المجاعة حتمية.. فهل سنأكل لحوم البشر كما فعل أجدادنا؟

تاريخ النشر: 25 يونيو 2022 - 09:42 GMT
المجاعة حتمية.. فهل سنأكل لحوم الموتى والكلاب كما فعل أجدادنا؟

لا يخدعنكم أحد.. المجاعة قادمة لا محالة الى منطقتنا، وهناك خمس دول عربية حددتها الامم المتحدة باعتبارها الاكثر عرضة لأشد تبعات الجوع الزاحف، وهي سوريا والسودان واليمن والصومال ولبنان.

ولا يتوهمن أحد أن الدول العربية الأخرى محصنة أو في منأى عن سقوط شعوبها في براثن المجاعة ، والذي لا تزال ذاكرة التاريخ زاخرة بفظائع شهدتها منطقتنا بسببه، ومنها لجوء أجدادنا في بعض المراحل الى نبش قبور الموتى لأكل لحومهم المتعفنة، كما لم يوفروا الاحياء فقتلوهم والتهموهم، وفعلوا ذات الأمر مع القطط والكلاب، عندما لم يعد لديهم ما يأكلونه.

وقد علمنا التاريخ أيضا ان هذا الوحش الذي لا يرحم يمتلك قدرة على التفشي تفوق ما لدى أشرس الفيروسات. ولعل في سرعة اجتياح كورونا لكرتنا الارضية موعظة للعالمين.

عام جوع كارثي

في تقرير مشترك لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) صدر مطلع الشهر، كان التحذير واضحا من اننا سنشهد "عام جوع كارثي" في 20 "بؤرة ساخنة" حول العالم، من بينها: سوريا والسودان واليمن والصومال ولبنان.

""امراة وابنها في الصومال الذي يتوقع ان يشهد اكبر تأثير للمجاعة المقبلة
امراة وابنها في الصومال الذي يتوقع ان يشهد اكبر تأثير للمجاعة المقبلة

 

ويخلص التقرير إلى أنه – إلى جانب الصراع – ستستمر الصدمات المناخية في التسبب بالجوع الحاد في فترة التوقعات من حزيران/يونيو إلى أيلول/سبتمبر 2022، مع دخول العالم "الوضع الطبيعي الجديد" حيث تقضي فترات الجفاف المتكررة والفيضانات والأعاصير على الزراعة، مما يزيد النزوح ويدفع بالملايين إلى حافة الهاوية في البلدان في جميع أنحاء العالم.

ولا يمهل التقرير المشؤوم ادارات هذه الدول او يعطيها ما يكفي من الوقت لتدبر أمرها قبل حصول المجاعة ، إن كانت لديها أي قدرة على ذلك، فالبلاء سيقع في غضون شهور قليلة فقط!.

وبدوره، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة، تحذيره من أن هناك خطراً حقيقياً لحدوث مجاعات هذا العام. وقال مخاطبا عبر الفيديو اجتماعا انعقد في برلين أن الحرب في أوكرانيا أدت "إلى تفاقم المشكلات التي تراكمت على مدى سنوات مثل اضطرابات المناخ وجائحة كوفيد 19 والخلل الكبير في وتيرة التعافي".

وأقر غوتيرش بأنه يصعب التوصل إلى حل فعال لهذه الأزمة ما لم تجد أوكرانيا وروسيا، اللتان تسهمان بنحو 29 في المئة من صادرات القمح العالمية، سبيلاً لاستئناف التجارة بشكل سليم. 

تطول قائمة الجهات والمنظمات الدولية التي لا تنفك تحذرنا من اقتراب الكارثة، ودون ان يكون في جعبتها حلول غير مناشدة روسيا وأوكرانيا بالتوقف فورا عن استخدام قمحهما وذرتهما وأسمدتها وسواها، سلاحا الى جانب الدبابات والقذائف والصواريخ.في حربهما العبثية التي لا يبدو انها ستضطع أزارها في وقت قريب.

الحرب الأوكرانية قلبت الموازين وقربت المجاعة

تُعرف المجاعة بأنّها قلة توفر الموارد الغذائيّة التي تلبي احتياجات الناس، وهي واحدة من أقسى وأشدّ المشكلات التي تواجه العديد من المناطق حول العالم، حيث تترافق المجاعات عادةً مع العديد من المشكلات الأخرى، من بينها: ارتفاع مُعدّلات الوفيّات، والأوبئة.

""الغذاء بات سلاحا في الحرب الاوكرانية ويزيد فرص وقوع المجاعة حول العالم
الغذاء بات سلاحا في الحرب الاوكرانية ويزيد فرص وقوع المجاعة حول العالم

 

ولا تنحصر المجاعة بزمنٍ أو مكان معيّنين، فكل الأزمنة، والأماكن مُعرّضةٌ لحدوث هذه الكارثة الإنسانية.

وتتنوع الأسباب الكامنة وراء حدوث المجاعة ، ولعلَّ أبرزها: اندلاع الحروب، والكوارث الطبيعيّة، والانفجار السكانيّ، والفقر الشديد في بعض مناطق العالم، والأمراض، حيث يواجه الناس خلال فترة المجاعة جوعاً شديداً لا نظير له، يستنزفهم، ويؤدي إلى موتهم أحياناً.

المفاجأة أن الحرب الأوكرانية الروسية قلبت موازين العالم الغذائية، وما كنا نفترض أنه سيظهر بعد مائة عام، أصبح الآن جاثما على الصدور، فالأزمة الغذائية بدأت تطرق أبواب مصر وتركيا وبنغلاديش وإيران.

فهذه الدول تشتري أكثر من 60% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، أما بلدان مثل لبنان وتونس واليمن وليبيا وباكستان فهي تعتمد بشكل كبير على البلدين في إمدادات القمح.

ولا يخلو الأمر من احتمال حصول قلاقل سياسية واجتماعية كبيرة بسبب التزام الحكومات أمام شعوبها بتوفير الغذاء، لمنع المجاعة  وربما يدخل الصراع على الماء بين دولتين مثل مصر وإثيوبيا منعطفا خطيرا بسبب حرص مصر على زيادة الرقعة الزرعية المعتمدة على ماء النيل من أجل التوسع في زراعات حيوية لغذاء المصريين كالقمح والأرز.

"من قدر على صاحبه قتله وأكله"

كما أسلفنا، شهدت منطقتنا العربية عبر التاريخ مجاعات تخللها فظاعات ارتكبها الناس من اجل البقاء على قيد الحياة، وليس اقلها نبش قبور الموتى لاكل لحومهم وقتل الاحياء للتغذي عليهم، ودون ان يكون لصلة الرحم اي وزن، حتى اكل الاب ابنه والاخ اخاه!.

""فظاعات ارتكبها الناس من اجل البقاء على قيد الحياة أيام المجاعة
فظاعات ارتكبها الناس من اجل البقاء على قيد الحياة أيام المجاعة

 

ويروي ابن أبي حديد المعتزلي بعض الاحداث التي وقعت عندما دخل الزنج البصرة إبان ثورتهم الشهيرة (869 - 883 م)، ويقول “واستخفى من سلم من أهل البصرة في آبار الدور، فكانوا يظهرون ليلاً فيطلبون الكلاب فيذبحونها ويأكلونها، والفأر والسنانير [القطط]، فأفنوها حتى لم يقدروا على شيء منها. فصاروا إذا مات الواحد منهم أكلوه. فكان يراعي بعضهم موتَ بعض، ومن قدر على صاحبه قتله وأكله".

ويورد المعتزلي قصة لا يكاد يستوعبها عقل ووقعت ابان هذه المجاعة ، قائلا "ذُكر عن امرأة منهم أنها حَضَرت امرأة قد احتُضرت [أي في النزع الأخير قبل الموت]، وعندها أختها وقد احتوشوها [أي أحاطوا بها] ينتظرون أن تموت فيأكلوا لحمها. قالت المرأة: فما ماتت حُسناً حتى ابتدرناها فقطعنا لحمها فأكلناه. ولقد حضرت أختها وهي تبكي ومعها رأس الميت، فقائل لها قائل: ويحك، ما لكِ تبكين؟ فقالت: اجتمع هؤلاء على أختي فما تركوها تموت حسناً حتى قطّعوها، وظلموني فلم يعطوني من لحمها شيئاً إلا الرأس. وإذ هي تبكي شاكية من ظلمهم لها في أختها”.

