بناءً على أن مصر تعتبر حجر الزاوية في علاقات أميركا بالعالمين العربي والإسلامي، فإن التوتر الحالي بين القاهرة وواشنطن بسبب الفيلم المسيء للإسلام والمسلمين وما ترتب عليه من هجوم المتظاهرين على السفارة الأميركية في القاهرة، ومحاولتهم اقتحامها في إطار غضب عربي وإسلامي عارم، يشكل اختباراً حقيقياً لمدى حسن نية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجاه مصر الجديدة بقيادة الرئيس محمد مرسي، الذي تقف خلفه جماعة الاخوان المسلمين.
ويبدو أن جهود إدارة أوباما لبناء علاقات رصينة مع حكومة مصر التي تواجه أول اختبار حقيقي لها على ضوء الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في القاهرة، وعلى الرغم من اتجاه الأنظار إلى مقتل السفير الأميركي في بنغازي بليبيا، أن المشكلة السياسية الكبرى هي تأثير الأحداث المتسمة بالفوضى في العلاقات بين واشنطن والقاهرة.
ولا تتوقف أهمية العلاقات المصرية الأميركية عند الوزن السياسي لمصر في الشرق الأوسط وأهميتها، إنما تمتد لتشمل اعتبار مصر نموذجا لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأحزاب السياسية الإسلامية المنتخبة بعد «الربيع العربي»، كما أن الغضب الشعبي العارم في العالم الإسلامي احتجاجاً على الفيلم الذي يكتنفه الغموض قد يعزز مطالب بعض الإسلاميين بشأن تشديد القيود على حرية التعبير في الدستور المصري المرتقب، استناداً الى ما ذهب اليه ناشطو الحقوق المدنية وبعض الرموز الثقافية.
ويعتقد مسؤولون أميركيون ومحللون أن التحفظ النسبي الذي أبداه الرئيس مرسي في إدانة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي والسفارة الأميركية في القاهرة شجع المحتجين، وبعث برسالة خاطئة، وهي إمكانية حدوث مزيد من أعمال العنف المناهضة للولايات المتحدة.
ويرى هؤلاء أنه بهدف تشجيع العناصر الأكثر اعتدالاً في حركة الإخوان المسلمين، وضمان التأييد المتواصل لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، تحتاج الإدارة الأميركية إلى بناء علاقة عمل قوية مع القاهرة.
وعلى الرغم من تأييد بعض قادة الكونغرس من أمثال السيناتور الجمهوري جون ماكين، للانفتاح على حركة الإخوان المسلمين، فإن حسن النية الذي تعامل به واشنطن الإخوان يتسم بالهشاشة، ويغذي أعمال العنف التي تطاول المصالح الأميركية في الشرق الأوسط .
وتعهد الرئيس مرسي بتوفير الحماية للسفارة الأميركية في القاهرة، وقال إن الشعب المصري متحضر، وإن أبناءه يرفضون أي أعمال خارجة على القانون مثل الهجوم على السفارات والبعثات الدبلوماسية، وتدمير وإتلاف الممتلكات الفردية، ويستنكرون بقوة في الوقت نفسه كل أعمال التحريض على الكراهية ضد الأديان.
ومن جهته، قال أوباما «إذا كنا لا نعتبر مصر حليفة لنا، فإننا في الوقت نفسه لا نعتبرها عدوة»، بينما قالت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، إن «الفيلم يسيء إلى الإسلام، ومقزز، ومثير للاشمئزاز، وانه يجب على القيادات السياسية والدينية وفعاليات المجتمع المدني العمل على تهدئة الاوضاع ووقف أعمال العنف والتحريض، ونشر ثقافة الكراهية والتعصب».
وبعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، ونجاح «الإخوان المسلمين» في الفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات التشريعية، ثم فوزهم في الانتخابات الرئاسية، تسعى إدارة أوباما الى إقامة علاقات تعاون رصينة مع مصر، إذ يعتزم مرسي القيام بأول زيارة رسمية للولايات المتحدة في وقت لاحق من الشهر الجاري. كما ان تلكؤ أوباما ومسؤولي إدارته في إدانة الفيلم المسيء للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وللإسلام، والتنديد بالقائمين عليه زاد من سرعة انتشار تظاهرات الغضب في دول العالمين العربي والإسلامي، غير أن الاميركيين يعتقدون أن قادة هذه الدول لديهم القوة والتأثير والوسائل لاحتواء التوترات والاحتجاجات والسيطرة عليها. ويقول الخبير في الشؤون المصرية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جون الترمان، إنه يتعين على مرسي وفريق حكومته الإقرار بما يقع عليهم من مسؤوليات، فالأمر الآن مختلف كثيراً عما كان عليه عندما كان «الاخوان المسلمون» في المعارضة، إلا أنهم الآن يمسكون بزمام السلطة.
ويقول المحلل في معهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية، إميل هوكايم، إن الجماعات والاحزاب الإسلامية في الدول العربية والاسلامية تواجه خطر تحكم القوى السلفية المتطرفة في النقاش حول التوجهات السياسية، والسعي الحثيث من هذه القوى لإحكام قبضتها على مجمل قرارات الحكومات والبرلمانات وسياساتها، مستغلة الاجواء الملتهبة والحساسة التي يوفرها «الربيع العربي» من تظاهرات واحتجاجات. وسواء بالنسبة لـ«الاخوان المسلمين» في مصر، وحزب حركة النهضة في تونس، فإن لكل منهما منتقديه وخصومه من القوى السلفية المتطرفة والأحزاب الليبرالية والعلمانية.
ويبدو أن أصواتاً معتدلة في الدول العربية والإسلامية تقول إن أفضل طريقة للتعامل مع «الفيلم المسيء» هو تجاهله تماماً، وليس المبالغة في ردود الفعل الاحتجاجية الغاضبة، لا تجد آذاناً صاغية في هذا الزحام الشديد من الغضب والتوتر. ولم يخفِ مسؤولون أميركيون شعورهم العميق بالإحباط والامتعاض من موقف مرسي وحكومته في الساعات الاولى من التظاهرات الاحتجاجية أمام السفارة الأميركية في القاهرة، وقالوا انه ركز على مهاجمة الفيلم وصانعيه اكثر مما تحدث عن أمن السفارة ووقف الاحتجاجات أمامها واتخاذ التدابير لحمايتها.