثيرة بمجرد وجود "رمزي" من خلال قواعد صغيرة وحواجز تفتيش تتعرض للهجوم بصورة متزايدة.
ويدور القتال بصورة يومية في مناطق مثل طفس، والشيخ مسكين، وازرع على طول الطريق.
وتخلت قوات النظام امس الجمعة عن الحاجز الاخير من بضعة حواجز تفتيش في داعل بعد هجوم شنه الثوار لـ24 ساعة. ويبلغ عدد سكان داعل 40 الف نسمة، ما يجعلها من البلدات الكبيرة في المنطقة الحافلة بمزارع عائلية صغيرة، وهي تقع في محافظة درعا على مسافة تقل عن 15 كلم عن الحدود الاردنية.
وقال ناشط في طفس تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته خشية من انتقام الحكومة ان وجود قوات النظام يتقلص يومياً.
ومن بين الفرق التي تشارك في القتال كتيبتا "أبابيل حوران" و"العُمري" الى جانب كتيبة "شهداء اليرموك"، وهي فرقة متشددة اسلامية احتجزت 21 من جنود حفظ السلام الفيليبينيين اسرى لاربعة ايام الشهر الماضي، ما اثار القلق حول مستقبل العمليات التي تقوم به الامم المتحدة في مرتفعات الجولان المحتلة.
واظهرت شرائط هواة الفيديو التي نشرها نشيطون على موقع الانترنيت الثوار في شوارع قرية داعل وجثث الجنود القتلى على الارض. كما اظهرت نسوة يحتفلن ومقاتلين وهم يهتفون "نحن قادمون يا بشار". بدا ان الفيديو أصيل ومتسق مع التقارير التي بثتها وكالة "أسوشييتدبرس" بشأن صور الحوادث المعنية.
وتزامنت سلسلة مكاسب الثوار مع ما صرح به مسؤولون اقليميون، وقال خبراء عسكريون ان هناك زيادة ملحوظة في شحنات الاسلحة الى مقاتلي المعارضة من حكومات عربية، بالتنسيق مع الولايت المتحدة، على أمل الاعداد للاندفاع نحو دمشق.
وقال مسؤولون وخبراء عسكريون غربيون لوكالة "اسوشييتد برس" ان الاردن سمح بان يكون طريقا جديدة لمرور السلاح في اواخر العام الماضي. وقال محللان عسكريان راقبا عن كثب تلك الحركة ان الاسلحة اشتملت على صواريخ ومدافع أكثر قوة مضادة للدبابات صنعت في كرواتيا ولم تكن بين ايدي الثوار من قبل.
وقال اليوت هيغينز في بريطانيا ونك جينزين جونز في استراليا انها اشتملت على بنادق من طراز "إم-60" غير مرتدة، وبطاريات اطلاق صواريخ "اوسا إم 79" واخرى لاطلاق القذائف من طراز "آر بي جي – 6"، وهي اسلحة قوية مضادة للدبابات.
ويبدو ان الاسلحة بدأت تقوم بعملها منذ وقت قصير في المعارك البرية. وشوهد الثوار في اشرطة الفيديو التي نشرت على مواقع الانترنيت في اوائل هذا الشهر يحملون "بطاريات اطلاق صواريخ اوسا إم 79 وأسلحة اكثر حداثة من تلك التي عُرف في وقت سابق انها وصلت الى ايديهم.
وقال رجل في المعارضة السورية تابع عن كثب القتال على الارض ان الفضل في مكاسب الثوار الاخيرة يرجع الى تدفق الاسلحة الجديد عبر الاردن. وقال ان طريقا جديدة للتموين من الاردن الى دمشق يعني ان بامكان الثوار الان التقدم من جبهات مختلفة الى العاصمة. وقد تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لان من غير المرخص له بحث هذه الامور رسميا.
وقال الناشط السوري ماهر جاموس، وهو من قرية داعل وان كان يقيم الان في دولة الامارات العربية المتحدة، انه رغم التقدم المتواصل والانتصار الذي حققه الثوار اخيرا في داعل، فان النظام لا يزال يتحكم بوجود قوي في المحافظة الاستراتيجية التي تؤدي الى العاصمة.
ومن المعروف ان النظام نشر قوات من النخبة في محافظة درعا التي تفصل دمشق عن مرتفعات الجولان التي تحتلها اسرائيل، بعد ان استولت عليها الدولة اليهودية عام 1967 وضمتها الى حدودها في العام 1981.
وكانت المحافظة تعتبر احد اشد المواقع الحصينة ولاء للنظام. وينحدر من درعا نائب الرئيس فاروق الشرع، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد ووزير الاعلام عمران الزعبي واخرون من كبار المسؤولين في سوريا.
وقال العقيد احمد فهد النعمة، قائد المجلس العسكري للجبهة الجنوبية، ان "خطتنا تكتيكيا تقضي بالسيطرة على درعا واسترتيجياً احتلال دمشق، لان ذلك هو الطريق لالحاق الهزيمة بالنظام واسقاطه".
وفي حديث له مع تلفزيون "العربية"، نفى استلام اسلحة عن طريق الاردن، وقال ان معظم السلاح يتم الاستيلاء عليه بعد التغلب على مواقع عسكرية او يتم الحصول عليه لقاء اموال يدفعها الاثرياء السوريون.
وفي اشتباكات اخرى، قال المرصد السوري لحقوق الانسان ان قتالا شديدا وقع بين قوات النظام والمقاتلين الذن يحاولون مرة اخرى اقتحام منشآة عسكرية استراتيجية، تعرف بـ"قاعدة الكتيبة 17"، الى الشمال من مدينة الرقة التي استولى عليها الثوار هذا الشهر.
وتعتبر تلك القاعدة من اهم المواقع الحصينة المتبقية للنظام في المحافظة الشمالية المحاذية لتركيا، حسب قول المرصد، الذي اضاف ان الطائرات العسكرية قامت بعدة غارات جوية على المنطقة.
وقال المرصد ان قوات النظام قصفت ضاحية عذرا الدمشقية، فما قالت محطة التلفزيون الحكومية "الإخبارية" ان قوات النظام قتلت في المنطقة "الكثير من الارهابيين" وهو تعبير يستخدمه النظام للحديث عن المقاتلين الثوار. والموقع قريب من احد السجون الرئيسية في سوريا.
وقال مركز حلب الاعلامي والمرصد السوري عن الاشتباكات ان مروحيات عسكرية قصفت وهاجمت مواقع قرب المطار الدولي شمال مدينة حلب، اكبر المدن السورية ومركزها التجاري.
ونتج عن ذلك مقتل ما لا يقل عن 15 شخصا واصيب الكثيرون عندما سقطت قذيفة في مدينة حريتان في مقاطعة حلب، حسب مجموعة النشيطين في لجان التنسيق المحلية. الا انه لا يمكن التحقق من النبأ بصورة مستقلة"