ملاحم وطنية غنائية جعلته حديث المثقفين!

تاريخ النشر: 17 مايو 2007 - 07:46 GMT

كالملح في الطعام ، يفرض المغني الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، الشهير بـ "شعبولا"، نفسه دائما على الساحة السياسية والفنية، فمنذ بدأ حربه الفنية الوطنية التي انطلقت من محطته الشهيرة "أنا باكره إسرائيل"، وما صاحبها من انتشار واسع ـ ربما أكثر في ساحات الأفراح والملاهي الليلية ـ وهو يتحين الأحداث السياسية التي تشهدها مصر .
أما آخر ملاحمه الغنائية الوطنية فقد اختار "شعبولا" أن تكون من حظ الرئيس المصري محمد حسني مبارك وتحمل عنوان "الريس" ، كتبها له مؤلفه الخاص إسلام خليل، ويستعد لتصويرها على حسابه الخاص .

وتقول كلمات الأغنية الجديدة التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية : "عيد سعيد يا ريس - يا وش الخير والنصر - ربنا يحميك ودايما - تعلي اسم مصر ـ إييييه .. وقتك ضايع في شغلك مبتحسبش الساعات ـ دايما شباب ودايما همة وكل نشاط، علشان انت إنسان كويس من كل الناس محبوب .. رمز السلام يا ريس وبتكره الحروب.. ايييه" .

فقبل نحو شهرين أطلق أغنية جديدة عن التعديلات الدستورية ، وتحث كلمات الأغنية، التي سجلها شعبولا في أقل من 24 ساعة، المصريين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم إما بنعم أو لا على التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان المصري مؤخراً .

وقد تداولتها كثير من القنوات الفضائيات وأخرجت لها فيديو كليب ، ومن قبل هذه الملحمة تفاعل "شعبولا" أيضا مع مشاعر المسلمين حين دعا لمقاطعة الدنمارك من خلال أغنيته "خلصنا الصبر كله " على خلفية نشر الرسوم التي تسيء للنبي الكريم ، كما تعرض في بعض الأغاني إلى قضايا ومشاكل مصرية ومنها حوادث القطارات، وغنى أيضا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام الماضي .

وتعكس جماهيرية المطرب الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم المتصاعدة مقابل ذبول أو موت دور المثقف العربى نتيجه تواكب الأول مع الأحداث الاقليمية والدولية التى تمر بها المنطقة العربية ، مقابل تراجع دور الأخر مدى الفراغ الذى خلفه غياب المثقف العربى عن ممارسة دوره السياسى والاجتماعى وانكفاءه على أحاديث النخب الضيقة دون تفاعل مع الحدث جماهيريا والذى ربما يكون مرجعه خوفا من السلطات التى تبطش بمعارضيها الضعفاء ،وتخشى مواجهة أصحاب الجماهيرية الكبيرة فى الشارع كشعبان عبد الرحيم مثلا،وربما السبب ما يمكن توصيفه ب " نرجسية " المثقف العربى ،وتعاليه على الجمهور ظنا منه أنهم دهماء وهو ما أدى إلى تنامى ظاهرة شعبان عبد الرحيم فى الشارع كونها تخاطب القاعدة وتغازل أحيانا النخبة عكس ما يقوم النرجسيون العرب فى المشهد الثقافى العربى الراهن من ادوار هزلية تفتقد الى التأثير الجماهيري ،وتبدو الإشكالية اللافتة فى شخصية شعبان عبد الرحيم انه لم ينل حظا من التعليم والثقافة مثل أدعياء التنوير الجدد فهو باعترافه "مكوجي" لايجيد القراءة اوالكتابة وابن بلد يمتلك حسا وطنيا فطريا بدون فلسفة كاذبة أو رتوش .

فالرجل ليس خريج الجامعة الأمريكية، أو كامبريدج أو السربون، او حصد عشرات الجوائز من "الشللية الثقافية "لكنه يحاول توصيل رسالة الفن بشكل بسيط بعيدا عن التعقيدات واللغة الجامدة التى يستخدمها المثقفون الجدد تحت شعار الحداثة ويقابلها المتلقى وكأنها لوحات فن سريالى عصية على الفهم والتذوق فى المحيط العربى .

ويتجلى نجاح "شعبولا" فيما فشل فيه المثقف العربى انه عبر قضايا الأمة وأوجاعها بطريقة تلقائية نادرة وبشجاعة افتقد إليها المثقفون فلم نر مثقفا من أصحاب الياقات البيضاء والشعر "المنكوش "يجاهر علنا بكراهية إسرائيل أويتخذ موقفا عدائيا ضد الدولة العبرية مخالفا الموقف الرسمى ويردد الجمهور ما قال مثل أغنية "بحب عمرو موسى وباكره إسرائيل" التي نالت شعبية جارفة ، وفي المقابل لم نر مثقفا تصدى بنفس الفاعلية لتجاوزات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام بنفس الرؤية التى كان بها شعبان عبد الرحيم حيث قال مخاطبا البابا بندكت السادس عشر :
أنا عندى عتاب بجد لـ بابا الفاتيكان
من غير ما أضايق حد ولا حد يكون زعلان
المسلم والمسيحى والكل زعلانين
عشان ماكنش ينفع تهين المسلمين
إسلامنا دين محبة إسلامنا دين سماح
وما انتشرش أبداً بالسيف ولا بالسلاح
الناس مش ناقصة فتنة الناس عاوزين أمان
وكفاية الدنيا ولعة على يد الأمريكان
رسومات تهين نبينا والسنة والقرآن
وكل يوم إهانة من ناس ليهم سكان
دينا مش دين عداوة وما تفتروش عليه
واللى حصل فى قانا وفى غزة اسمه إيه
فى مصر الكل عايش وحاسس بالأمان
الجرس ليه احترامه المدنه والأدان
رسولنا ماكانش دموى ولا كان خبيث النية
وماكانش عنده نووى وقنابل عنقودية
كان يهودى تمللى بيرمى زبالته جاره
ولما كان تعبان سأل عليه وزاره
المسلم والمسيحى فى كل شئ صحاب
بصراحة ماكنش لازم تتهور فى الخطاب

القمة العربية
وعندما حاولت تونس تأجيل القمة العربية فى مارس 2004 ولم يتحرك المثقفون فى تحريك الشارع ضد التأجيل غنى شعبان معاتبا تونس على التأجيل أغنية "يا عم عربي اصحى" دلالة على ما يحيط بالعرب من ضغوط سياسية ثم انعقدت القمة فى وقت لاحق ،وكان حريصا على توظيف الأحداث السياسية الساخنة وتقديمها في شكل غنائي .

فمَن يُلقِ نظرة على قائمة أغاني " شعبولا " في السنوات الخمس الأخيرة يجد عناوينها أقرب للمنشورات السياسية وتعكس وعيا كبيرا ـ رغم لغتها الركيكة ـ بالقضايا القومية ، ولعل أشهرها كما أسلفنا أغنية "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، مرورا بـ"الضرب بالعراق" و"أمريكا" "و"عناوين الأخبار"، وأغنيته خلال انتخابات الرئاسة المصرية العام الماضى والتى كان عنوانها "مبحبش الكراسي" حيث اعتبرها مواطنون إعلانا برفض الجلوس على عرش مصر من خلال خوض الانتخابات الرئاسية ،وكان حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذى يعيش الشعب اللبنانى تداعياتها الآن فرصة ليحوله إلى عمل غنائي حيث نجح فى توصيل الأزمة اللبنانية والمصالح الدولية الى القاعدة العريضة فى الشارع المصرى وهو ما عجز عنه أيضا المثقفون العرب

ضد اسرائيل
وتميز شعبان فى رفض الممارسات الاسرائيلية فى الأرض المحتلة عبر الغناء الشعبى منها أغنيته التي ندد فيها برئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت خاصة المقطع الذي يقول: "شارون ارتحنا منه وجالنا أولمرت اللي أسخم منه" مما دفع السفارة الإسرائيلية بالقاهرة لتقديم مذكرة اعتراض شديدة اللهجة إلى وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ، تطالب فيها بوقف عرض الأغنية وسحب الألبوم من الأسواق فوراً.

