تعزّزت التوقعات بشأن إمداد النفط خلال الشهر الماضي (أغسطس/آب)؛ إذ يبدو المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا أنه قد عزز سيطرته على مقاليد الأمور في ليبيا، ويخطط إلى معاودة الإنتاج الليبي إلى مستويات ما قبل الحرب وقدرها 1.6 مليون برميل يومياً، بعد فترة من التوقف الكامل. وفي الوقت ذاته، تلوح في الأفق مخاوف متزايدة من أزمة مالية عالمية ثانية وركود اقتصادي وشيك مع هبوط أسواق الأسهم العالمية بنحو 15-20 في المئة منذ مطلع أغسطس. وتبعاً لذلك، من المتوقع تراجع الطلب على النفط، على رغم أن وكالة الطاقة الدولية لم تدخل إلا تعديلات طفيفة حتى الآن على توقعاتها السابقة. وقال رئيس شركة نفط الهلال، بدر جعفر: «إن أسعار النفط ما زالت متماسكة عند مستوى 100 دولار للبرميل، على رغم تواصل سلسلة الأنباء الاقتصادية السيئة على المستوى العالمي، واحتمال عودة إنتاج النفط الليبي»، موضحاً الأسباب وراء ذلك. وأوضح «في العام 2008 هبط سعر مزيج برنت نحو 77 في المئة خلال ستة أشهر، مقارنة مع أعلى مستوياته في يوليو/تموز 2008، عندما سجَّل 140 دولاراً للبرميل.
وقد يتوقع المرء هبوطاً مماثلاً اليوم، مع اقتراب المخاوف الحالية من حجم تلك المخاوف التي كانت تسود السوق خلال العام 2008؛ إلا أن الهبوط في أسعار النفط لا يزال ضئيلاً حتى الآن، خلال فترة التصحيح التي تشهدها السوق في الوقت الراهن، ولم يتجاوز 12 في المئة، مقارنة مع أعلى مستوياته في أبريل/نيسان 2011».
والسؤال هنا، هل تأخر انهيار أسعار النفط نوعاً ما، أم أن هناك سبباً للاعتقاد بأن العوامل الأساسية في سوق النفط تبدو أكثر تماسكاً مما كانت عليه في العام 2008؟ ويرجِّح جعفر الاحتمال الثاني. إلا أن هذه العناوين العريضة تخفي وراءها تأثيرات واضحة من المرجَّح أن تمنع وصول تدفق النفط الخام الفائض إلى الأسواق.
فأولاً، قد يحتاج إنتاج النفط الليبي إلى عامين أو أكثر للعودة إلى المستوى السابق من الإنتاج، وفقاً لاستطلاع لآراء الخبراء والمحللين أجرته «رويترز»، نظراً إلى الأضرار التي تعرَّضت لها حقول النفط، وكوادره ومنشآته خلال الحرب الأهلية الليبية.
ثانياً، وحتى في حال النجاح في استئناف إنتاج النفط الليبي بسرعة؛ إذ تُقدر شركة النفط الوطنية الليبية إمكانية إنتاج نصف مليون برميل يومياً في غضون بضعة أيام، والوصول إلى مليون برميل يومياً خلال عام، فمن المرجَّح أن تبادر السعودية إلى خفض إنتاجها لتعويض بعض من هذه الزيادة؛ إذ أفادت بيانات وكالة الطاقة الدولية بأن إنتاج النفط السعودي قد ارتفع من نحو 8.75 ملايين برميل يومياً، إلى 9.75 ملايين برميل يومياً خلال الفترة ما بين أبريل ويوليو 2011، لتعويض انخفاض الإنتاج الليبي جراء الحرب الأهلية، وذلك في أعقاب فترة متواصلة من استقرار إمداد النفط السعودي وانضباطه خلال عامي 2009 و2010. وبالتالي، فمن المتوقع ألاَّ يجد صنَّاع السياسة السعوديون صعوبة تذكر في إقرار التوقف عن هذه الزيادة في الإنتاج والعودة إلى المستويات السابقة ما إن تعود إمدادات النفط الليبية إلى سابق عهدها، لاسيما وأن هذه الزيادة قد تهدد استقرار أسعار النفط العالمية.
ثالثاً، فإن المخاوف الاقتصادية الراهنة تتركز على الولايات المتحدة وأوروبا، فيما تقود آسيا نمو الطلب العالمي على النفط؛ إذ لم تبد مؤشرات الطلب أي هبوط في إمدادات النفط في الأسواق الآسيوية. وكانت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير الصادر بعد بدء تراجع أسواق الأسهم، قد رفعت قليلاً من توقعاتها للطلب العالمي على النفط، بنمو قدرته بنحو 1.4 في المئة سنوياً خلال العام 2011، و1.8 في المئة خلال العام 2012، على رغم تباطؤ نمو الإقتصاد العالمي.