تلقت ساحة المعارضة الموريتانية والحالمون فيها بالتغيير بسخط وخيبة أمل كبيرة إعلان قادة المعارضة عن فشلهم في الاتفاق على مرشح موحد للرئاسة في الانتخابات المرتقبة.
وأعلن محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والرئيس الدورية للمنتدى المعارض أمس الثلاثاء: “أن التحالف الانتخابي للمعارضة قرر بالإجماع ليلة الأربعاء التوجه نحو الترشح المتعدد بدل الترشيح الموحد”.
وأكد ولد مولود “أن قادة التحالف الانتخابي اتفقوا على التنسيق في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر يونيو/حزيران القادم، وعلى التضامن في الشوط الثاني”.
وأشار ولد مولود “إلى أن المعارضة استعاضت عن الترشيح الموحد بالتوجه نحو تأليف محاور حزبية في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجميعا لقواها”.
واتفق التحالف الانتخابي للمعارضة على “التنسيق والعمل المشترك والنضال المستمر من أجل فرض شفافية وحرية الانتخابات المقبلة”.
وتؤكد قراءة الخارطة السياسية الموريتانية الحالية أن إسلاميي حزب التجمع وهم أكبر الأحزاب المعارضة عددا وعدة، يؤيدون رئيس الوزراء الأسبق سيدي محمد ولد ببكر، بينما يشاع أن حزبي تكتل القوى بزعامة أحمد ولد داداه، وحزب العهد الديموقراطي بزعامة رئيس الوزراء الأسبق يحيى الوقف، تتجه للتفاوض مع الجنرال غزواني للحصول على تشاركية سياسية معه.
وقد أثار فشل المعارضة في توحيد مرشحها، سخطا واسعا بين أنصارها من كافة الاتجاهات، وهو موقف عبر عنه مدونوها وكبار كتابها بوضوح في إدراجات وتدوينات تواصل أمس تدفقها على صفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت مسرحا عاكسا لتوجهات الرأي العام في موريتانيا.
وكتب القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور في أول ردة فعل منه على فشل المعارضة في توحيد مرشحها: “لو سألتني قيادة المعارضة ما الحل في حالتنا الآن لقلت لهم الحل في نقطتين: الأولى أن يتنازل كل طرف عن موقفه وشروطه ونبدأ كأن لم يكن موقف أو تحفظ، والثانية أن تشكل لجنة حكماء من المعارضة تعطى لها خمسة أيام تعيد فيها قراءة الحال وتحدد الأوليات وتفاضل بين الخيارات الممكنة على أسس معلومة وتأتي بمنتوجها بعد خمسة أيام من التخلي ليبدأ تداول جدي من أجل التحلي”.
وأضاف: “أدرك وأنا أسجل هذا الاقتراح هنا أنه يمكن ألا نصل إلى نتيجة ولكنه بالمقابل يمكن أن يوفق الله لما ينقذ صورة وواقع المعارضة، فلا عجلة عن محاولة الإصلاح واعلموا أن التمايز مدخل إلى التنابز وأن الاختلاف باب لتبادل الاتهامات في الحملات ولا يخفى على ذوي العقول أن ذلك آخر ما نحتاجه”.
وأكد الإعلامي البارز أحمدو الوديعة القيادي في حزب التجمع (الإسلاميون)، في تعليق له على هذا الحدث الذي هز ساحة المعارضة “أنه مع أن الحديث عن مرشح موحد أو مرشح رئيس للمعارضة كان من أكثر الأحاديث تداولا خلال الأسابيع الماضية، فقد كان جليا لمن يتابع مواقف تشكيلات وأحزاب الطيف المعارض أن الحديث عن المرشح الموحد كان سقف طموح أكثر من كونه أفق موقف”.
وقال: “لقد كان أقصى ما يمكن أن ينتهي له هذا المسعى الذي تم التعبير عنه في الوثيقة الإطارية للتحالف الانتخابي المعارض، هو أن يكون من بين مرشحي المعارضة، المتعددين بالضرورة، مرشح تجتمع حوله عدة أحزاب وقوى بدل أن يكون كل حزب بمرشحهم محتفون”.
وأضاف الوديعة متابعا تعليقه: “قلت، إنه كان سقف طموح أكثر من كونه أفق موقف لأن خريطة الترشيحات في الطيف المعارض أظهرت مبكرا مؤشرات ترشحات متعددة بعضها معلن بشكل رسمي منذ سنوات مثل ترشح الرئيس بيرام عن تحالف حركة “ايرا” (الحقوقية) وحزب الصواب، وبعضها متوقع ضمن مسار مستقل لأحزاب حركة التجديد وإعادة التأسيس، والقوى التقدمية للتغيير، وثالث كان الأمل معلقا أن يكون مرشحا تتفق عليه أحزاب المنتدى والتكتل واللقاء وحزب التناوب؛ وواضح في المحصلة أننا كنا في الحد الأدنى أمام ثلاثة مرشحين معارضين، يخرجون كلهم من رحم المعارضة التي خاضت مجتمعة أو منسقة انتخابات 2018، وأن كل واحد من هؤلاء كان سيحظى بدعم عدة قوى حزبية ومجتمعية، وإن تفاوتت الأوزان وتباينت التوقعات في حظوظ الحصاد الانتخابي”.
وقال: “لا يعني ما سبق أنه لا جديد فيما أعلن هذا المساء من التحول من سقف المرشح الموحد أو الرئيس إلى أرضية التنسيق بين مرشحين متعددين، فالجديد فيه واضح وجلي، وبكل تأكيد ليس هذا الجديد مما يثلج صدور قوم مؤمنين بأهمية أكبر مستوى ممكن من توحد المعارضة لكسب رهانات المرحلة، لكنه، وإن كان مؤسفا في شكله ومتنه وتوقيته وخلفياته، يمكن ألا يكون نهاية الحلم، إن كان بساط نية متخذي القرار مجرد تحول في التكتيك وليس تحولا إلى التسارح بإحسان بعد تعذر التماسك بالمعروف”.
وقال: “نعم ما يزال ممكنا أن تدير المعارضة تعدد مرشحيها بما يعزز فرص التناوب الديمقراطي، ويحد من حالة التقافز إلى مرشح العسكر بعناوين وأقنعة بعضها غير تقليدي بالمرة، وأظن أن إدارة هذا التنوع، وتثبيت فرصة المعارضة في تنافسية 2019، يتطلب خطوات عاجلة وجدية في صدارته، أولها توقف قوى المعارضة عن تسفيه وتتفيه خياراتها البينية، وتركيز الوقت والجهد على التناقض الجوهري مع النظام الاستبدادي الآخذ في تجديد نفسه بطرق ومضامين لا تقل خطورة عن الطرق والمضامين والأساليب التي كانت سائدة في الفترات الماضية، والثانية الاتفاق على أساسيات برنامج انتقالي جوهري يقدم تصورات واضحة لتأسيس جمهورية جديدة وفق عقد اجتماعي جديد مبني على قراءة فاحصة جريئة وشاملة للاختلالات المجتمعية والثقافية والحقوقية والتنموية والبنيوية، والثالثة فتح قنوات حوار بينية بين أحزاب المعارضة بهدف الجمع بين وجود عدة مرشحين منافسين بمستوى من الجدية ومرشح أو مرشحين يصلون عتبة اقناع الناخب بأن لديهم فرصة جدية في كسب الرهان”.
وأوصى الإعلامي وديعة “بالاستفادة من التنوع، الواقع والمتوقع الحاصل والممكن في توسيع دائرة المصوتين للخط المعارض في السباق القادم”، مبرزا “أنه من المهم أن تكون هناك رمزيات نضالية تجذب الجمهور المعارض، وتمنع تكريس مقولة أن النضال يمنع من العبور إلى الرئاسة، كما من المهم وجود أدوات استقطاب للجمهور غير المناضل والجمهور المستقل، لتعزيز كفة المعارضة وترجيح ميزان التغيير”.
“إن النظام الذي يريد العسكر إعادة ترميم واجهاته وبواباته، يضيف أحمدو الوديعة، نظام بلغ من الخطورة على حاضر هذا البلد ومستقبله ما يجعل أي تساهل في مساعدته على التجدد خطيئة بحق وطن يستحق علينا أن نمد له يد عون لبناء جسر انقاذ للخروج من وهد أربعينية تيه حكم العسكر المعتمة المقفرة العجفاء؛ وأعرف أنكم تسمعون صرخات استغاثته، وظني أنه ليس من شيمكم الإعراض عن صرخات الوطن حين يستنجدكم النصر”.
وفي نفس الإطار، دعا الأستاذ الجامعي الدكتور الشيخ معاذ إلى ثورة شبابية، مضيفا: “لماذا لا ينتفض شاب من ركام الهزيمة هذا، ويحدث المفاجأة؟؛ لماذا لا ينتفض شاب من ركام الهوان هذا، ويخوض حملة غير تقليدية مشيا على الأقدام أو العربات ؟، ولماذا لا يوجد في هذا البلد طائر فينيق؟”.