تنذر الخلافات والاتهامات العلنية المتبادلة بين حركتي فتح وحماس حديثا بشأن تأخير تشكيل حكومة فلسطينية جديدة بأن تحقيق المصالحة بين الفصيلين يبدو أقرب للفشل منه للنجاح وسط عقبات ترتبط بصعوبات ميدانية وخلافات داخلية وتحالفات اقليمية.
وسعى كل طرف من خلال تصريحات الناطقين الرسميين وعبر بيانات رسمية على مدى اليومين الماضيين الى تحميل المسؤولية للطرف الآخر عن عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الدوحة مطلع الشهر الجاري بخصوص تشكيل حكومة انتقالية يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وتضمن اتفاق الدوحة التأكيد على الاستمرار في خطوات تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مستقلة برئاسة الرئيس مهمتها تسيير الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء باعمار غزة.
وأكد أيضا على ما تم الاتفاق عليه في القاهرة العام الماضي بشأن بدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
وقال المحلل السياسي جورج جقمان لرويترز "لا احد يريد ان يعترف انه السبب (في الفشل) وهذه هي قواعد اللعبة السياسية."
واضاف "لا يوجد مؤشر في الأفق انه سيتم تشكيل الحكومة قريبا.. اما الاطراف المختلفة فسوف تعزو الفشل كل للاخر وهذا امر متوقع."
ووقع عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل برعاية قطرية مطلع الشهر الجاري اتفاق الدوحة أو ما اصطلح على تسميته بيان الدوحة بعد ثمانية أشهر من توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين الفصيلين اللذين شهد عام 2007 اقتتالا بينهما سقط فيه مئات القتلى والجرحى وانتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة فيما بقيت حركة فتح تسيطر على الضفة الغربية.
وأعطى بيان الدوحة أملا في حل مسألة تشكيل الحكومة للبدء بانجاز المصالحة على الارض لكن سرعان ما تلاشى الامل بسبب ظهور عقبات باتت تجعل تطبيقه أمرا مستحيلا.
وانتهت اجتماعات فلسطينية في القاهرة الاسبوع الماضي بحضور عباس ومشعل وممثلي الفصائل الفلسطينية دون تحديد موعد جديد ليشير محللون الى دور لمصالح شخصية في استمرار الخلاف.
وكتب المحلل السياسي هاني حبيب في جريدة الايام المحلية في عددها الصادر يوم الأحد "النتائج السلبية لهذه الجولات الاخيرة في القاهرة رغم انها صدمت المواطن الفلسطيني فانها كانت الاكثر صدقا وتعبيرا عن حقيقة المواقف لدى كل فصيل بل لدى كل قيادي."
وقال "بعد ان تجاوزت احداث المنطقة ارتباط المصالحة بالاجندات الخارجية عاد الامر لكي تصبح الاجندات الفئوية والفصائلية والشخصية هي التي تعيق وضع حد للانقسام."
لكن كلا الطرفين يدرك مدى الضرر الذي سيلحق به جراء مسؤوليته عن الاعلان عن فشل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الدوحة.
ويرى جقمان انه "لن يتم الاعلان عن فشل اتفاق الدوحة.. سيتم الاعلان عن اجتماعات لاحقة ووجود تقدم هنا وهناك وهكذا لان الطرفين يسعيان امام الجمهور الفلسطيني اولا لاظهار ان هناك حراكا سياسيا ما زال ساريا وسيسعيان لايجاد غطاء ايجابي نوعا ما ان تمكنوا من ذلك."
وقال "الفشل هو اتهام مباشر للطرفين من منظور الجمهور الفلسطيني... اسهم الطرفين امام الجمهور الفلسطيني بسبب الخلاف ستظهرهما كطرفين غير مهتمين بالمصلحة العامة."
وبالرغم من ادراك الطرفين لحجم المسؤولية الا ان الامور لا تتجه نحو الحل. وقال جقمان "الامور تتجه نحو التعقيد وليس الحل. القضية الاساسية في المصالحة هي ليست تشكيل وزارة.. لو اخذنا الاتفاقية التي تم توقيعها في القاهرة في الاسبوع الاول من ايار (مايو) الماضي هذه الاتفاقية وتحديدا اتفاقية المصالحة هي غير قابلة للتنفيذ."
واضاف "مثلا أحد البنود يشير الى دمج الاجهزة الامنية في الضفة الغربية وقطاع غزة هذا غير ممكن في الضفة الغربية لان اسرائيل موجودة.. وستعتقل افراد الاجهزة الامنية من حماس.. أيضا موضوع اعادة هيكلة منظمة التحرير توجد صعوبات كثيرة على موضوع الحصص واذا ما كانت ستجري انتخابات ام لا.. اذن موضوع المصالحة لا يتعلق بتشكيل حكومة مهما قيل عنها.. الحكومة هي اجراء اولي ولكن ليس هو المصالحة."
وتنعكس تحالفات فتح وحماس الاقليمية والدولية أيضا على إمكانية إنجاز المصالحة وعودة الوحدة الى الضفة الغربية وقطاع غزة بالرغم من عدم وجود ترابط جغرافي وهي مسألة أخرى ستنتظر التوصل الى اتفاق مع الجانب الاسرائيلي لايجاد ممر آمن يربط بين الضفة الغربية وغزة.
ويرى جقمان ان "الصورة الاعم هي ان الطرفين ليسا على استعداد للتخلي عن التحالفات الاقليمية الدولية حتى لو جرى تباعد بين حماس ودمشق ولكن زيارة (رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة) اسماعيل هنية الاخيرة الى ايران لها مدلول سياسي هام وايضا فيما يتعلق بالقيادة الفلسطيينة هم ليسوا على استعداد لقطع العلاقة مع الولايات المتحدة واسرائيل في المرحلة الحالية."
واضاف "وبالتالي لن تكون هناك خطوات جذرية تجاه المصالحة في افضل الاحوال سيجري اتفاق على وزارة جديدة لا يوجد فيها ممثلون رسميون لفتح وحماس... اعتقد اننا الان امام وقت مستقطع بانتظار ربما نتائج انتخابات الرئاسة الامريكية" في نوفمبر تشرين الثاني القادم.
وتابع قائلا "وهم (القيادة الفلسطينية) يرون انه يمكن ان يكون هناك حراك سياسي جديد سواء جاء الرئيس (الامريكي باراك) اوباما او اي رئيس جديد ولكن هذا لن يتم قبل العام 2013 ..ايضا فيما يتعلق بحماس هم بانتظار استقرار الوضع في عدد من الدول العربية تحديدا في وسوريا بالاضافة الى مصر وتونس ... وهم ينظرون الى الخارطة الاقليمية حتى تستقر نوعا ما لاتخاذ خطوات جديدة كبيرة هم الان ليسوا على استعداد لاتخاذها."
ويحذر المحلل السياسي سمير عوض من انه "كلما طال امد تشكيل الحكومة فان ذلك يلقي شكوكا على انها سوف تشكل اصلا."
"كلما طال الوقت بدون تشكيل الحكومة ولو حتى اتفاق بالاحرف الاولى كما يقال هذا سيكون مؤشرا على انه سيتم التراجع عن الاتفاق.
"هناك مؤشر سهل.. اذا رأيت ان سجناء فتح وحماس (لدى كل من الجانبين) تم اطلاق سراحهم تعرف ان هناك سيرا في الاتجاه الصحيح اما اذا بقوا في السجن فما هي هذه الوحدة."