تستعد إمارة أبوظبي لاستضافة كنز تاريخي هائل يسرد قصة الحضارة الإنسانية من خلال أعمال فنية وقطع أثرية تستكشف المعاني المختلفة لتعبير «الكنز»، في معرض تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بعنوان «كنوز ثقافات العالم»، بالتعاون مع المتحف البريطاني، في منارة السعديات بأبوظبي، في الفترة من 18 أبريل حتى 17 يوليو المقبل. ويضم المعرض كذلك مجموعة متنوعة من المعروضات المُعارة من متحف العين الوطني ومتحف الشارقة للآثار.
إضاءة على المعروضات
يحتفي معرض «كنوز ثقافات العالم» بالإنجازات الثقافية لأكثر من مليوني عام، ويسلط الضوء على الموضوعات الحياتية التي تربط بين جميع الشعوب، بعيداً عن سياقاتها المكانية والزمنية. وتشمل الموضوعات التي يتضمنها المعرض قصصاً من حياة الحكام والطبقة النبيلة، حيث تغطي المعروضات آلاف السنين، وتعلي من شأن الملوك والحكام الذين نشروا صورهم للتعبير عن نفوذهم وإنجازاتهم. تتداخل مشاهد الحياة في البلاطات الملكية مع صور من حياة الفراعنة في مصر وأباطرة الرومان، ومن هذه المعروضات رسالة على لوح طيني أرسلها أزيرو حاكم أمورو الكنعاني إلى ملك مصر أخناتون، ويشكل النص المكتوب بالخط المسماري جزءاً من أرشيف هائل من المراسلات الملكية من القرن الـ24 ق.م التي اكتشفت في مدينة العمارنة المصرية في العام 1887م.
كما يضم المعرض مجموعة من صناديق حفظ الذخائر الدينية، والنصوص السحرية، والتمائم التي كانت تُستخدم في الطقوس الدينية، إضافة إلى الخرافات والحقائق المقدسة من معتقدات عدة، وصور تمثل الشخصيات المقدسة والآلهة من مختلف أنحاء العالم القديم. وتظهر القطع الأثرية الإسلامية (الرسومات واللوحات المعدنية والخزفية) كيف تم استخدام الزخارف للاحتفاء بغنى وجمال خلق الله، مع زوج من المصابيح الزجاجية التي كانت تُستخدم في المساجد خلال عصر المماليك في مصر، والنقوش القرآنية، فضلاً عن مجموعة رائعة من سيراميك الإزنيق من تركيا العثمانية. وهناك معروضات أخرى تعبر عن انتشار وتأثير الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي على مدى 12 قرناً. ومن ضمن المعروضات مبخرة من جنوب الجزيرة العربية تدل على أهمية تجارة اللبان والمُرّ في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم، والبحر الأبيض المتوسط. وتظهر لوحة خشبية لمشهد فروسية أنتجتها شعوب «سينوفو» من غرب إفريقيا مدى تأثير الجيوش الإسلامية في أواخر القرن الـ19 الميلادي. كما يحتفي المعرض بالتاريخ الطويل لصناعة صيد اللؤلؤ في الخليج من خلال عرض قلادة يرجع تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلى جانب العديد من قطع اللؤلؤ الرائعة من أوقات وأماكن مختلفة تؤكد المكانة العالمية لهذه الصناعة. ومن المعروضات أيضاً قلادة من تصميم إلسا بريتي لشركة تيفاني آند كو، تستوحى من الحرفيين اليابانيين، وتستخدم قطعة كبيرة من لؤلؤ كيشي الملفوفة بدقة بشبكة من الحرير.
ويقدم المعرض الذي يُقام برعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لوحات تجسد ثراء وتنوع الفن الإسلامي التقليدي، وأدوات صُنعت في شرق القارة الإفريقية خلال العصر الحجري القديم، بالإضافة إلى أعمال فنية من عصر النهضة في أوروبا. كما يربط المعرض، الذي يضم نماذج للمقتنيات الثمينة والأعمال الفنية المعاصرة من مختلف أنحاء العالم، بين المنظورات الثقافية التاريخية والحديثة من خلال تجربة بصرية واحدة.
وأوضح الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أنّ «المعرض يُشكل خطوة مهمة جديدة في مسيرة تطوير الوعي الفني محلياً وإقليمياً ضمن أحد أكثر المشروعات الثقافية طموحاً على الصعيد العالمي».
وأضاف بن طحنون أن تنظيم معرض «كنوز ثقافات العالم» يتماشى مع رؤية أبوظبي الرامية إلى تعزيز مكانتها وجهة ثقافية متميزة، وملتقى للحضارات من خلال المتاحف التي ستفتتح في المنطقة الثقافية في السعديات، بما في ذلك متحف زايد الوطني، واللوفر أبوظبي، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، والتي تسعى للارتقاء بالحركة الفنية والحفاظ على التراث الفني والثقافي والحضاري في الوقت ذاته. وتطلع إلى «أن يحظى المعرض بإعجاب الزوار من خلال ما يرويه من قصص وتجارب مرت بها الإنسانية عبر ملايين السنين»
ويُعد معرض «كنوز ثقافات العالم» الثاني من نوعه ضمن سلسلة من المعارض التي يتم تنظيمها استعداداً لافتتاح «متحف زايد الوطني»، وذلك عقب معرض «روائع بلاد الرافدين» الذي نُظّم أيضاً بالتعاون مع المتحف البريطاني في العام الماضي في منارة السعديات.
وبينما ركز معرض «روائع بلاد الرافدين»، على إبراز دور منطقة الشرق الأوسط باعتبارها مهد الحضارات الإنسانية، يصحب معرض «كنوز ثقافات العالم» الزوار نحو آفاق أوسع للتراث العالمي من خلال أكثر من 250 قطعة.
ويسلط المعرض الضوء على نوعية المعروضات التي سيحتضنها «متحف زايد الوطني»، الذي ستروي قاعاته تاريخ المنطقة ومسيرة اتحاد الإمارات، عبر توثيق وعرض شامل لحياة وإنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
يبدأ المعرض روايته السردية مع بدايات وجود البشر في إفريقيا، في وقت بدأ صراع البقاء والسعي للنجاح وبناء العلاقات الإنسانية والمكانة الاجتماعية، بالاعتماد على الأشياء المادية، وأخذت فيه الأشياء معنى ومغزى إلى جانب فائدتها العملية، وأصبحت حينها مصدراً للإلهام.
وتتبع أقسام المعرض أهمية تطور الثقافة المادية في المجتمعات العالمية، وستأخذ الزوار في رحلة رمزية عبر منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأوقيانوسيا، والأميركتين، وصولاً إلى معروضات حديثة معاصرة. يذكر أن معرض «كنوز ثقافات العالم» سيكون المعرض الخامس الذي يقام في منارة السعديات، مركز المعارض الفنية في المنطقة الثقافية في السعديات الذي افتتح عام ،2009 واستقبل حتى اليوم نحو 200 ألف زائر. ويفتح المعرض أبوابه للزوار مجاناً يومياً من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءً.