الحريري يعلن استقالة الحكومة اللبنانية على وقع احتجاجات غير مسبوفة

تاريخ النشر: 29 أكتوبر 2019 - 02:37 GMT
 رئيس الوزراء سعد الحريري
رئيس الوزراء سعد الحريري

رحب سمير جعجع باستقالة حكومة الحريري داعيا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، فيما قالت رئاسة الجمهورية ان الرئيس عون يدرس خطاب الاستقالة وإنه لن يطلب من الحكومة الاستمرار في إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة اليوم الثلاثاء.

أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الثلاثاء استقالة حكومته، بعد 13 يوماً من احتجاجات شعبية غير مسبوقة عمّت كافة المناطق اللبنانية للمطالبة برحيل الطبقة السياسية بكاملها.

وقدم الحريري استقالته معلنا أنه وصل إلى “طريق مسدود” فيما يتعلق بمحاولة حل الأزمة التي تشهدها البلاد وسط موجة احتجاجات لم يسبق لها مثيل ضد النخبة الحاكمة في لبنان.وسلم الحريري في وقت لاحق استقالته للرئيس ميشال عون.

وقال مصدر بالرئاسة إن عون يدرس خطاب استقالة الحريري وإنه لن يطلب من الحكومة الاستمرار في إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة اليوم الثلاثاء.

ورحب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بالاستقالة، قائلا في بيان “حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوبا مع المطلب الشعبي العارم بذلك”.

وأضاف: “المهمّ الآن الذهاب نحو الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من أزمتنا الحالية، ألا وهي تشكيل حكومة جديدة من أخصائيين مستقلين تماما عن القوى السياسية”.

ودعا جعجع المؤسسات الأمنية المعنية إلى الحفاظ على سلامة المتظاهرين “بعد الاعتداءات الشنيعة التي تعرضوا لها اليوم، في وسط بيروت”.

وهاجم أنصار “حزب الله” و”حركة أمل” في لبنان، الثلاثاء، ساحتي اعتصام “رياض الصلح” و”الشهداء” وسط بيروت.

وأفاد شهود عيان بأن عددا من أنصار الحزبين اعتدوا على المتظاهرين بالعصي، كما حطموا خيام الاعتصام والمنصات، وأضرموا النار في شعار “القبضة” الذي نصبه المعتصمون في “ساحة الشهداء”.

وجاء هذا الهجوم بالتزامن مع إعلان الحريري، الثلاثاء، استقالة حكومته، بعد “الوصول إلى طريق مسدود من محاولات عدة لحل الأزمة”.

- "طريق مسدود"

وقال الحريري في مؤتمر صحافي من مقر إقامته في “بيت الوسط” في العاصمة بيروت: “حاولت كل هذه الفترة إيجاد مخرج نستمع من خلاله لصوت الناس، ونحمي البلد من المخاطر الأمنية والمعيشية”.

وأضاف: “لا أخفي أني وصلت إلى طريق مسدود لحل الأزمة ويجب القيام بصدمة إيجابية للشارع”.

وجاءت استقالة الحريري في اليوم الثالث عشر للاحتجاجات الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية للمطالبة بإسقاط النظام وتشكيل حكومة إصلاحية بعيدة عن الطبقة السياسية الحاكمة.

وبدأت الاحتجاجات في 17 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، رفضًا لمشروع حكومي لزيادة الضرائب على المواطنين في موازنة 2020، قبل أن ترفع سقف مطالبها أيضًا إلى استعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الفساد المستشر ومحاسبة المفسدين، وفق المحتجين.

ومنذ اليوم التالي لاندلاع المظاهرات، أقفلت معظم المؤسسات الرسمية والخاصة في لبنان، على رأسها المؤسسات التعليمية والمصارف، في ظل إضراب عام يفرضه المتظاهرون عبر قطع الطرقات الرئيسية، لا سيّما الطريق السريع الساحلي الذي يربط المدن الرئيسية ببعضها.

وتلقى المتظاهرون في الساحات والشوارع خبر استقالة الحريري بالترحيب والهتافات احتفالاً بما حققه حراكهم الشعبي الذي بدأ في 17 تشرين الأول/أكتوبر وتسبب بشلل كامل في البلاد.

- "غير كافية" -

ومطلع الأسبوع الماضي، أعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية في محاولة لامتصاص غضب الشارع، كما دعا الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة له الى إعادة النظر بالواقع الحكومي. لكنّ المتظاهرين اعتبروا أن هذه الطروحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم وواصلوا قطع الطرق والمطالبة برحيل كافة مكونات الطبقة السياسية.

وأطلق المتظاهرون الذين استمعوا إلى كلمة الحريري مباشرة من الشوارع، المفرقعات النارية وغنوا النشيد الوطني احتفالاً.

وقال جيل سماحة من ساحة رياض الصلح لوكالة فرانس برس "استقالة الحكومة أمر جيد لكن يجب الانتقال إلى الخطوة التالية وهي تشكيل حكومة مصغرة مؤلفة من مستقلين وشفافين (...) لاتخاذ الاجراءات الانتقالية اللازمة".

في صيدا، مسقط رأس الحريري، أدى المعتصمون رقصة الدبكة التراثية في الشوارع في حين كان آخرون يوزعون الحلويات والعصير على المحتجّين، في حدث رمزي في مدينة يتمتع فيها الحريري بحيثية شعبية كبيرة.

وقال عاهد الماضي أحد المتظاهرين في صيدا "نشعر بفرحة كبيرة بعد 13 يوماً من التعب، فرحة غير عادية في صيدا" مؤكداً أن "هذه الفرحة نابعة من القلب من غضب الناس".

وأكد أن "استقالة الحكومة لن تلغي الاعتصامات، لن نخرج من الشارع هدفنا هو ليس فقط إسقاط الحكومة، إنما تحقيق المطالب التي أنزلتنا إلى الشارع"، وأهمّها المطالب الاقتصادية.

أما في طرابلس شمالاً، وهي مدينة ذات غالبية سنية يحظى الحريري بشعبية فيها، فاحتفل المعتصمون أيضاً بالاستقالة.

وقالت تيما سمير (35 عاماً) وهي أم لطفلتين، "استقالة الحريري مطلوبة لكنها غير كافية" مضيفةً أنها "جزء من مطالب الشعب لتغيير المنظومة كلها". وأكدت "أننا باقون في الشارع حتى تحقيق المطالب".

وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد (1975-1990)، ولا زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء عموماً طائفة أو منطقة معينة.

- "الأزمة أخطر" -

وكانت الاحتجاجات بشكل عام سلمية ولم تشهد أحداثا تُذكر وتواصلت رغم محاولات الجيش والقوى الأمنية فتح الطرقات.

لكن الوضع اختلف قبيل كلمة الحريري، فقد اعتدى مهاجمون بالعصي والحجارة على موقع التجمّع الرئيسي للمتظاهرين في وسط بيروت.

وعمد عشرات المعتدين على تكسير وإحراق الخيم التي نصبها المحتجّون في ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت وهاجموا عددا قليلا من المحتجين كانوا في المكان.

وتدخّلت أيضاً القوى الأمنية الثلاثاء لوقف صدامات بين متظاهرين ومناصرين لحزب الله وحركة أمل على جسر رئيسي يعرف باسم (الرينغ) في العاصمة يقطعه المحتجّون منذ أيام عدة.

وفي أول ردّ فعل من دولة أجنبية على الاستقالة، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن استقالة الحريري "تجعل الأزمة أخطر".

وسأل لودريان في بيان "هل سيضع (القادة اللبنانيون) المصلحة العامة أمام مصالحهم الخاصة؟ هذا سؤال يطرحه قرار رئيس الوزراء (سعد) الحريري بالانسحاب".