يستغرب البعض التناقض الحاصل بين بعض المؤشرات وبين النتائج على الصعيدين المالي والاقتصادي في لبنان، وهو أمر طبيعي. فقد حصلت تطوّرات على صعيد تراجع حركة الرساميل الوافدة والاستثمارات بنسبة فاقت الـ20 في المئة خلال الفصل الأول من العام 2012 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2011، كما تراجعت التوظيفات في القطاعات الاقتصادية الحقيقية من زراعة وصناعة، مع حصول بعض التراجع والجمود في الحركة العقارية من دون أن تتراجع أسعار العقارات في مختلف المناطق.
في المقابل، برزت حركة طلب على الأوراق وسندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية «يورو بوند» بشكل فاق الحجم المطلوب من الدولة اللبنانية، وجاء الطلب بصورة رئيسة من المصارف اللبنانية في الداخل، ومن الصناديق والمؤسسات المصرفية والمستثمرين في الخارج. وجاءت أسعار الفوائد على الأوراق اللبنانية مماثلة لإصدارات بعض الدول الأوروبية التي تفوقه قدرة وتصنيفاً خارجياً. وكان سؤال المستغربين كيف تتراجع المؤشرات في القطاعات ويكون هذا الإقبال على السندات والأوراق اللبنانية المترافق مع طلب الليرة اللبنانية وترك الدولار؟
السؤال مشروع جداً، والجواب ببساطة شديدة أن الإقبال على الليرة والتحويل من الدولار مرده إلى السعي وراء فارق الفائدة من جهة، وتزايد الثقة بثبات سعر صرف الليرة، من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك الطلب من غير اللبنانيين الذين يبيعون الدولار ويشترون الليرة السورية بعد أحاديث عن إمكانية عودة الليرة السورية إلى التحسن، وارتفاع سعرها بإزاء الدولار في حال تحسنت الظروف الأمنية والسياسية في سوريا.
أما سبب الإقبال على الأوراق اللبنانية وسندات «اليورو بوند»، من دون الإقبال على الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية، فجوابه واضح من خلال طريقة الاستثمار في الأوراق اللبنانية التي تعطي مردوداً جيداً ومحدداً من دون مخاطر أمنية أو سياسية، على اعتبار أن الأوراق والسندات يمكن بيعها متى ما أراد المستثمر الخروج من المخاطر المحدقة بالبلاد.
أما الاستثمار في القطاعات الصناعية والزراعية وحتى العقارية فان الخروج منه أصعب في ظل الظروف السياسية والأمنية المعقدة. هذه ابرز المؤشرات التي تحكم التناقضات في نتائج الاقتصاد اللبناني وحركته المالية.