أين كنت في هذا اليوم الفاصل؟ وهل شهدت هذا الحدث الجسيم  سواء على أرض الواقع  أو مسجلا؟. إن حياتنا لا شك تقاس بلحظات تشكل نقاط تحول  تؤثر على كل شخص منا  لتسكن وعينا الجمعي  كما وتقاس أيضا بإنجازاتنا الشخصية (كأعياد ميلادنا وأيامنا الأولى في المدرسة  وذكرى الزواج مثلا)   التي  تؤثر على  حياتنا بوضوح   لنعاود اجترارها  في مخيلتنا على الدوام.
لا زال الكثير منا يذكرون  موت الأميرة ديانا وانفجار مكوك الفضاء تشالنجر وحرب الخليج الثانية  وموت مايكل جاكسون. ويمكننا أن نضيف أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر  إلى هذه القائمة من الأحداث. تبدو أحداث مثل وفاة الأميرة ديانا وانفجار برجي التجارة فرصة لبدء نقاش قد نستهله مثلا بالأسئلة التالية:  أين كنت وقت وفاة الليدي دي؟ وكيف عرفت بخبر  تفجيرات  البرجين التوأمين؟.
أين كنا وقتها وماذا كنا نفعل؟ ماذا سمعنا وما كان رد فعلنا لحظتها؟ هذا ما سأحاول تقديمه في هذا المقال. 
مع حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر  حاولت أن أجمع شهادات وذكريات تخص أناسا من حول العالم؛  كان الغرض من هذا العمل هو مشاركة هذه الخبرات معكم قرائنا الأعزاء حيث يبدو لي من المثير أن نرسم صورة أشمل  من هذه التفاصيل  الصغيرة  التي  تكونت من انطباعاتنا الشخصية حول  يومنا العادي الذي قاطعه هذه الحدث.  لنبحر سوية  في جزء من ذاكرة أناس مثلي ومثلك عزيزي القارئ.
هيلين (٣٠ عاما) - ٢٠ عاما في وقتها
"كنت وقتها قد بدأت لتوي في دراسة الصحافة في جامعة جنوب الدنمارك وكنت في اجتماع  مع  جماعة الصف؛ وقتها اتصلت بي أمي لتخبرني بأن  طائرة قد اصطدمت بمركز التجارة العالمي. تفاجأت بالطبع عند سماع الخبر إلا أني عدت للتركيز على الاجتماع وواجبات الأسبوع القادم. كباقي الناس لم نكن قد شاهدنا صورا للحدث بعد وقد شعرت بأنه حادث مريع إلا أنني لم أعره اهتماما . عاودت والدتي الاتصال بي بعد ذلك بدقائق لتقول لي: "اصطدمت طائرة أخرى بالبرجين ، اعثري على جهاز تلفاز وتابعي ما يحدث  فما يحصل أمر خطير". 
جمعنا أغراضنا بسرعة واتجهنا إلى غرقة حاسوب تحوي شاشات عدة وألصق كل شخص فينا رأسه بشاشة الحاسوب محاولين فهم ما يحدث بدقة. لا زلت أذكر الصمت الذي كان يلفنا جميعا فقد كنا نحاول فهم ما يدور بالضبط.
بقيت لعدة ساعات ومن ثم تبادر إلى ذهني أني يجب أن أغادر كي أصل إلى البيت وإلا فسأظل طوال الليل في الجامعة أشاهد شاشة الحاسوب. بمجرد أن وصلت إلى المنزل بدأت الأمور تتكشف  وبدأت أعي مدى جسامة الحدث. أهملت وقتها  التبضع للعشاء لأني فكرت بأن  الطعام غير مهم في هذه اللحظة. 
لاحقا؛ هاتفت والدتي مجددا وكانت كلتانا في حالة صدمة.  لم يكن ليتبادر إلى ذهن أي فرد لحظتها أن شخصا ما سيخطر له استخدام الطائرات كقنابل متحركة.  أذكر أني وقتها فكرت بوالدي الراحل الذي كان صحفيا وعمل في لبنان أثناء فترة الحرب الأهلية. أذكر أني تساءلت ماذا ستكون ردة فعله على ما يحدث. هل كان سيستطيع تخمين الجهة التي تقف وراء هذا العمل المريع؟  تمنيت لحظتها لو كان والدي حيا  ليساهم بخبرته  ومعرفته في منع الانقسامات الفظيعة التي يبدو  أن أحداث ١١\٩ قد أحدثتها بين العرب والغرب".
البرفيسور حيدر رضا، ميتشيغان
 "كعادتي في كل صباح ثلاثاء؛ كنت أشاهد أخبار الصباح قبل الساعة التاسعة في يوم الحادي عشر من سبتمبر قبل أن  أبدأ يومي الدراسي في الجامعة. لا أنسى أن ذلك اليوم كان يوم ثلاثاء لأني لم أكن أعطي دروسا في ذلك اليوم خلال خريف عام ٢٠٠١م بل كنت أجهز لمحاضرات باقي الأسبوع  في ذلك اليوم. بدأت أشاهد الأخبار بعد أن اصطدمت الطائرة الأولى بالبرج  الشمالي لبرج التجارة العالمي وقبل أن تصطدم الطائرة الثانية بالبرج الجنوبي للمركز. في الوقت القصير الفاصل بين الارتطامين  (وكان حوالي ١٥ دقيقة) أذكر تماما أن مذيعي الأخبار على التلفاز أخذوا يتنبأون  بأن الحادث لا يعدو أن يكون حادثا مأساويا لطائرة اصطدمت بالبرج عن طريق الخطأ ولم يدر  في ذهن أحد وقتها أن هذا الهجوم هو هجوم إرهابي. وبعدها شاهدت على الهواء مباشرة الطائرة الثانية وهي تصطدم بالبرج الجنوبي وفي تلك اللحظة أدركنا جميعا أن هذا كان عملا إرهابيا وبأن حياتنا لن تعود كسابق عهدها أبدا من الآن فصاعدا. الباقي صار تاريخا ما زال يطاردنا ويؤثر على حياتنا  وتنقلاتنا وعملنا وحتى عبادات البعض الآخر للآن".
دانا (٣٢ عاما)-٢٢ عاما في وقتها
"كنت جالسة إلى لوحة المفاتيح الخاصة بي حين كان أحد زملائي يتصفح الانترنت في المكتب (لاحظ وقتها أننا كنا لا نزال في عام ٢٠٠١م حيث كان تصفح الانترنت محدودا وبدائيا إلى حد ما)  وكانت شاشة حاسوبه مفتوحة على صورة يعاد بثها للطائرة الأولى وهي تصطدم بالبرج الأول. لم تكن الساعة قد صارت الثانية ظهرا وكان العديد من زملائي في وقت استراحة الغداء إلا أن عدد الناس  في المكتب كان كافيا لامتصاص الموجة الأولى من الصدمة.
تركنا مكاتبنا وانتقلنا لنشاهد الإعادة بناء على نداء زميلنا ذاك: كان ذلك برج التجارة العالمي تذكرته من زيارتي الأولى إلى أمريكا ! وكان حولي أشخاص على معرفة بأناس يعملون في هذه المباني  جمعهم العمل في مجال الاقتصاد والتأمين عبر الأطلنطي.  كان كل منا يفكر ساعتها بمدى فظاعة أن تنحرف طائرة عن مسارها  بطريقة مشابهة لما حدث في لوكيربي حيث قتل الركاب والطاقم وتأثر الناس على الأرض  أيضا (في هذه الحالة كان المتضررون هم الموجودون في الطوابق العليا من البرج).
  
عدنا جميعا إلى مكاتبنا وحواسيبنا التي كانت فارغة إلا من مدمني العمل الذي يبدو أن الموضوع لم يكن يعنيهم لا من قريب ولا بعيد. 
وحين بدأنا نفقد الثقة في أبراج التحكم بالطائرات حدث الاصطدام الثاني وأدركنا لحظتها أن  ما يحدث هو  هجوم إرهابي بدون شك. وحينها بدأ جرس لويد الشهير بالدق مما ينبئ أن كارثة قد حصلت ولا توجد كارثة أكثر تأثيرا من هذه يمكن أن تحدث في عالم الأعمال.
انسحبنا جميعا لأقرب حانة عد الساعة الثانية ونصف أو الثالثة خوفا من أن تكون المنطقة الاقتصادية مستهدفة أيضا ولنتبادل مخاوفنا بخصوص ما حدث كذلك ونحن نتناول كؤوس البيرة. وعلمنا لاحقا أنه قد تم إخلاء منطقة لندن الاقتصادية رسميا. كان البعض يتحدث عن أناس يعرفهم يعملون في واحد من الأبراج بينما أجرى آخرون مكالمات  هاتفية يطمئنون من خلالها على أحبائهم عبر البحار.
دعوت الله في سري أن لا يكون الفاعل عربيا أو مسلما ذلك أني كعربية مسلمة تعيش في الغرب كنت لا أزال أعاني من ارتباط صورتنا بالإرهاب في الغرب . وتأكد هذا حين اقتحم زميل بريطاني متزوج من يهودية الجلسة ليقول:
"فليذهب العرب والفلسطينيون إلى الجحيم! لا بد أنهم من فعلوها!".
تغيرت حياتنا منذ ذلك الوقت بصورة كانت أوضح لبعض الناس بطريقة أفضل من غيرهم. اختار البعض أن يدرس الإسلام  أو أوضاع الشرق الأوسط . خسر أناس آخرون أحبائهم فيما  كتب لآخرين النجاة وخصوصا أولئك الذين تأخروا يومها في الذهاب إلى عملهم أو تغيبوا عن الحضور. وهجر البعض الآخر حياة الأمن والدعة ليغزوها الخوف والشك  من "الآخر" أو "العدو".
وكما كتب صديق لي على حائط الفيس بوك اليوم: "بما أن اليوم هو ذكرى ١١\٩. كنت يومها في نيويورك عندما انهار البرجان قبل ١٠ سنوات!. أدى هذا الحدث إلى تكوين رغبة عارمة لدي بالعيش في العالم العربي يومها. أعيش الآن في الأردن وقد سنحت لي الفرصة أن أزور الضفة الغربية أيضا…".
قد تختلف التفاصيل إلا أننا نتفق جميعا بأن حياتنا قد تغيرت مرة واحدة وللأبد إما للأحسن أو للأسوأ وذلك بسبب حادث وحيد وقع منذ ١٠ سنوات.
 
     
                   
   
   
   
   
   
  