فرص ضائعة في سياحة الأعمال في لبنان

تاريخ النشر: 17 أكتوبر 2011 - 09:43 GMT
المطلوب اليوم هو اقتناص الفرص سريعاً في قـطاع سياحة الأعمال وتحقيق قصص نجاح حقيقية، يستحقها لبنان ويستحقها المواطن اللبناني
المطلوب اليوم هو اقتناص الفرص سريعاً في قـطاع سياحة الأعمال وتحقيق قصص نجاح حقيقية، يستحقها لبنان ويستحقها المواطن اللبناني

أراقب باهتمام ما تخطوه دول العالم، وتحديداً الدول المجاورة، في مجال سياحة الاعمال، أو ما يعرف بسياحة المعارض والمؤتمرات والحوافز mice tourism ، حيث تدور منافسة شرسة بين البلدان لاحتلال مواقع متقدمة في هذا المجال، اذ باتت كل الدول تدرك ما لهذا القطاع من انعكاس مباشر على تنمية الاقتصاد وعلى جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل.

ان لبنان هو من المرشحين الحقيقيين للتنافس في هذا المضمار، نظراً لما يتمتع به من ميزات تفاضلية وتنافسية، حيث استطاع أن يحقق بعض النجاحات باستضافة مجموعة من المؤتمرات والفعاليات من خلال قطاعه الفندقي الذي يطور هذا النوع من الخدمات، وخبرة قدراته البشرية العالية والمثقفة، إلا ان حصة لبنان ستبقى ضئيلة في سوق سياحة الاعمال ما لم نسارع اليوم الى توسيع البنية التحتية، من مراكز للمعارض والمؤتمرات، تطوير شبكة النقل، خلق مطارات إضافية لوصل المناطق بعضها ببعض وتفعيل شبكة سكك الحديد والتدخل عبر استراتيجيات واضحة تحقق أهدافا ملموسة وبجدول زمني محدد.

تعتبر سياحة المؤتمرات والمعارض والحوافز MICE TOURISM ( Meetings , Incentives, Conferences, Exhibitions ) نمطاً هاما من السياحة، ينطوي على إنفاق سياحي كبير، وقدرة على تحريك كل القطاعات. وتؤمن سياحة الأعمال استثمارات كبيرة في هذا المجال وتجعل من أي دولة تهتم بهذا النوع من السياحة بلداً جاذباً ومستقطباً للمعارض الدولية والمنتديات العالمية، كما تحقق تشغيل الخدمات السياحية من فنادق وشركات تأجير سيارات وغيرها، الأمر الذي يؤكد أهمية صناعة سياحة الأعمال كمورد اقتصادي ضخم ومؤثر.

مؤخراً، باشرت عمان ببناء مركز جديد للمعارض والمؤتمرات في مسقط بكلفة إجمالية تصل الى حوالى المليار دولار، يتوقع ان يصبح من أهم المراكز في المنطقة حيث سيساهم في تحويل عمان الى مقصد رئيسي لأهم الفعاليات ومؤتمرات الاعمال في المنطقة، وتأتي هذه الخطوة من ضمن خطة وزارة السياحة بتحويل القطاع السياحي الى اكبر مساهم في الدخل القومي ومن ضمن الاجراءات المتخذة لاستقطاب 12 مليون سائح في العام 2020. وتعتبر عمان انه عبر بنائها مركز المعارض تكون قد اقتربت كثيراً من تحقيق الرؤية الاقتصادية لعمان في العام 2020.

على صعيد آخر، إن إيرادات سياحة المؤتمرات على مستوى العالم تصل إلى 300 مليار دولار سنوياً، نصيب مصر منها 1,4 مليار دولارعلى سبيل المثال، وتضع مصر خطة تطوير لسياحة المؤتمرات والمعارض عبر تحديث البنية التحتية لها من خلال تطوير قاعات وساحات ضخمة بأرض المعارض، بتمويل ذاتي، كلفته 320 مليون دولار.

أما في الامارات العربية المتحدة فتشير تقديرات غير رسمية إلى أن سياحة الأعمال والمؤتمرات، تستحوذ على أكثر من 50 في المئة من أعداد السياح القادمين إلى دبي. ان استراتيجية جذب السياح من خلال تنظيم المؤتمرات والمعارض والمناسبات، ساهمت في بناء شريحة كبيرة من السياح المتخصصين الذين يوصفون بالأثرياء والأكثر إنفاقاً، ما أدى إلى طفرة في قطاع السياحة والفنادق والترفيه في الإمارات وبخاصة في دبي. من جهة أخرى، ارتفعت مساهمة قطاع سياحة المؤتمرات والمعارض في أبو ظبي لتغطي العجز الحاصل في السياحة الترفيهية، حتى وصلت إلى 70 في المئة، وايماناً منها بأهمية ذلك تطلق هيئة أبو ظبي للسياحة نظاماً الكترونياً يختص بتنفيذ إجراءات التراخيص الخاصة بإقامة المعارض والمؤتمرات التي تقام في إمارة أبو ظبي ليكون فاعلاً ومتاحاً لشركاء قطاع سياحة المؤتمرات والمعارض.

ودخلت قطر حلبة المنافسة جدياً وتعمل لتطوير استثماراتها كوجهة رئيسية لسياحة المؤتمرات والمعارض، حيث تمضي الحكومة القطرية قدماً لإكمال اثنين من المراكز المتخصصة في إقامة المؤتمرات والمعارض، هما: مركز قطر الوطني للمؤتمرات المتوقع افتتاحه في نهاية العام 2011، ومركز الدوحة للمؤتمرات المزمع افتتاحه في عام 2013.

أما المملكة العربية السعودية فتعتبر سياحة المؤتمرات والمعارض رافداً اقتصاديا تعول عليه خطط التنمية في تخفيف الاعتماد على النفط. وحققت سوريا بحسب تقرير المجلس الدولي للسياحة والسفر للعام 2008 الموقع الثاني عالمياً لتطور سياحة الأعمال بمعدل نمو14.1 في المئة بعد البرازيل وروسيا والصين وأذربيجان، الأمر الذي يعكس التطور النسبي للنشاط الاقتصادي العام في سوريا.

في مقابل كل ذلك، نرى ان لبنان يملك قدرات هائلة تؤهله للمنافسة في هذا المجال، بدءاً من موقعه المميز وتوفر الموارد البشرية من ذوي الخبرة، الى وجود شركات لبنانية متخصصة تنظم معارض ومؤتمرات في كل أنحاء العالم، بالاضافة الى امتلاكه مقومات سياحية غنية ومتنوعة، وقطاعا فندقيا متطورا. إلا ان الدخول في حلبة المنافسة واللحاق بقطار سياحة الاعمال يتطلب العمل سريعاً على تطوير البنى التحتية عبر إقامة مراكز للمعارض بمواصفات عالمية، وتطوير شبكة النقل وخاصة سكك الحديد لوصل المناطق بعضها ببعض.

عندما استلمت حقيبة وزراة السياحة تضمنت خطة العمل «نحو سياحة تنافسية مسؤولة مستدامة» والتي حصلت على موافقة مجلس الوزراء بالإجماع في 18 آذار 2010، تطوير سياحة المؤتمرات والمعارض حيث اعتبرت أن تفعيل هذا النوع من السياحة سيساعد لبنان على تنشيط دوره كمركز للاعمال، وبالتالي تعهدنا العمل على إنشاء مركز للمؤتمرات والمعارض وفق المعايير الدولية.

ثم تضمن البيان الوزاري لحكومة «كلنا للعمل» موضوع تشجيع سياحة المؤتمرات عبر إنشاء مراكز للمعارض والمؤتمرات، وهذا ما استكملنا العمل عليه حالياً حيث تقدمت وزارة السياحة مجدداً من مجلس الوزراء بمشاريع ثلاثة تهدف الى تطوير سياحة المؤتمرات والمعارض، وهي مشروع إنشاء مركز حديث لاستضافة المعارض والمؤتمرات والاجتماعات على أراضي الدولة اللبنانية في منطقة الضبيه، تطوير معرض رشيد كرامي الدولي واستثماره لإقامة مركز ترفيهي Theme Parc على غرار ديزني لاند بمواصفات عالمية عالية تواكب النظريات الحديثة للترفيه، بالاضافة الى مشروع مجمع للفنون الجميلة مع مسارح ومقاه (قرية الفنون) في منطقة بيروت الكبرى. وجاء اختيار المشاريع الثلاثة في مناطق مختلفة لخلق تنمية سياحية اقتصادية في عدة مناطق من لبنان وليس في بيروت حصراً. كذلك لا بد من استثمار مطار رينيه معوض كما مطار رياق، وهذان المطاران يمكن تحويلهما الى مطارات تخدم لبنان والدول المجاورة.

ان العبرة اليوم هي في السرعة بتحقيق ذلك، فقد سبقتنا كل الدول في تعزيز إمكانياتها لاقتناص حصة من السوق العالمي في مجال سياحة الاعمال، علماً ان الفوائد التي سيجنيها لبنان من تطوير هذا القطاع عديدة ومنها انها تسهم في زيادة أعداد السياح، مما يزيد حصة لبنان من الدخل السياحي، تفتح فرص الاستثمار، تنشط الاعمال التجارية وأعمال وكلاء السياحة والسفر وشركات الطيران والفنادق والمطاعم وحتى شركات النقل، تكون فرصة للتعريف بإمكانات لبنان وإعطاء الصورة الحقيقية، وتشغل قطاعا كبيرا من المهتمين في تنظيم المؤتمرات والمعارض وتوفر فرص عمل.

والأهم انه في حين تعمد باقي الدول العربية الى تمويل المشاريع السياحية الضخمة، نستطيع أن ننفذ المشاريع التي تقدمنا بها من خلال القطاع الخاص، وبالتالي نوفر صيغة شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين في ظل عجز الدول عن تمويل أي مشاريع حيوية في الوقت الراهن، وبالتالي لن تتكبد الدولة أية أعباء مالية جراء تنفيذ هذه المشاريع. 

لقد آن الأوان لتحقيق قصص نجاح حقيقية، يستحقها لبنان ويستحقها المواطن اللبناني الذي أُنهـــك بكمّ من الفرص الـــضائعة التي كانت من الممكن ان توفر له حياة أفضل، والمطـــلوب اليـــوم اقتناص الفرص ســـريعاً في قـطاع سياحة الاعمال.