نظام العمل من المنزل ضرورة ملحّة لتعزيز مشاركة المرأة في القوة العاملة الخليجية

أصدرت كلية الأعمال البريطانية الرائدة "كاس بيزنس سكوول" في دبي مؤخراً تقريراً بحثياً بعنوان "تعزيز مشاركة المرأة في القوة العاملة الخليجية"، متضمناً مجموعة من النتائج المهمة التي توصل إليها بالنسبة لاقتصادات دول الخليج. فقد أشارت الأرقام الصادرة إلى أن 48% من تعداد السكان في دول الخليج من الإناث، وبالرغم من ذلك جاءت نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة عبر دول الخليج أقل من 20%*.
ووفقاً لتقرير مؤسسة الاستشارات "أكسفورد استراتيجيك كونسالتينج" الذي أعده أكاديميون بريطانيون وخليجيون، بما فيهم البروفيسور كريس رولي، مدير "مركز أبحاث الإدارة الأسيوية" في "كاس بيزنس سكوول" بلندن، فإن مبادرات "العمل من المنزل" تعد الاستجابة العملية لإشراك الأعداد المتزايدة من المرأة الخليجية المتعلمة في القوى العاملة الوطنية، مما يسهم في دعم الاقتصادات المحلية وزيادة معدلات التوطين.
وفي معرض دراسته للبحرين بشكل خاص، أشار التقرير إلى "رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030"، التي تهدف إلى اتخاذ خطوات طموحة من أجل الأجيال القادمة لضمان الاستدامة والتنافسية من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة**. كما تم تأسيس "تمكين" كجزء من "رؤية 2030" للقيام بالإصلاح اللازم في سوق العمل من خلال تسهيل السبل لتوفير الكوادر التي تتمتع بالمهارة والكفاءة بين البحرينيين، ونمو المشاريع، وتحسين السياسات والمعايير فضلاً عن الاستثمار في رأس المال البشري***. ومؤخراً، كان هناك أطر للتعاون المشترك بين "تمكين" والمجلس الأعلى للمرأة في البحرين، تهدف إلى توحيد جهود كلتا المؤسستين للمساعدة على إسهام المرأة في الاقتصاد البحريني من خلال استقطابها إلى ميدان إدارة العمل الخاص، والتركيز على زيادة كفاءة وإنتاجية المرأة، ودمجها وانخراطها في سوق العمل.
وفي هذا السياق، قال البروفيسور كريس رولي: "تعكس هذه المبادرات على المستويين الوزاري والاجتماعي وجود فكر متطور ومتقدم في ما يتعلق بتحسين معدلات مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية في البحرين. كما أنه من المهم أن نقر بأن الفجوة في توظيف المرأة ليست ناجمة عن وجود فجوة في التعليم. فقد قامت مختلف الحكومات الخليجية بتحسين وتيسير السبل للوصول إلى التعليم العالي، وليست البحرين بمعزل عن ذلك، حيث تحظى المملكة بسجل حافل بالإنجازات في التعليم إلى الحد الذي وصل فيه معدل تعليم الإناث إلى 85%، الذي يقترب جداً من معدل تعليم الذكور البالغ 91%. وسوف تكون مبادرات ومشاريع ’العمل من المنزل‘ منسجمة مع البرامج الحكومية لتمكين التنمية المستدامة لوظائف المرأة في الخليج. وتعد هذه البرامج من الأمور الأساسية الضرورية لاستيعاب المستويات المرتفعة من الخريجات المؤهلات من الجامعات الخليجية والجاهزات للاندماج في القوة العاملة والانخراط في سوق العمل للمساهمة في التنمية والرخاء الاقتصاديين للمملكة، والاستفادة من رأس المال البشري".
وهنالك أيضاً حقيقة مفادها أن حوالي 58% من القوة العاملة في دول الخليج من الوافدين****، ومع حرص الحكومات على تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، فإنها تقوم بضخ استثمارات كبيرة في توطين القوى العاملة المعنية. وأشار التقرير إلى أن الحكومات الخليجية لديها القدرة على تقليص هذا الاعتماد الذي سيكون له آثار ضارة على المدى الطويل، من خلال تأسيس اتجاه جديد "للعمل من المنزل" من شأنه الإسهام في توفير نساء مؤهلات لأداء وظائف مهنية متخصصة. وتابع البروفيسور رولي قائلاً: "لقد شكلت عملية توفير المزيد من فرص العمل والوظائف لمواطني دول الخليج هدفاً أساسياً في رؤى الحكومات للمستقبل، ويمكن دمج ’العمل من المنزل‘ في الاقتصادات الخليجية بصورة ناجحة، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق مزايا اجتماعية واقتصادية من خلال زيادة توظيف النساء المواطنات، مما يمهد السبيل إلى النمو المستدام وتحقيق التكافؤ في الفرص بين الجنسين بما يتفق مع الاستراتيجيات الحالية للحكومات".
