"سوليدير" جمهورية داخل الجمهورية، أصحابها مجهولو الهوية، ثمة مقولة اشتهرت كثيرا وجرى التداول بها في زمن الحرب الاهلية، مفادها ان من يسيطر من الاطراف المتنازعة آنذاك على وسط بيروت، بإمكانه ان يسيطر على بيروت كاملة ومنها على لبنان، لكن احدا من هؤلاء لم يستطع ان يحسم المعركة لمصلحته حتى اتى اتفاق الطائف وجمع الاطراف حول طاولة واحدة، منهيا بذلك حقبة أليمة من تاريخ لبنان وراسما معالم النظام السياسي فيه للمرحلة اللاحقة.
السؤال نفسه يعود اليوم مجددا الى الواجهة، وهو الى من تنتمي بيروت العاصمة؟ خصوصا بعدما اصبحت ملكية وسطها حكرا على شركة عقارية خاصة "سوليدير"، توصف بأنها جمهورية داخل الجمهورية، ومربع أمني داخل مربعات اخرى، وتتميز باتصالاتها الخاصة والانترنت الخاص بها، وحمايتها الخاصة، علما ان الشركة لا يعرف من هم اصحابها فقد يكونون لبنانيين، عربا، او غربيين، وربما بعضهم صهاينة!
نبذة تاريخية عن سوليدير
في كانون الاول عام 1991 صدر عن المجلس النيابي القانون رقم 117 /91، مشرعا عمل شركة "سوليدير" العقارية ثم تتالت بعده المراسيم التطبيقية بالصدور تباعا مكرسة سلطة الأمر الواقع، فعينت 7 لجان تخمين بدائية ولجنة تخمين عليا فضلا عن 4 لجان توزيع كلفة تخمين عقارات لنحو 65 ألف صاحب حق في منطقة وسط بيروت، علما بأن عددهم كان عام 1974 يبلغ نحو 40 ألفا، أغري أعضاء اللجان بتعويضات مالية كبيرة وأعطيت التعليمات لهم بتوحيد الأسعار ضمن منطقة جغرافية واحدة، فجرى تخمين 1630 عقارا خلال 13 شهرا بقيمة 1170 مليون دولار اي بمعدل 1532 دولارا للمتر المربع الواحد من الأرض و100 دولار للمتر المربع الواحد المبني، فيما كان متوسط الأسعار حينها يراوح بين 2500 دولار و4 آلاف دولار لسعر الأرض وبين 300 دولار و500 لسعر البناء، وبعد مشاحنات مع أصحاب الحقوق جرت زيادة عدد المباني المستثناة من الهدم من 190 مبنى إلى 265 وسمح لأصحابها باستردادها لكن بشروط تعجيزية أبرزها دفع 10 بالمئة من قيمة المبنى للشركة على أن يكون ترميمها على حسابهم وبدفتر شروط خاص وبضمانات مالية باهظة. ولتأسيس شركة "سوليدير" اعتُمدت صيغة تقوم على نوعين من المساهمات في رأس مالها، اولا جمع الأموال بطريقة نقدية عبر الاكتتاب بالأسهم، وثانيا جمع المساهمات العينية وإبدالها بأسهم فانطلقت عملية الاكتتاب وأدخل سياسيون ورجال أعمال، ثم عقدت الجمعية التأسيسية للشركة في أيار 1994 وحينها كان قد بلغ إنفاق "سوليدير" 30 مليون دولار فجرى إخراج أصحاب الحقوق من أملاكهم بالترهيب والترغيب وكل أنواع الضغط وصولا إلى القوة المسلحة. بعد ذلك، بدأ تنفيذ برنامج تعويضات إخلاء المهجرين الذي أخذته "سوليدير" على عاتقها، وبلغ إنفاقها في هذا المجال أكثر من 285 مليون دولار بدلا من 37 مليونا كانت ملحوظة. وبعد ثلاث سنوات على بدء المشروع كانت ميزانية "سوليدير" قد ارتفعت من 650 مليونا إلى 1018 مليون دولار. أما أصحاب الحقوق فلم يحصلوا إلا على سبعة توزيعات لأنصبة الأرباح خلال 13 سنة بمعدل سنوي يبلغ 20 سنتا للسهم الواحد.
انطلاقا مما تقدم يتضح جليا ان ما قامت به شركة "سوليدير" من عملية استملاك كبرى استخدمت فيها نفوذها القوي في الدولة بدّل هوية وسط بيروت وغيّر الخريطة الديموغرافية فيها، بعدما جرى "تشليح" اصحاب الحقوق من حقوقهم، وبذلك ارتفع عدد ممتلكي الأسهم في شركة سوليدير إلى 100 ألف، لا يوجد من بينهم إلا 950 مكتتبا و150 عائلة من الوسط التجاري، مقارنة بـ 15 ألف مكتب ومحل و6300 عائلة كانت موجودة قبل إنشاء "سوليدير". وبالنتيجة دخل على خط التملك في وسط بيروت عبر شركة "سوليدير" نسبة كبيرة من المتمولين والمستثمرين الخليجيين والغربيين وربما الصهاينة، واصبحت المنطقة محصورة بعدد محدد من الرواد وبشريحة اجتماعية واقتصادية معروفة.
مالية سوليدير
فضائح شركة سوليدير اكثر من ان تعد او تحصى، فبالاضافة الى ما ذكرناه آنفا فقد شهدت الشركة انفاقا ماليا ضخما لم تستفد منه الدولة ولا اصحاب الحقوق الاصليون ( ابناء وسط بيروت)، وهي أعفيت من الرسوم والضرائب بمئات ملايين الدولارات، وذلك بموجب القانون رقم 117 /95 الذي نظم عمل مجلس الانماء والاعمار وعمل الشركة العقارية "سوليدير" (نشأت بموجب المرسوم 2537 بتاريخ 22 تموز 1992 ) ومن تلك الاعفاءات الضريبية:
-اعفاء المقدمات العينية لتكوين رأس مال "سوليدير" من معاملة التحقق المنصوص عنها في المادة 86 من قانون التجارة.
-استثناء الشركة من احكام المادة الاولى من قانون تملك غير اللبنانيين، واعفائها من الترخيص. (بمعنى انه يسمح لغير اللبنانيين تملك اسهم عقارية بشكل غير محدود).
-جرى اعتبار المشترين العرب والاجانب بمثابة لبنانيين وأعفوا من علاوة الاجانب على رسم التسجيل (3 % على المساحة المشتراة ـ حينذاك كان الاجنبي ملزما بدفع رسم للتسجيل اعلى من الرسم الذي يدفعه اللبناني)، وقد قدرت تلك الاعفاءات بنحو 35 مليون دولار على مجمل مبيعات الشركة. اعفاءت "سوليدير" من الضرائب بلغت مئات ملايين الدولاراتز
-اعفاء سوليدير من رسوم كاتب العدل العائدة للدولة ورسوم التسجيل في السجل التجاري ورسم الطابع على رأس المال واعفاء مقدماتها المالية من جميع رسوم الانتقال من أصحابها الاصلييين الى الشركة.
والمعروف ان رسوم التسجيل والانتقال التي كان يفترض ان تدفعها "سوليدير" بعد ضم العقارات الخاصة اليها تبلغ 65 مليون دولار لأن قيمة تخمين هذه العقارات بلغت 10,170 مليار دولار، (استرد منها بقيمة 170 مليون دولار)، وبالتالي تحتسب الضريبة بنسبة 6,5 في المئة من مليار دولار. أعفيت الشركة أيضا من ضريبة الدخل لمدة عشر سنوات من تاريخ تأسيسها، وكذلك أعفيت أسهمها وأعفي مساهموها بصفتهم مساهمين في الشركة من ضريبة الباب الثالث.