يعقد مجلس الوزراء، اليوم، جلسة عادية يحتشد على طاولتها 73 بنداً، يتُوقع أن يكون عصبها الأساسي إصدار المرسوم القاضي بتشكيل «هيئة إدارة قطاع البترول (نفط أو غاز)، الذي سبق وصدر في الرابع من كانون الثاني الماضي، إلا أن مجلس شورى الدولة عاد وردّه، بعد نحو شهر من إقراره، مسجلاً على مضمونه ملاحظات عدة. وتمثلّت ملاحظة مجلس شورى الدولة الأبرز، في اعتراضه على «صلاحيات وزير الطاقة والمياه على الهيئة الناظمة للبترول»، إذ طالب بتقليصها، علماً أن المادة العاشرة من قانون «الموارد البترولية في المياه البحرية»، أشارت إلى أن «الهيئة ترتبط بوزير الطاقة والمياه، الذي يمارس عليها سلطة الوصاية». كما طالب مجلس شورى الدولة بتعيين رئيس دائم للهيئة، معترضا على اقتراح مداورة أفرادها الستة (ماروني، كاثوليكي، أرثوذوكسي، درزي، سني، شيعي) على رئاسة الهيئة (كل منهم لعام واحد) وفق تسلسل الأسماء الأبجدية.
وفيما أعرب أكثر من مصدر وزاري عن تفاؤله بجلسة اليوم، في ما يتعلّق بإصدار المرسوم الذي من دونه يبقى لبنان على السكة رقم صفر بترولياً، علمت «السفير» من مصدر وثيق الصلة بملف البترول، أنه «ثمة تخوّف من عرقلة صدور المرسوم اليوم، بسبب وجود تباين في وجهات النظر، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبين وزير الطاقة والمياه جبران باسيل». وإذا كان الاختلاف في وجهات النظر حول كيفية معالجة انقطاع التيار الكهربائي، قد أدى إلى مراوحة كهربائية تهدد صيف اللبنانيين المقبل، فإن التباطؤ في تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع البترول، سيؤكد بالدليل القاطع مدى ترجيح الدولة لمنافع أقطابها الشخصية، على منافع المواطنين.
ولن يقتصر تباطؤ الدولة في تشكيل الهيئة الناظمة على تأكيد المؤكد للمواطن اللبناني، من جهة إدراكه بأن حقوقه مسلوبة سلفاً، بل إن الأسلوب الذي تنتهجه الدولة اللبنانية تجاه تشكيل الهيئة «بدأ بالانعكاس سلباً على شركات البترول العالمية، التي أبدت استياءها من المراوحة القائمة» وفق مصدر واسع الإطلاع.
ومردّ استياء الشركات العملاقة، وفق المصدر، يعود إلى «نكث الدولة اللبنانية بوعدها أكثر من مرة، في ما يتعلّق بموعد استدراج العقود للبدء بعمليات التنقيب. وكان الموعد الأخير قد تحدد في الشهر الحالي، لكن المريب أن الدولة لم تشكل الهيئة الناظمة بعد، والتي يترتب عليها رفع 13 مرسوماً إلى الحكومة كي تبتها، ويلي ذلك عملية استدراج العقود». وتأتي المناكفات الحالية، بعــدما كان السياسيون قد خاضوا معارك طاحنة، على امــتداد الشهرين الماضيين، إذ كان كل منهم يسعى إلى تعيين ممثل عنه في الهيئة، ظناً منهم بأن العضو في الهيئة سيكون بمثابة «حساب مالي مفتوح». لكن بعد التدقيق في صلاحيات أعضاء الهيئة، تبين للساسة أن طابع الهيئة استشاري وفني وتقني، وأن كل عضو لا يملك، لوحده، صلاحية اتخاذ قرارات من شأنها أن تنفع مصالح السياسي المالية.
في المقابل، تشكّل الهيئة ـ مجتمعة ـ العمود الفقري لكل شاردة وواردة تتعلّق بالبترول: التفاوض مع الشركات لتحديد حصة لبنان من الأرباح البترولية، وغالباً ما تكون المفاوضات صعبة ودقيقة، انطلاقاً من أن الشركات متمرسة في هذا الشأن وستسعى إلى توسيع حصتها ما أمكن. وتتولى الهيئة وضع دراسات للترويج للموارد البترولية المحتملة في لبنان، وتقويم مؤهلات مقدّمي طلبات الترخيص للحقوق البترولية ومقدّراتهم، من خلال تقرير يُرفع إلى وزير الطاقة والمياه، والذي بدوره يعرضه على مجلس الوزراء، وإعداد مشاريع دعوات المشاركة ودفاتر الشروط والتراخيص والاتفاقات، والتفاوض، إلى جانب وزير الطاقة والمياه، مع مقدّمي الطلبات لاتخاذ القرار النهائي. وتشمل مهمات الهيئة إدارة الأنشطة البترولية ومتابعتها ومراقبتها، وحسن تنفيذ التراخيص والاتفاقات، ووضع تقارير دورية فصلية لرفعها إلى الوزير كي يوقع عليها، وتقويم خطط تطوير الحقول ونقل البترول، ووقف الأنشطة البترولية وإزالة المنشآت، وإدارة بيانات الأنشطة البترولية، وإدارة السجل البترولي.
تتمثل المرحلة الثانية، بعد صدور مرسوم تشكيل الهيئة، في تعيين أفرادها، وذلك وفقاً لمعايير الفئة الأولى التي تنص على ضرورة توافر الكفاءة بعيداً عن المحاصصة السياسية. وذلك من خلال الإعلان في وسائل الإعلام، رسمياً، عن الشروط المطلوبة، فيتقدّم المرشحون اللبنانيون بطلباتهم. وبعد دراستها من لجنة متخصصة، يُصار إلى تشكيل لائحة مصغّرة، واستبعاد الطلبات التي لا تستوفي الشروط الأساسية. وتُرفع لائحة الأسماء المصغّرة إلى وزير الطاقة والمياه، ثم يحدد الأخير مواعيد للاجتماع إلى المرشحين، بحضور ممثل عن وزارة التنمية الإدارية، وممثل عن مجلس الخدمة المدنية. وبعد الاجتماعات يتم انتقاء المرشحين الثلاثة الأوائل من كل طائفة من بين الطوائف الست، ويرفع الوزير الأسماء إلى مجلس الوزراء لانتقاء اسم واحد من بين المرشحين الثلاثة عن كل طائفة.
يُذكر أن الهيئة، بعد تشكيلها وبدء عملها، قابلة لأن تشهد خلافات في وجهات النظر، بين أفرادها وبين الوزير. وحينها، يُصار إلى كتابة تقرير يفيد برأي الهيئة المخالف لرأي الوزير، ثم يعرض الوزير على مجلس الوزراء وجهتي النظر، ويكون المجلس الفيصل في اختيار الرأي المناسب.