وسلط التقرير الضوء على أنه مقارنة بدول خليجية أخرى، مثل السعودية، فإن القيود الثقافية والمؤسسية تقل عنها كثيراً في البحرين، حيث يعمل الرجال تحت قيادات نسائية، كما أن النساء يشغلن مناصب عليا في المؤسسات. ومثلما هو الحال في بلدان أخرى حيث ينتشر نظام "العمل من المنزل"، غالباً ما تجد النساء في هذا النظام حلاً لمشكلة تحقيق التوازن بين الإيفاء بمتطلبات العمل والالتزامات العائلية، لا سيما وأن البحرين تعد سوقاً لا تشيع فيها بدائل للوظائف بنظام الوقت الكامل، مثل مشاركة الوظيفة بنظام جزء من الوقت. ووفقاً للتقرير، فإنه عن طريق "العمل من المنزل"، سوف يتاح لهؤلاء النساء المؤهلات مزيد من المرونة للإيفاء بالالتزامات العائلية، وبالتالي التمكن من المشاركة في القوة العاملة الوطنية والاستفادة من تعليمهن الجامعي. وأشار التقرير إلى أنه يوجد في البحرين حوالي 30% من النساء العاطلات عن العمل من خريجات الجامعات*****.
وكانت "أكسفورد استراتيجيك كونسالتينج" قد قامت بإجراء استطلاع للرأي شمل 50 شركة تنتمي إلى القطاعين العام والخاص في دول الخليج لتقييم المواقف تجاه "العمل من المنزل" بالنسبة للنساء المهنيات المتخصصات. ووفقاً لنتائج الاستطلاع، فقد قالت 53% من الشركات التي شملها الاستطلاع إن المعوقين الرئيسيين الواضحين تجاه "العمل من المنزل" بالنسبة للنساء المؤهلات في دول الخليج، هما القلق حيال الالتزام / المسؤولية تجاه العمل بشكل مستقل، وأسلوب الإدارة. وكان رد معدو التقرير على ذلك بأن هذه المعوقات تعد أمراً شائعاً في كافة البلدان التي أطلقت مبادرة "العمل من المنزل"، مشيرين إلى أن ممارسة "العمل من المنزل" تعد أمراً مقبولاً على نحو واسع في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقال البروفيسور رولي في هذا الصدد: "بالتأكيد أنه يوجد أفراد يناسبهم نظام ’العمل من المنزل‘ أفضل من غيرهم، فهؤلاء الأفراد على سبيل المثال يتميزون بتدبير وإدارة أمورهم بأنفسهم، والالتزام، والقدرة على العمل بمفردهم، فضلاً عن حسن إداراتهم للوقت. كما تغيرت المواقف على المستوى العالمي لدرجة أن كلا الطرفين يجدان الآن في ’العمل من المنزل‘ طريقة مقبولة للعمل، حيث يتفهم المديرون أنه يجب عليهم أن يثقوا في العاملين لديهم من المنزل، وبالمقابل يتفهم العاملون من المنزل أنه ينبغي عليهم أن يكونوا أهلاً لهذه الثقة وعند حسن ظن مدرائهم بهم".
وفي استطلاعات أولية عن مدى احتمالية نجاح تشغيل إحدى الشركات التي تقوم بتقديم خدمات العمل من المنزل من خلال توظيف مواطنات خليجيات، أظهر 85% من المشاركين ترحيبهم بفكرة تطبيق هذه الخدمة. وأكد البروفيسور رولي بحماسة وإصرار على أن الاستثمار الأولي يمثل أمراً مهماً، وأنه سيصب في مصلحة حكومات دول الخليج، للمساعدة على تمويل وتكوين هذه الشركة. وخلص التقرير في نهايته إلى أن "العمل من المنزل" يعد أسلوباً مشهوداً له بالكفاءة في العمل، وسوف يسهم في حال تطبيقه بالشكل الصحيح عبر دول الخليج، في إضافة أكثر من مليوني امرأة مؤهلة تأهيلاً عالياً للقوة العاملة، بالإضافة إلى إمكانية المساهمة بنسبة 30% (363 مليار دولار أمريكي) في إجمالي الناتج المحلي الخليجي (1210 مليارات دولار أمريكي).