"شوت ولدها وجلست تأكله"

بعد نهاية الثلث الأول من القرن الرابع الهجري مباشرة أصابت بغداد مجاعة شديدة أورد أخبارها العديد من المؤرخين. الخبر أدناه هو جمع بين روايتي ابن كثير وابن الجوزي:

وفيها [سنة 334 هـ - 945 م] اشتدَّ الغلاء ببغداد حتى أكل الناس الميتة والكلاب والسنانير [القطط]. وأخذَ بعضهم ومعه صبي قد شواه ليأكله. وأكل الناس خرّوب الشوك فأكثروا منه، وكانوا يسلقون حبّه ويأكلونه، فلحِقَ الناس أمراض وأورام في أحشائهم، وكثُر فيهم الموت حتى عجز الناس عن دفن الموتى، فكانت الكلاب تأكل لحومهم. وانحدر كثير من أهل بغداد إلى البصرة فمات أكثرهم في الطريق، ومن وصل منهم مات بعد مديدة يسيرة. وبيعت الدور والعقار بالخبز. وفي يوم الأربعاء لأربع خلون من شعبان، وُجدت امرأة هاشمية قد سرقت صبياً فشوته في تنور وهو حي، وأكلت بعضه، وأقرّت بذلك، وذكرت أن شدة الجوع حملها على ذلك، فحُبست ثم أخرجت وضُربت عنقها. ووُجدت امرأة أخرى هاشمية أيضاً قد أخذت صبية فشقتها بنصفين، فطبخت النصف سكباجاً [نوع من المرق يُطبخ بالخل] والنصف الآخر بماء وملح، فدخل الديلم فذبحوها. ثم وُجدت ثالثة قد شوت صبياً وأكلت بعضه، فقُتلت. وأكلوا الجيف. وإذا راثت الدواب اجتمع جماعة من الضعفاء على الروث فالتقطوا ما فيه من حب الشعير فأكلوه. وكانت الموتى مطرحين، فربما أكلت الكلاب لحومهم".

يروي التنوخي عن رجل انه "شاهد في وقت الغلاء الشديد الذي كان ببغداد ونواحيها، في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة (945 م)، امرأة قد شوت ولدها وجلست تأكله. ففطن المسلمون بها، فأخذوها. حتى حملوها إلى السلطان، فقتلها".

أما القاضي المُحسّن التنوخي فقد قابل أحد شهود واقعة أكل لحوم البشر في مجاعة بغداد هذه مما يدل على سعة انتشارها. قال القاضي التنوخي في كتابه (نشوار المحاضرة):

"أخبرني أحمد بن إبراهيم الجعفي، أحد شهودي، وكان بقصر ابن هبيرة [قصر كان قد بناه عمر بن هبيرة الفزاري أيام بني أمية بالقرب من جسر سورا على الفرات بالعراق على طريق الكوفة]، وأنا أتقلدها إذ ذاك: إنهُ شاهد في وقت الغلاء الشديد الذي كان ببغداد ونواحيها، في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، امرأة قد شوت ولدها وجلست تأكله. ففطن المسلمون بها، فأخذوها. وبَـقَـيتُ [أي راوي الخبر أحمد الجعفي] معها حتى حملوها إلى السلطان، فقتلها. وقد أخبرني عدد كثير من أهل بغداد أن هذا جرى عندهم في هذا الوقت، وأنهم شاهدوه".

خطافات وكلاليب لاصطياد البشر

في منتصف القرن الخامس الهجري (1009 إلى 1105 للميلاد)، وتحت حكم الفاطميين، عانت مصر من المجاعة الشديدة التي أرّخ لها المقريزي في (إغاثة الأمة). ففي فترة حكم المستنصر بالله الفاطمي عرفت مصر أكل لحوم البشر:

""أكل الناس بعضهم بعضاً ايام شدة المستنصر
أكل الناس بعضهم بعضاً ايام شدة المستنصر

 

"ثم وقع فى أيام المستنصر الغلاء الذى فحش أمره، وشنع ذكره، وكان أمده سبع سنين. وسببه ضعف السلطنة، واختلال أحوال المملكة، واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان، وقصور النيل، وعدم وجود من يزرع ما شمله الري. واستولى الجوع لعدم القوت، حتى بيع رغيف خبز فى النداء بزقاق القناديل من الفسطاط كبيع الطرف بخمسة عشر ديناراً، وأُكلت الكلاب والقطط حتى قلّت الكلاب، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير. وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضاً. وتحرز الناس، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فاذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه فى اسرع وقت، وشرحوا لحمه وأكلوه (...) واحتاج المستنصر حتى باع حلية قبور آبائه. وجاءه الوزير يوماً على بغلته، فأكلتها العامة، فشنق طائفة منهم، فاجتمع عليهم الناس فأكلوهم".

"كانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فاذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه فى اسرع وقت، وشرحوا لحمه وأكلوه"

أما جلال الدين السيوطي فقد تولى نقل أخبار مجاعة مصر في نهاية القرن السادس الهجري:

“وكان الغلاء المفرط بحيث أكلوا الجيف والآدميين، وفشا أكل بني آدم واشتهر، ورؤيَ من ذلك العجب العجاب، وتعدوا إلى حفر القبور وأكل الموتى، وتمزق أهل مصر كل مُمَزق. وكثر الموت والجوع بحيث كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلا على ميت أو من هو في السياق. وهلك أهل القرى قاطبة بحيث أن المسافر يمر بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، ويجد البيوت مُفتّحة وأهلها موتى. وقد حكى الذهبي في ذلك حكايات يقشعر الجلد من سماعها. قال: وصارت الطرق مُزرّعة بالموتى، وصارت لحومها للطير والسباع، وبيعت الأحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة“.

لحوم الأطفال بالأسواق

وقد أسهب المقريزي في وصف هذه المجاعة: "ثم وقع الغلاء فى الدولة الأيوبية، حتى أكل الناس صغار بنى آدم من الجوع. فكان الأب يأكل إبنه مشوياً ومطبوخاً، والمرأة تأكل ولدها. فعوقب جماعة بسبب ذلك، ثم فشا الأمر وأعيا الحكام. فكان يوجد بين ثياب الرجل والمرأة كتف صغير أو فخذه أو شيء من لحمه. ويدخل بعضهم إلى جاره فيجد القدر على النار، فينتظرها حتى تتهيأ، فإذا هى لحم طفل. وأكثر ما يوجد ذلك فى أكابر البيوت. ووجدت لحوم الأطفال بالأسواق والطرقات مع الرجال والنساء مختفية. وغُرِّق فى دون شهرين ثلاثون امرأة بسبب ذلك. ثم تزايد الأمر حتى صار غذاء الكثير من الناس لحوم بنى آدم بحيث ألفوه، وقل منعهم منه، لعدم القوت من جميع الحبوب وسائر الخضروات وكل ما تنبته الأرض".

""بيعت لحوم الآدميين في الأسواق جهراً في خراسان والعراق ايام المجاعة
بيعت لحوم الآدميين في الأسواق جهراً في خراسان والعراق ايام المجاعة

 

ومحمد الشوكاني في تراجمه لمن بعد القرن السابع نقل لنا خبر مجاعة في منتصف القرن الثامن الهجري شملت رقعة واسعة من الوطن الإسلامي:

"وفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة -1341 م- حصل الغلاء المفرط بخراسان والعراق وفارس وأذربيجان وديار بكر حتى جاوز الوصف، وأكل الأب ابنه، والإبن أباه، وبيعت لحوم الآدميين في الأسواق جهراً، ودام ذلك ستة أشهر".

ولم تسلم مكة من حوادث أكل لحوم البشر كما يؤكد ذلك المقريزي: "[شهر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة -] قدم الخبر أن الغلاء اشتد بمكة، فـعُـدمت بها الأقوات، وأُكِـلَـتْ القطط والكلاب حتى نفدت، فأكلَ بعض الناس الآدميين، وكثُر الخوف منهم، حتى امتنع الكثير من البروز إلى ظاهر مكة خشية أن يُـؤكلوا".

كان هذا حال الناس في المجاعات التي ضربت منطقتنا العربية على مر بعض حقب الزمان، ولكن قائمة المجاعات في العالم اكبر واوسع، ولها شأن اخر في الذكر قد يأتي لاحقا وقت خبره في الزمان والمكان.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن