عهد مبارك.. «30» سنة احتكاراً وتوريثاً

تاريخ النشر: 27 نوفمبر 2011 - 12:16 GMT
أوضحت الدراسة أنه مع تولي الرئيس السابق مبارك قيادة البلاد، كان أبرز ملامح المرحلة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً هو تنفيذ سياسة الاحتكار والتوريث في كافه المجالات المختلفة
أوضحت الدراسة أنه مع تولي الرئيس السابق مبارك قيادة البلاد، كان أبرز ملامح المرحلة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً هو تنفيذ سياسة الاحتكار والتوريث في كافه المجالات المختلفة

كشفت دراسة حديثة أعدها الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي ومدير المركز الاقتصادي المصري بدار الهلال (أراك) عن أن التوريث في مصر كان ممنهجاً وتسلل إلى جميع نواحي الحياة.

وأشارت الدراسة التي حملت عنوان «الاحتكار والتوريث في ثلث قرن» إلى أنَّ التوريث بدأ في المجال الاقتصاديى بعد حرب أكتوبر1973 والانتصار على العدو الإسرائيلي وتحول مصر اقتصادياً من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، وذلك تنفيذاً لسياسة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في ذلك الوقت والراغب في عمل الانفتاح الاقتصادي.

وأوضحت الدراسة أنه مع تولي الرئيس السابق مبارك قيادة البلاد في 14-10-1981 وحتى تنحيه وخلعه عن الحكم يوم الجمعة الموافق 11-2-2011 ، أي طوال 30 سنة أو ما يقارب 10950يوماً تغير مسار الاقتصاد المصري تماماً، وكان أبرز ملامح المرحلة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً هو تنفيذ سياسة الاحتكار والتوريث في كافه المجالات المختلفة.

ورصدت الدراسة مظاهر الاحتكار والتوريث في المجال السياسي، حيث إنَّ معظم الدوائر الانتخابية سواء لمجلس الشعب أو لمجلس الشورى هي لأسماء بعينها تتربع على عرش هذه الدوائر سواء حكومة أو معارضة أو مستقلة، ولذلك نجد أن هناك وجوهاً سياسية قد جاوزت (الثلاثين عاماً) في الحياة السياسية دون أن تتحرك قيد أنملة، ومن هذه الوجوه كمال الشاذلي في دائرة الباجور بالمنوفية والدكتور مصطفى السعيد في دائرة الشرقية وعبدالرحيم الغول في دائرة قنا والدكتور يوسف والي في دائرة الفيوم والدكتور حمدي السيد في مصر الجديدة وياسين سراج الدين (حتى وفاته) في دائرة قصر النيل ومصطفى كامل مراد (حتى وفاته) في دائرة مصر القديمة وخالد محيي الدين (حتى اعتزاله) في دائرة كفر شكر والدكتور يوسف بطرس غالي (حتى هروبه) في دائرة المعهد الفني شبرا وعبدالرحمن راضي في روض الفرج ومحمد محمد الجويلي في شبرا حتى مرضه وأحمد طه (حتى وفاته) في الساحل وسيد رستم في دائرة الساحل حتى مرضه والدكتور فتحي السرور (السيدة زينب) حتى حبسه ونوال عامر (حتى وفاتها) في السيدة وفايدة كامل في الخليفة.

وأكدت الدراسة أن الحياة السياسية تم احتكارها، وكذلك تم توريثها بعد ذلك، فنجد أن معظم أعضاء مجالس الشعب والشورى والمحليات قد قاموا بتوريث الكراسي إلى أبنائهم في ذات الدوائر. وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي أشارت الدراسة إلى أن التوريث في المجال الاقتصادي كان على أشده، وكذلك الاحتكار، حيث أصبحت جميع جمعيات المستثمرين أو جمعيات رجال الأعمال أو جمعيات مستثمري المناطق الصناعية حكراً لأسماء بعينها وذلك حتى وفاتها أيضاً، أو اعتزالها، فنجد أسماء معينة مثل محمد فريد خميس (العاشر من رمضان) وسعيد الطويل (جمعية رجال الأعمال) وعادل جزارين (اتحاد الصناعات) وحسين صبور (جمعية المستثمرين) ومحمد جنيدي (مدينه 6 أكتوبر). وأكدت أن بعض الذين احتكروا الوظائف القيادية كانوا على مستوى المسؤولين والمهنيين مثل الدكتور عادل جزارين رئيس مجلس إدارة شركة النصر للسيارات من (1984-1996)، حتى في مجالات الرياضة فنجد أن صالح سليم كان رئيساً للنادي الأهلي حتى توفاه الله ثم حسن حمدي منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وكذلك في بقية الأندية الرياضية فإن الاحتكار هو السمة الغالبة وكذلك التوريث للمهنة.

وقال د. جودة في دراسته: كذلك كان هناك احتكار لكل مهنة فنجد مثلا في مهنة مثل (المحاسبة) نجد أن على رأس المحتكرين حازم حسن المحاسب القانوني وصاحب مؤسسة حازم حسن للمحاسبة وكيل مؤسسه (k.p.m.G ) للمحاسبة في مصر وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال وعضو مجلس إدارة هيئه الرقابة المالية ورئيس جمعية المحاسبة والمراجعة المصرية وهذا يتعارض مع كونه صاحب مصلحة في السوق المهني لأنه في ذات الوقت محاسب قانوني يقوم بمراجعة القوائم المالية والميزانيات العمومية لمعظم الشركات ومعظم المحاسبين، ثم يقوم بالمراجعة عليهم بصفته عضو مجلس إدارة في البنك المركزي وهيئة سوق المال وهيئة الرقابة المالية وغيرها، ولذلك قام بصفته «المحتكر الأكبر» مع بعض من كبار المهنة والمعاونين له- ولا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة- بعمل قوائم في جميع الجهات الفاعلة في شارع المال، فقام بعمل جداول في كل من البنك المركزي المصري وجميع البنوك، والهيئة العامة لسوق المال وهيئة الرقابة المالية وهيئة الرقابة على التأمين وهيئة التمويل العقاري.

وتابع د. جودة: وهذه القوائم عبارة عن قوائم تم إعدادها بمعرفه حازم حسن هو وجميع العاملين في مؤسسات (حازم حسن) و (أحمد شوقي) و (عبدالعزيز حجازي)، وهذه القوائم تكون بشروط مجحفة، ولا يتم تسجيل أي محاسب في هذه القوائم إلا بعد موافقة الجهة الإدارية أو على الأقل بتوصية منه، وهذا يخالف دستورية القوانين لأنه بذلك يجعل هناك تفرقة بين المحاسبين ذوي المكانة المهنية الواحدة، وكان الأجدى أن تكون هناك معايير موضوعية مثل الحصول على درجة مراجعة الشركات المساهمة مثلاً أو مراجعة شركات الأفراد مثلاً أو غير ذلك من الدرجات المهنية بدلاً من احتكار السوق.

وأشارت الدراسة إلى أن 90% من البنوك يقوم بمراجعتها فقط عدد محدود على أصابع اليد من السادة المحاسبين وإذا كان القانون يمنع أن يستمر أي مراقب حسابات أكثر من 3 سنوات في مراجعة الشركة أو المؤسسة أو البنك ما كان يظهر هذا الفساد الاقتصادي الذي أدى إلى انهيار معظم البنوك في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي فنجد أن مجموعة كبيرة من البنوك قد تم إفلاسها وكذلك تم إدماجها سواء في بنوك أخرى أو مع بعضها البعض، مثل بنك التجاريين تم دمجه في البنك الأهلي، وبنك مصر إكستريور تم دمجه في بنك مصر، وبنك النيل وبنك المتحد والبنك الإسلامي للاستثمار والتنمية (تم دمجها مع بعض باسم المصرف المتحد).

وأوصت الدراسة بإلغاء الجداول بالجهات الإدارية مثل البنك المركزي وهيئة سوق المال وهيئة الرقابة المالية وهيئة الرقابة على التأمين وهيئة التمويل العقاري وجعل اختيار المحاسب للجمعية العمومية لأي شركة أو مؤسسة، بالإضافة إلى تعديل القانون بأن لا تكون هناك علاقة بين أي شركة أو بنك وبين أي مراقب حسابات لأكثر من 3 سنوات سواء المحاسب أو من يعاونه من خلال استمارة التأمينات الاجتماعية.. مشددة على ضرورة أن تكون هناك دورات تدريبية للمحاسبين ومعاونيهم في تخصصات مختلفة في سوق المال، وذلك عن طريق المعهد المحاسبي أوالمعهد المصرفي.

