الأردن: هل أصبح كل ما أنجزناه فسادا؟

تاريخ النشر: 21 مارس 2012 - 11:14 GMT
هل كان يمكن أن تدار الأردن بصورة أفضل في ظل سياسات اقتصاد مركزي ريعي؟
هل كان يمكن أن تدار الأردن بصورة أفضل في ظل سياسات اقتصاد مركزي ريعي؟

من الطبيعي بل من الضروري أن تقوم الدول بمراجعة سياساتها الاقتصادية والتنموية لتحديد الخلل وأوجه النقص والمعيقات لتجاوزها وعدم تكرار الأخطاء. ومن المطلوب دائما الرقابة الصارمة على نزاهة الإدارة العامة قبل واثناء وبعد تنفيذ البرامج والمشاريع والسياسات. وفي فترات التحولات الجذرية كالتي نشهدها الآن في الأردن سيكون من المفيد ايضا القيام بعمليات استئصال لآفة الفساد وخاصة ما ثبت منها بالقرائن والأدلة الدامغة. ولكن ليس من المنطقي وصم فترة كاملة من إدارة الدولة بالفساد والتشكيك بكافة ما تم تحقيقه من منجزات تنموية. هذا ليس عادلا لا لسمعة الدولة ولا لآلاف الأردنيين المخلصين الذين شاركوا في تنفيذ العديد من البرامج الناجحة والتي حققت تغييرا ايجابيا في نوعية الحياة. والمشكلة في هذه الحالة من الانفعال أنه لم يعد ممكنا التفرقة ما بين حالات الفساد الفعلية وما بين تصفية الحسابات السياسية والشخصية والتي قد تستهدف أشخاصا وبرامج ناجحة.

وجود خلل وفساد في حالتين أو ثلاثة من مشاريع الخصخصة لا يعني الحكم على كل الفكرة بالفشل. لنذكر أن أول صفقة خصخصة حدثت في العام 1999 وفي أول قرار فعلي لحكومة عبد الرؤوف الروابدة وهي تتعلق بشركة الاتصالات وظهر بأن الخيار كان ناجحا لأن المنافسة حسنت من نوعية الخدمات وأسعارها. ثم تتالت عمليات تخاصية كانت تتباين في النجاح ما بين مشروع وآخر وبدلا من الاستفادة من الدروس الناجحة وجدنا استسهالا للدفع نحو صفقات خصخصة مثيرة للشبهات بدأت ملامحها تظهر الآن.

في نفس الوقت فإن مشاريع وبرامج التنمية المحلية كانت أيضا عرضة لكثير من الانتقادات مثل برنامج التحول الاقتصادي والذي أصبح بمثابة مرجعية التشكيك في السنوات الماضية بالرغم من أن البرنامج وحسب أرقام أعلنها مدراء ومسؤولون تقدموا للدفاع عنه في مواجهة الحملة، تمكن من تحقيق إنجازات لا يمكن إنكارها على أرض الواقع وأحدث تحولا في مفاهيم التنمية وتمكينا للجمعيات المحلية في إدارة المشاريع التنموية في محافظاتها بدلا من انتظار خدمات الحكومة التي تراجعت في النوعية والكمية.

لكل منا شياطينه الخاصة في مكافحة الفساد وهي أسماء لشخصيات سياسية نعترض مع نهجها السياسي والاقتصادي أو ببساطة لا نحبها لأسباب مختلفة، ونريد أن ندفع باتجاه أن تكون فاسدة سواء بالأدلة والبراهين أو بالانطباعات والإشاعات. وفي سبيل تحقيق ذلك لا نتورع عن وصم مراحل كاملة من تاريخ الدولة الحديث بالفساد وسوء الإدارة. نفتقد بشدة إلى التقييم العملي للسياسات والبرامج الاقتصادية والبعيد عن الشخصنة وتصفية الحسابات خاصة مع غياب دور الجامعات ومراكز الأبحاث في إجراء دراسات متعمقة تؤكد بالأرقام والحقائق مدى فعالية البرامج والسياسات المختلفة وبخاصة ما تسمى السياسات الليبرالية.

هل كان يمكن أن تدار الأردن بصورة أفضل في ظل سياسات اقتصاد مركزي ريعي؟ وما هي أوجه المقارنة ما بين الاقتصاد المركزي في الفترة 1980-1990 والاقتصاد المختلط 1990-2000 وما بين الاقتصاد الليبرالي 2000 2011 ضمن الموارد المتاحة في كل تلك الفترات؟ هذه كلها أسئلة بحاجة إلى إحابات حقيقية تستخدم مؤشرات التنمية وليس الشعارات السياسية. يمكن أن نصل إلى عدة خيارات في الإصلاح السياسي ومنها كشف حالات الفساد ومساءلة الفاسدين والتحول نحو حكومات برلمانية ممثلة للرأي العام ولكن لو تحقق كل هذا وأكثر لن يكون من الممكن تحقيق نهضة اقتصادية وسياسية وتنموية في حال فقدنا الثقة بالدولة ومؤسساتها وقدراتها على الإنجاز، أو في حال توقف المسؤولون عن اتخاذ القرارات الصعبة خوفا من اتهامهم بالفساد!

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن