لا ترفع المظاهر الاحتفالية التي تواكب الحملات الانتخابية الكويتية، كاللقاءات في خيم فاخرة والموائد العامرة، من الآمال المتواضعة بان تسهم الانتخابات التشريعية المقررة السبت، في تحقيق الاستقرار السياسي المنشود.
وتأتي انتخابات مجلس الامة المقررة في 26 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، في ظل اوضاع اقتصادية ضاغطة جراء التراجع في اسعار النفط، والذي دفع الحكومة الى اتخاذ اجراءات تقشف غير مسبوقة، لقيت انتقادات واسعة من النواب والمواطنين.
ولم تنعكس هذه الاجراءات على البذخ الانتخابي، اذ يحرص المرشحون على استضافة الناخبين في خيم مجهزة تقام فيها موائد ترافق خطابات لا تخلو من الحدة. وينفق المرشحون ملايين الدولارات على حملاتهم، كما يتهمهم ناشطون ومحللون سياسيون، بان جزءا من هذه النفقات يؤول احيانا الى "شراء الاصوات".
الا ان ذلك لا يلغي ترقب الكويتيين لآفاق هذه الانتخابات.
ويقول الموظف في القطاع العام ناصر احمد لوكالة فرانس برس، على هامش حضوره لقاء انتخابيا، "اتساءل اذا ما كانت هذه الدورة ستحمل الاستقرار اخيرا".
وشهدت الكويت منذ منتصف عام 2006، سلسلة من الازمات الحادة، شملت حل مجلس الامة خمس مرات من قبل امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح بسبب خلافات سياسية، ومرتين اخريين من قبل القضاء. واصدر الامير في تشرين الاول/اكتوبر، آخر مرسوم لحل المجلس، على خلفية تباينات بين الحكومة والبرلمان في اعقاب رفع اسعار النفط، داعيا لاجراء انتخابات مبكرة.
- تجربة ديموقراطية -
وتعد التجربة الديمقراطية في الكويت من الاكثر نضوجا في العالم العربي. ففي عام 1962، اصبحت الامارة اول دولة خليجية تسن دستورا وتجري انتخابات نيابية.
ولكن بعد مرور 54 عاما، لا يزال النظام السياسي قائما بشكل اساسي على الملاءمة بين نظام برلماني وحكم اميري ذي صلاحيات واسعة، كما ان افراد أسرة الصباح الحاكمة يشغلون المواقع الرئيسية في الحكومة.
رغم ذلك، لا يمتنع المرشحون عن تقديم وعود جاذبة، تبدأ بتحسين نظام الرعاية الصحية، ولا تستثني مواضيع سياسية شائكة كالتجاذبات بين افراد الاسرة الحاكمة.
ويحظى مجلس الامة الذي يضم 50 عضوا، بصلاحيات تشريعية ورقابية، كمساءلة رئيس الحكومة والوزراء وحجب الثقة عنهم بشكل افرادي لا يشمل اسقاط الحكومة.
كذلك شهدت البلاد خلال الاعوام الماضية، تظاهرات حاشدة للمعارضة تطالب باصلاحات تحد من صلاحيات الاسرة الحاكمة. وفي العام 2014، طالب تحالف من اطراف معارضة عدة، باصلاحات جذرية تتيح تشكيل احزاب سياسية وتشكيل حكومة يقودها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.
الا ان هذه المطالب لم تلق آذانا صاغية حتى الآن.
ويقول المحلل السياسي أنور الرشيد "اعتقد ان السبب الرئيسي للازمات السياسية يعود الى ان الحكومة التي تقودها الاسرة الحاكمة لا تؤمن بالديموقراطية".
يضيف الرشيد لفرانس برس، وهو رئيس لحركة الليبيراليين المنشأة حديثا، "البعض من الحكومة والاسرة يعتقدون ان إصدار دستور 1962 كان خطأً استراتيجيا".
الا ان هذه الانتقادات، وهي ليست الاولى من نوعها في الساحة السياسية الكويتية، دائما ما كانت تجابه برفض ونفي من قبل مسؤلين حكوميين واعضاء من الاسرة الحاكمة.
ويرى الرشيد ان ثمة ضغوطا من دول خليجية لانهم "ببساطة يريدون اجهاظ التجربة الديموقراطية الكويتية حتى لا تؤثر على دولهم".
ويوفر النظام السياسي الكويتي هامشا من الحرية اوسع من ذاك الموجود في دول خليجية اخرى، ما ينعكس بشكل ايجابي على حرية التعبير وحرية الصحافة. الا ان القانون لا يزال يجرم الاساءة للامير، وهو ما ادى الى سجن عدد من المعارضين ابرزهم النائب السابق المعارض مسلم البراك.
الى ذلك، منحت الامارة النساء منذ العام 2005، حقوقا سياسية كاملة تشمل الترشح والاقتراع. وسبق لسيدات ان شغلن مناصب وزارية، كما ان 14 امرأة ترشحن للدورة المقبلة من الانتخابات، من اصل مجموع المرشحين البالغ 300.
- ضغوط اقتصادية -
وكان مجلس الامة المنحل يعتبر مقربا سياسيا من الحكومة، الا ان عددا من نوابه انتقد قرار رفع اسعار الوقود، بينهم ثلاثة على الاقل تقدموا بطلب استجواب وزراء على خلفية قرار رفع الاسعار الذي دخل تنفيذه مطلع ايلول/سبتمبر.
وبلغت نسبة رفع اسعار بعض المشتقات ثمانين بالمئة، ما قوبل بانتقادات لكون الامارة عرفت بتقديمات سخية لمواطنيها البالغ عددهم 1,3 مليون نسمة من اصل 4,4 ملايين من السكان. وسيعوض المواطنون بكمية من "البنزين المجاني" شهريا.
واتى رفع الاسعار ضمن خطة شاملة لتعويض تراجع ايرادات النفط، قد تتضمن فرض ضرائب او رسوم لسد عجز الميزانية، وهو ما ترك اثره في المجتمع الكويتي.
وابدى عبد الكريم الكندري، النائب السابق والمرشح حاليا، عزمه طرح مشروع قانون "يحظر على الحكومة تخفيض الدعوم ويمنع المساس برواتب الموظفين الكويتيين" في حال فوزه في الدورة المقبلة.
واصدر العديد من المرشحين تعهدات مماثلة سعيا لاستمالة الناخبين الذين يبدون غير مأخوذين بالوعود، لاسيما في ظل عدم تفاؤلهم بتحقيق الاستقرار السياسي.
ويقول ناصر احمد "لدي أمل ضئيل فقط".