وأوضحت الدراسة أن التوريث امتد للوظائف في مجالات القضاء وهيئات التدريس بالجامعات ووزارة الإعلام والشرطة، مؤكدة أن كل وزارة أو هيئة أو سلطة تقوم بوضع القوانين الخاصة بها، وذلك حتى يتم التوريث للأبناء وذلك حتى لا يكون هناك أي امتعاض أو استهجان لعملية التوريث السياسية من مبارك الأب إلى مبارك الابن وهذه الجريمة التي تم ارتكابها على مدار العقود الثلاثة الماضية كان من نتائجها أن جميع الوظائف القيادية في معظم المجالات قد تم توريثها مما ساعد على الإحباط لدى أصحاب الحق الحقيقي، وهذا كله كان من نتائجه هجرة معظم العقول الفذة إلى الخارج حتى تجد لها فرصة في العمل والنبوغ والتفوق وهذا ما جعل دور مصر يتراجع في جميع المجالات فنجد أن مصر لم تندرج ضمن أفضل 500جامعة في العالم رغم وجود 3جامعات لإسرائيل وجامعتين لجنوب إفريقيا، كما تراجع دورها السياسي ولم تصبح مصر الدولة المحورية بالمنطقة كما كانت من قبل، بل تقدمت دول أخرى بالمنطقة. وأكدت الدراسة تراجع دور مصر الإفريقي بعد أن كانت مصر هي القبلة لجميع الدول الإفريقية والتي يحج إليها زعماء الدول الأفارقة كلهم، واستمرت مصر طوال عقدين من الزمان (1955- 1975) هي التي تتم استشارتها في انتخابات وتعيين الرؤساء الأفارقة ورؤساء الوزراء والوزراء الأفارقة حتى أنه عند بناء السد العالي ووضع حجر الأساس له في عام 1960 كان رئيس أثيوبيا مشاركاً في الاحتفال، وكذلك معظم رؤساء الدول الإفريقية وعلى المستوى الإعلامي نجد أن دور مصر الإعلامي والريادي قد تراجع بشكل رهيب، فبعد أن كانت مصر الدولة الأولى بالمنطقة العربية والإفريقية في الإعلام، حيث إن الإذاعة المصرية الحكومية قد تم تدشينها في (31-5-1934) والتليفزيون المصري تم افتتاحه في (21-7-1960) أي منذ حوالي أكثر من نصف قرن وكانت السينما المصرية تساهم بالمصدر الثاني للدخل في الموازنة العامة للدوله بعد القطن الذي كان يعد المصدر الأول، كما أن اللغة العربية واللهجة المصرية كانت سفير مصر لجميع الدول العربية والدول الإفريقية، وكانت السياحة جزء كبير منها يحضر لمصر كي يرى ما تعرضه الأفلام المصرية، وكذلك لمقابلة الفنانين المصريين والتعليم في الأكاديميات والجامعات المصرية.

وقال د. جوده: ولكن نجد أنَّه خلال العقد الأخير من حكم الرئيس السابق قد تراجع دور مصر الإاعلامي بسبب سياسات التوريث التي قام بها القائم على الإعلام خلال ربع قرن والمحبوس حالياً في سجن طره (صفوت الشريف)، ونجد أنَّ مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون والذي يعمل فيه حوالي 42000 موظف من كافه الفئات الوظيفة ما هو إلا عبارة عن 10عائلات فقط تقوم باحتكار الوظائف الأساسية سواء الإعلامية أو الإدارية أو الأمنية.

وتناولت الدراسة أوجه التوريث في مجال الثقافة حتى أن أبناء الكتاب والسيناريست مثل محمود أبوزيد ومصطفى محرم وعائلة الإبياري نجد أن أبناءهم مرة واحدة قد أصابهم النبوغ، وذلك في إعادة قصص الآباء فقط ولم يظهر عليهم النبوغ في كتابه قصص أخرى، وفي الفن نجد أن معظم الفنانين خلال العقد الأخير من حكم الرئيس السابق هم أبناء فنانين، فنجد رانيا فريد شوقي ورانيا محمود يس ودينا سمير غانم وإيمي سمير غانم ومنة شلبي وأبناء الفنان محمود عبدالعزيز وأبناء الفنان عادل إمام وأبناء الفنان نور الشريف وهيثم أحمد زكى.

وأضاف: وهذا أدى إلى تردى أوضاع الفن، حتى نجد الدراما السورية والتركية قد غزت الوطن العربي، بل غزت مصر ذاتها وتحول المُشاهد العربي عن الدراما المصرية إلى غيرها حتى أنَّه خلال العشر سنوات الماضية نجد أنَّ جميع المسلسلات التي يقوم اتحاد الإذاعة والتليفزيون بإنتاجها وكذلك قطاع الإنتاج وكذلك مدينة الإنتاج الإعلامي خلال شهر رمضان والتي كانت تحقق مكاسب صامتة لمصر لا تقل عن 400-450 مليون جنيه خلال شهر رمضان فقط، فنجد أن هذه المسلسلات خلال السنوات الماضية تحقق لمصر خسائر، ولايتم التوزيع كما كان على جميع القنوات الفضائية العربية وكذلك على التليفزيون العربي وإنما تقوم مصر بتوزيع هذه المسلسلات على قنوات الدراما المملوكة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، محققة بذلك خسائر، وهذا يرجع إلى سياسة التوريث التى تم إيجادها فى مجالات الفن.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن