عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمّان وبيروت، وبعد ثلاثة روايات هما "في شقتنا خادمة حامل و "بولقلق" و " محمد صالح وبناته الثلاث "يطل علينا الاستاذ عبد الله المدني الكاتب البحريني برواية جديدة تحمل عنواناً لافتا هو "من المكلا الى الخُبر". من أجواء الرواية نقرأ ما يلي :
خلال أقل من عامين إستطاع "سالمين باسامر" أن يعزز مركزه التجاري، ويكسب ثقة الكثيرين، ويبنى لنفسه سمعة حسنة، وذلك على حساب جاره "سعيد بادريس" الذي كان يمثل لمعظم سكان "الفريج" كتلة من الأسرار، خصوصا وأن جسمه الممتلـيء، وبشرته الداكنة، ووجه المحفور بآثار مرض الجدري، وعينيه الجاحظتين المُحـْمـَرّتين على الدوام، وقلة حديثه، وندرة خروجه من دكانه، كانت تثير الشك والخوف عند كل من يتعامل معه. ولعل ما زاد من حيرة ذلك المجتمع الصغير حيال هذا الرجل الغامض هو أنه كان يغيب لفترات طويلة داخل المساحة المخصصة لنومه ضمن نطاق دكانه، تاركا باب الدكان موارباً.
قال البعض أن سعيداً ربما يتصيد صبية "الفريج" الصغار ويغريهم بالحلويات أوالمياه الغازية أوالألعاب المجانية ليدخلهم إلى مخدعه من أجل ممارسة اللواط! البعض الآخر إستنكر مثل هذا الإتهام بحق رجل مسالم لم ير أحد قط منه شيئاً مسيئا، مضيفين أن الأيام سوف تكشف سره، إنْ كان هناك ثمة سر!
لم يمض وقت طويل إلا واللثام يـُماط عن السر! حدث ذلك حينما داهمت الشرطة الدينية* في ظهيرة أحد الأيام دكان سعيد، وإعتقلته، وأخرجته أمام الملأ المتجمهر وهو مكبل اليدين، فيما تم إغلاق محله بالشمع الأحمر. تبين حينذاك فقط أن الرجل بريء تماما من تهمة ممارسة اللواط. تبين للجميع أن سبب غيابه المتكرر والطويل داخل مخدعه البائس، المؤثث بسرير حديدي قديم، وطاولة خشبية مهترئة، وموقد بدائي لطبخ الشاي وتسخين الفول، كان فقط من أجل تناول جرعات من الخمور المحلية التي كان يعدها بنفسه، بل ويروجها بيعاً في أوساط من يثق فيهم من أبناء الجاليات الوافدة.
إنتابت سالمين مشاعر مختلطة إزاء هذا الحدث. فمن جهة كان حزينا لما سوف يؤول إليه مصير سعيد، وهو السجن ثم الجلد ثم "التسفير" إلى خارج البلاد، لكنه من جهة أخرى بدا سالمين فرحا بزوال منافس خطير من طريقه. منذ تلك اللحظة بدأ سالمين يتحرك ويخطط لوضع يده على دكان سعيد كي ينقل تجارته إليه.
حينما صدر الحكم بجلد سعيد 80 جلدة لشربه وبيعه "المنكر"، تجمهر عدد كبير من سكان وصبية "الفريج" وغيرهم من الفضوليين أمام الجامع الكبير في"الخبر" لمشاهدة العملية من ألفها إلى يائها. كانت أحكام الجلد وقطع الأطراف الصادرة بحق مروجي وصانعي وشاربي الخمور، والسراق
واللصوص، وممارسي الزنا واللواط تنفذ على مرأى من الناس بعد صلاة يوم الجمعة لتكون عبرة وعظة.
تقع الرواية في 156 صفحة من القطع المتوسط