حيرة العرب بين الجمهوريات الدينية والإصلاحات الاقتصادية

تاريخ النشر: 09 أكتوبر 2011 - 08:17 GMT
ان الصعود في عالم العولمة الجديد لا يعتمد على القوة العسكرية، بل يحتاج إلى نجوم اقتصادية تقود التنمية في الدول التي من حولها
ان الصعود في عالم العولمة الجديد لا يعتمد على القوة العسكرية، بل يحتاج إلى نجوم اقتصادية تقود التنمية في الدول التي من حولها

ناقش البروفيسور الأمريكي، الإيراني الأصل، والي نصر، الأستاذ بجامعة تفت، التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، في كتابه: قوى الثورة، صعود طبقة وسطى إسلامية في الشرق الأوسط، وما الذي ستعنيه للعالم. فيعلق الكاتب بقوله: «الشرق الأوسط ليس فقط منطقة للتطرف والعنف، بل أيضا هي موقع لاقتصادات مكافحة ومزدهرة، منطقة تتصاعد فيها قوة طبقات جديدة، ومثقفي الاعمال الحرة، لتغير الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية.

وتؤكد ذكرياتنا عن القوى الصاعدة، أن الصعود في عالم العولمة الجديد لا يعتمد على القوة العسكرية، بل يحتاج إلى نجوم اقتصادية تقود التنمية في الدول التي من حولها. وليست إيران مثلا ساطعا لهذه النجوم حتى الآن، فاقتصادها المعزول ترتيبه 151 بين 160 دولة في العالم.. ولن تكون قوة إقليمية، إلا حينما تتحول لقوة اقتصادية بدل قوة ديكتاتورية دينية عسكرية، الذي لن يتحقق إلا بتناغم عملها مع جيرانها، ومع باقي دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، وعليها الاستفادة من تجربة دبي التي تحولت لأرض الأحلام في العالم الإسلامي، والتي يحب المسلمون أن يعيشوا فيها، بعد بلادهم، لجمعها بين الحرية الاجتماعية واحترام اللباقة الإسلامية.

وقد أكد الإسلام حقوق الملكية الفردية، وأهمية التجارة في اقتصاد المجتمع، بل اعتبر العمل الحر من خيرة الأعمال، ومع أنه وضع تشريعات تحمي التجارة، وأموال المستثمرين، وتمنع الاحتكار، والاستغلال، أكد أيضا في تشريعات أخرى ضرورة إرجاع جزء من الأرباح، كزكاة، للاستفادة منه، لتمويل شبكة حماية اجتماعية، تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، بتوفير رعاية صحية للمواطن، وتعليمه وتدريبه، وضمان تأمين تقاعده وتعطله.

كما تشارك مفاهيم الإسلام الغرب في قيمه عن السلام والأمن والحرية وحقوق الإنسان، والحداثة (التي لا تعني غربنة أو علمانية)، والديمقراطية، واحترام الأديان والمعتقدات الأخرى، وهي جميعها جزء من القيم الإنسانية السامية. فقد طورت حداثة الحضارة الإسلامية اقتصاد مجتمعاتها، وشجعت الترجمة من الشرق والغرب، وطورت العلوم والرياضيات والفنون والاختراعات».

ويعلق الكاتب على معالجة أزمة العولمة لعام 2008، بقوله: «فلإحياء اقتصاد العولمة من جديد، بعد أزمة عام 2008، علينا تمكين براعم القوى التجارية في العالم الإسلامي. ولن يكون ذلك مهما لاقتصاد العولمة فقط، الذي سيضيف مليارا ونصف مليار مسلم إلى نشاطاته التجارية، بل أيضا سيعجل انطلاقة تحرر الرأسمالية من شوائب انفلاتها. ويستطيع الغرب المساعدة على تقليل سلطة حكومات دول المنطقة على الاقتصاد، وتحرير أسواقها، وعلينا القبول بأن هذه الآلية التاريخية ضرورية، لانتقال المنطقة للمرحلة القادمة من الحرية والازدهار. ولا يعني ذلك إضعاف الحكومات، بل بالعكس نحتاج إلى حكومات قوية فاعلة، ولكن علينا تحديد مسئولياتها ومهامها، كما علينا تقليل سلطتها في التجارة، وتحرير سوقها من قبضة مسئوليها، وضبطها بالقوانين والأنظمة التي تسهل التجارة، وتحمي رؤوس الأموال، وتمنع الاستغلال والاحتكار والتلاعب والفساد. ليتطور العمل الحر وتبرز أجيال جديدة من تجار مبدعين، ولتوفر الفرصة لإبداعات العلماء والمهنيين، وتحول اختراعاتهم وصناعاتهم لمنتجات مربحة تقوي الاقتصاد وتحسن البنية التحتية والاجتماعية للمجتمع».

ويعتقد الكاتب أن على الغرب مساعدة منطقة الشرق الأوسط على تحقيق دول القانون، ونشر الشفافية، والمحاسبة، وتحرير التجارة من البيروقراطية، والشرائط الحمراء. كما عليه الدفع لتقليص القطاع العام، وزيادة نشاطات القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل للمواطنين فيه، وتشجيع اقتصاد المنطقة على الانفتاح للاستثمارات الخارجية، والتجارة، وحرية تحرك المنتجات والموارد الطبيعية. كما على الاستثمارات الغربية دعم العمل الحر والتجارة، وفتح أسواقه لمنتجات المنطقة، وعليه المساعدة كما ساعد الهند، والصين، واليابان، وفيتنام، وباقي دول آسيا من قبل، ليربح الجميع.

وقد دفع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتقدم التجارة في تركيا، مما أدى إلى تغيرات في القانون، والديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع ان الغرب ضيع التريليونات من الدولارات في مغامرات عسكرية في المنطقة، لحماية مصالحه، ولكنه لم يهتم بتطوير تجارته فيها. فالتجارة غير النفطية، وغير الدفاعية، بين الولايات المتحدة والعالم العربي، لم تتجاوز عشرين مليار دولار في عام 2007، ومع أن هناك كثيرا من اتفاقيات التجارة الحرة مع المنطقة، ولكن لا توجد حتى الآن منتجات مصنوعة بالعالم العربي في الأسواق الأمريكية.

وبالعكس تجاوزت التجارة الأمريكية، في عام 2008، مع دول أمريكا اللاتينية مائتين وخمسة وعشرين مليار دولار، ومع الهند أربعة وأربعين مليارا، ومع أوروبا الشرقية اثنين وستين مليارا، ومع البرازيل ثلاثة وستين مليارا، ومع تركيا خمسة عشر مليار دولار. فصعود الطبقة التجارية في المنطقة، لن يؤدي لوقوفها ضد مصالح الولايات المتحدة، فالتجار براجماتيون، فمع أنهم لا يعبرون عن كراهيتهم للولايات المتحدة، ولكنهم مستاءون من الدعم غير المدروس لإسرائيل، ومع أنهم لا يقفون مع الغرب كباقي شعوبهم.

تبين استطلاعات الرأي، أن 83% من العرب لديهم تصورات سلبية عن الولايات المتحدة، 70% منهم لا يثقون بها، مع أنهم يعتبرونها في قمة الدول التي توفر الحرية والديمقراطية لمواطنيها. كما أن 65% من العرب لا يعتقدون أن الولايات المتحدة جادة في نشر الديمقراطية في منطقتهم». ويعتقد الكاتب أن على الولايات المتحدة القبول بأن صعود الطبقة المتوسطة في المنطقة ستكون إسلامية ومحافظة، ولا يحتاجون إلى نصيحة من الغرب للتخلص من بعض قيمهم التقليدية، ولا يعني ذلك أنهم لا يرحبون بالإصلاح، ولا يرغبون في العمل للحرية، وحقوق الإنسان، وسيضر الأمريكيون بمصالحهم، إذا ركزوا في ولاء المنطقة للإسلام، فهناك قليل من الدلائل أن نمو المحافظين في المجتمعات الإسلامية، يتناقض مع نضالهم للحرية والازدهار، والصورة واضحة في تركيا.

ولن يستطيع الغرب كسب الطبقات الفقيرة بحرب الثقافات، فحينما يحس هؤلاء بالخطر الغربي على قيمهم، سيستمرون في الاعتماد على المتطرفين، وسيؤدي ذلك إلى خسارة المعتدلين. وفي النهاية، وبعد المقاطعة والصراعات، تبقى الطريقة الوحيدة لخفض التطرف والرفض ليست بزيادة المقاطعة والصراعات، بل بزيادة التجارة والتفاعل.

ويعلق الكاتب على سياسة المقاطعة بقوله: «قد نكبح بالحرب الدول التي نعتبرها مهددة لمصالحنا، ولكن لو أردنا تغير هذه البلدان علينا زيادة تجارتنا معهم، لا أن نقللها ونقطعها. وفي النهاية سيكون حافز المنافسة والربحية حليفنا القوي، وسيشجع الطبقة المتوسطة على الدفع لإصلاحات اقتصادية صديقة للتجارة ولقوانين تحميها، ولفتح اقتصادات بلادهم للتجارة مع العالم، وسيدفعون لحكومات جيدة فاعلة كما فعلوا في الهند والصين».

وتؤكد الوقائع أن جميع دول العالم الإسلامي مستعدة للتجارة، وبنجاح بعضها بمساعدة الغرب، سيقود هؤلاء الناجحون التجارة في المنطقة بأسرها، لينشغل شعوب العالم الإسلامي بتنميتهم الاقتصادية والاجتماعية، ويتجنبوا التطرف والإرهاب، لتثرى مجتمعاتهم، وتزدهر، ويزداد استهلاكهم. وستحتاج منطقتهم إلى منتجات الغرب، لتشغل مصانعها، وتقل البطالة، وينمو الاقتصاد، وينتشر السلام والرخاء.

ويعتقد الكاتب أن ليس هناك أي شك، في أن توازن القوى في الشرق الأوسط، معتمد على القوة الخشنة اليوم، ولكن في المستقبل، سيقاس هذا التوازن بالاقتصاد. فالعالم الإسلامي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، وموبوءة بالتخلف، والتطرف، والعنف، وإذا لم يتحرك الغرب، لدفع المنطقة بطاقاتها الاقتصادية المبدعة، فعليه توقع الأسوأ، الذي سيضعف أمن، وسلم، واقتصاد، وقوة الغرب الخشنة.

وقد حاول الغرب سنوات طويلة معالجة هذه التحديات بالصراعات، والمقاطعة، فلم يفلح، فعليه أن يعمل، لكي ينشط القطاعات التجارية، لتقوم من الداخل بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، تدفع بالمنطقة للثراء، والازدهار، والسلام. ويختتم والي نصر كتابه بالقول: «حينما هاجم المتطرفون كلية الشرطة في لاهور في مارس عام 2009، وقتلوا الكثيرين، وحاولوا إسقاط الحكومة الباكستانية، اتصلت بتاجر محلي كبير متدين وصديق، لأطمئن عليه، وسألته عن الوضع، فقال: انهم يقتلون هذا البلد بالرصاص كل مرة. فسألته ما الذي نستطيع عمله؟ فرد بقوله: لا اعرف ما يمكن أن نفعله، ولكن اعرف ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، الغوا التعرفة الجمركية، وساعدوا نمو الاقتصاد، أما الباقي فسيحل بنفسه».

سفير مملكة البحرين في اليابان