مع تجميد اقتراح طرح أسهم في "ارامكو" للاكتتاب العام، تجد السعودية نفسها أمام تحدي توفير مصادر أخرى لدعم صندوق الاستثمارات العامة الذي يشكّل حجر الأساس في خطتها لتنويع الاقتصاد.
وسعى الصندوق الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى جمع مليارات الدولارات من الاكتتاب العام لنسبة 5 بالمئة من أسهم عملاقة النفط، بهدف تمويل عملية تحويل المملكة إلى اقتصاد يرتكز على التكنولوجيا ووقف ارتهانه التاريخي للنفط.
ولكن مع تأجيل غير مسمى لخطة الاكتتاب العام، يتخذ صندوق الاستثمارات خطوات جذرية لتعزيز السيولة التي يحتاجها بشدة لتمويل عدد كبير من الاستثمارات غير النفطية، من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، إلى بناء مدينة ضخمة.
وقالت الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كارين يونغ "يعتمد الكثير من الخطة الاقتصادية والاجتماعية الطموحة لتنويع الاقتصاد السعودي، والارتقاء بقطاعها الخاص وخلق وظائف للشبان، على صندوق الاستثمارات كمنظم للنمو الاقتصادي".
وكتبت يونغ في تقرير مؤخرا "في الواقع، إن صندوق الاستثمارات محوري للغاية في استراتيجية النمو الحكومية لدرجة أن الحصول على موارد لتغذية صندوق الاستثمارات أصبح أولوية اقتصادية وطنية".
وتهدف "رؤية 2030" التي طرحها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في 2016، الى وقف ارتهان الاقتصاد السعودي، الاكبر في المنطقة العربية، للنفط عبر تنويع مصادره.
وكانت المملكة أعلنت في 2016 أنها ستطرح ما يصل الى 5 بالمئة من أسهم "ارامكو" في البورصة بهدف المساعدة في تمويل أكبر صندوق استثماري في البلاد، في خطوة اعتبرت ضخمة جدا، وقال خبراء أنها قد تكون "غير واقعية".
ويشارك صندوق الاستثمارات الذي يأمل زيادة اصوله الى اكثر من تريليوني دولار بحلول عام 2030، في مجموعة كبيرة من الاستثمارات العالمية الكبرى منها "اوبر" للنقل، بالاضافة إلى إقامة منطقة اقتصادية ضخمة في شمال غرب البلاد تشمل أراضي في الاردن ومصر باستثمارات تبلغ أكثر من 500 مليار دولار، تحت مسمى "نيوم".
واستثمر الصندوق أيضا في شركة "فيرجين غالاكتيك" التي تسعى الى أن تكون أول شركة تجارية للسياحة في الفضاء.
- "الإنفاق من أجل النمو"-
وأعرب محللون عن شكوكهم حيال استراتيجية "الإنفاق من اجل النمو" التي يتبعها الصندوق والذي يتبع ما وصفوه بأنه "صفقات مبهرة" بدلا من استثمارات طويلة الأمد تحقق عائدات آمنة وتولّد فرص عمل، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة.
وتقول إيلن والد التي ألّفت كتابا اقتصاديا عن السعودية، لوكالة فرانس برس أن "نمط الاستثمارات الذي يتبعه صندوق الاستثمار يشبه كثيرا نمط صندوق رأس المال الذي يحمل مخاطرة، وهذا أمر مثير للقلق لصندوق سيضطر بالضرورة إلى تحقيق عوائد ثابتة على المدى الطويل".
وقدّم صندوق الاستثمار منذ عام 2016 التزامات استثمارية خارجية بقيمة 360 مليار ريال (95 مليار دولار) وفقا لصندوق النقد الدولي، بما في ذلك الحصول على حصص في شركات تكنولوجية عالية المخاطر مثل "تيسلا" للسيارات الكهربائية.
وترى والد ان "الاستثمار في شركات التكنولوجيا لن يحوّل اقتصاد السعودية ولن يقوم بتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد بعيدا عن النفط".
ولم يرد صندوق الاستثمار السعودي على طلب وكالة فرانس برس للتعليق.
في هذا الوقت، يرى خبراء أن تأجيل طرح "أرامكو" للاكتتاب العام يأتي كانعكاس لتحسن موقف المملكة المالي عقب ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة.
وقالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني الاثنين أن "تأجيل الاكتتاب العام يعني ضمنا أن التنويع الاقتصادي الذي تريده الحكومة سيحتاج إما إلى تقليص او الى تمويل عن طريق اصدار ديون القطاع العام المباشر أو غير المباشر"، بمعنى الاقتراض من المصارف او عبر اصدار الصكوك والسندات.
- جمع الأموال-
حصل صندوق الاستثمارات الشهر الماضي على قرض بقيمة 11 مليار دولار من مصارف دولية، من اجل تمويل خطة التحول الاقتصادي، بحسب ما أعلنت شركة "الراجحي" المالية ومقرها في الرياض هذا الأسبوع.
وقال صندوق النقد الدولي في تقرير مؤخرا أنه في حال أراد صندوق الاستثمار السعودي تطبيق خططه في السنوات المقبلة، فأنه "سيحتاج تمويلا اضافيا".
وأكد الصندوق انه من أجل بعض الاستثمارات، قد تضطر الحكومة لسحب أموال من احتياطاتها من "مؤسسة النقد العربي السعودي"، أي المصرف المركزي، والتي تزيد قليلا عن 500 مليار دولار.
ومن أجل جمع الأموال، يسعى صندوق الاستثمارات إلى بيع "حصة استراتيجية" في شركة البتروكيماويات السعودية العملاقة "سابك" إلى "أرامكو".
و"سابك"، رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم بقيمة 100 مليار دولار، مملوكة بنسبة 70 بالمئة من قبل صندوق الاستثمارات العامة.
ويواجه صندوق الاستثمارات أيضا تحديا يتمثل في التعامل مع القلق المتزايد من قبل المستثمرين الأجانب عقب أزمة دبلوماسية اندلعت مؤخرا بين السعودية وكندا بسبب انتقادات ضد سجل حقوق الانسان في المملكة، وحملة الاعتقالات التي طالت أمراء ورجال اعمال ومسؤولين على خلفية تهم بالفساد.