وتناول التقرير أيضاً الموضوع الآخر السائد الذي بدا مقلقاً لأصحاب الشركات في ما يتعلق باستخدام خدمات العمل من المنزل، وهو النفقات. وأكد التقرير على أن نفقات تجهيز وإعداد موظف في المنزل عادة ما تكون أرخص من نفقات توسيع مكتب حالي وتركيب أجهزة جديدة للسماح لموظفين داخليين بأداء نفس العمل. وسوف يتاح بالفعل للعديد من النساء اللاتي يستطعن العمل من المنزل إمكانية الربط بأجهزة الكمبيوتر وخطوط الهواتف، الأمر الذي يجعل التدريب هو التكلفة الرئيسية لإطلاق هذه المبادرة.
وعلى نحو مشجع، قامت تلك الشركات التي تم استطلاع آرائها بتحديد الخدمات العديدة التي يمكن تعهيدها للنساء اللاتي يعملن من المنزل، وهي الوظائف الأربع الرئيسية المتمثلة في مراكز الاتصال، وتقديم النصائح في مجال الموارد البشرية، والتوظيف، وخدمات الترجمة. وتتطلب كافة هذه الخدمات تدريباً أقل، وعموماً هي وظائف تتطلب عملاً فردياً وليس جماعياً، مما يجعلها مناسبة للتعهيد إلى نساء مهنيات ومؤهلات يعملن من المنزل. ووفقاً للتقرير فإن تكوين شركة متخصصة في "العمل من المنزل" يعد الطريقة الأكثر فعالية لتطبيق هذه الخدمة. ويمكن لإحدى الشركات الوسيطة أن تستبعد مستويات الاستثمارات العالية الأولية المطلوبة من جانب المؤسسة الراغبة في تعهيد هذه الخدمة.
وتجدر الإشارة إلى أن البروفيسور كريس رولي، مدير "مركز أبحاث الإدارة الأسيوية"، يعد أحد أعضاء هيئة التدريس المرموقين في كلية "كاس بيزنس سكوول" بلندن، والتي يقوم العديد منهم بالتدريس في برنامج "ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية" التابع للكلية في دبي، حيث يسافرون إلى مقر الكلية في دبي لتدريس مواد البرنامج في ورش عمل في عطلات نهاية الأسبوع. ويعد "ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية" الذي تمنحه كلية "كاس بيزنس سكوول" برنامجاً مرناً لغير المتفرغين، يستهدف المديرين في منطقة الخليج الراغبين في تطوير مستقبلهم المهني بسرعة مع التفرغ الكامل للعمل في الوقت ذاته. ويحتل البرنامج المرتبة العاشرة على مستوى العالم وفقاً لتصنيف صحيفة "فاينانشيال تايمز".
خلفية عامة
كاس بيزنس سكول
تتيح كلية "كاس بيزنس سكول"، التابعة لجامعة سيتي في لندن، فرصاً تعليمية مبتكرة وطموحة فضلاً عن خدماتها التدريبية والاستشارية والبحثية القيمة، ويمنحها موقعها المميز في قلب أحد أقوى المراكز المالية في العالم فرصةً مثلى لتكون كلية الأعمال لـ "سيتي أوف لندن"، وتحظى برامج ماجستير إدارة الأعمال ودرجة البكالوريوس التي تمنحها "كاس بيزنس سكول" بمكانة عالمية مرموقة على صعيد التعليم المهني، كما تقوم بتقديم الدعم العلمي لنحو 100 طالب دكتوراه. وتوفر الكلية أيضاً أكبر مجموعة من برامج الماجستير المتخصصة في أوروبا، وتحتل درجة "ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية" التي تمنحها الكلية المرتبة الثانية في بريطانيا والخامسة في أوروبا.
وتضم "كاس" أكبر كليات للعلوم المالية وعلوم رياضيات التأمين والتأمين في أوروبا، كما تصنف من بين أكبر 10 كليات للأعمال في بريطانيا في مجالات الأعمال والإدارة والبحوث المالية، ويحظى حوالي 90 في المائة من إنتاجها البحثي بأهمية عالمية، وتعتبر كاس بمثابة ملتقىً يتيح للطلاب والأساتذة الأكاديميين وخبراء القطاع ورواد الأعمال وصناع السياسة إثراء التجارب الفكرية لبعضهم بعضاً.