وحذرت في مذكّرتها من أن موافقة الجهات الرقابية فى مصر على مثل هذه الأغاني قد يحدث توتراً في العلاقات المصرية - الإسرائيلية وهو انزعاج أبدته إسرائيل ربما لم تبده من كتابات كبار المثقفين العرب. وتقول كلمات الأغنية "كام ألف مرة احذر.. من إسرائيل كلها. فاكرني كنت بهزر أهي بانت علي أصلها. قالوا في العراق كيماوي.. الكل قال أمين. أهي كترت البلاوي.. أفضل أفهم في مين. شارون ارتحنا منه.. وقلنا هنلاقي حل. طلع اللي بعد منه. طلع اسخم واضل. زعلان علي لبنان وع البيت اللي اضرب وعلي فلسطين كمان.. راح فين صوت العرب". وقبلها هاجم كلا من الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون واعتبرهما وجهين لعملة واحدة في أغنية "الصورة والكتابة" التي أحدثت رواجًا كبيرً ،نشرت صحيفة "معاريف "الاسرائيلية وقتها تقريرا صحفيا عن ظاهرة شعبان عبد الرحيم وتأثيراتها الخطيرة على إمكانية مد جسور التطبيع مع الشارع العربى

إساءة الدنمارك
وعندما أثيرت قضية الرسوم الكاريكاتورية كان شعبان أكثر فاعلية من المثقفين العرب لم نر شاعر كتب قصيدة رددها الجمهور أو احتفظ بها طلاب الجامعات من باب أنها مقتنيات ثمينة ، وتدخل شعبان وغنى ضد حكومة الدنمارك وشجع على مقاطعتها تجاريا قائلا
لو يقرا عن محمد.. ها يعرف هو مينْ

رسول الإنسانية.. الصادق الأمينْ
دنمارك إيه يا عالم.. حتى بتوع العجولْ
مين دول علشان يقولوا كلام على الرسولْ
ها أقول ومش راح أسكت.. والناس ها تقول
معايا عايزين مقاطعة شاملة.. وبرضه مش كفاية
لو كل الناس هاتسكت.. فيه رب اسمه الحسيبْ

وفى الوقت الذى غاب فيه المثقف العربى عن ممارسة دوره التنويري بالتحذير من أنفلونزا الطيور غنى شعبان داعيا المولى عز وجل رفع البلاء قائلا: "يارب استرها علينا.. يارحمن يا غفور قال يعني كانت ناقصة أنفلونزا الطيور.. من غير ما ألف وأدور للناس حاقولها.. أنفلونزا الطيور، خدوا بالكوا منها.. خد بالك من الفراخ لو جالها يوم زكام.. وفضي العشة خالص من البط والحمام.. لو شفت وزة دايخة.. خد بالك منها.. أو امسك التليفون وبلغ عنها.. لو عندك طير مريض من فضلك سلمه.. أو حطه في التراب وافحتلوا واردمه.. لو كلت فراخ مريضة.. صدقني ح تتنفي.. كلها يومين تلاتة والمرض يختفي.. الريش متمسكهوش وتمللي اغسل إيديك .. والفرخة ما تاكلهاش إلا بعد ما تتغلي.. هيييييه".

أين الخلل
وبعد المقارنة السالفة بين دور شعبان عبد الرحيم وأصحاب الياقات البيضاء فى التواصل الجماهيرى مع قضايا الساعة يبدو سر تفوق "المكوجى" ثقافيا ، بساطة كلماته وصدقيتها فى مواجهة القضايا السياسية والآفات الاجتماعية كما في شريطه "هابطل السجاير" الذي غنى فيه لأول مرة مواجها ظاهرة تزايد الإنفاق الأسرى على التدخين ،كما حرص على زيارة المعتقلين فى المناسبات وهتف السجناء باسمه والتقطوا الصور التذكارية معه داخل سجن وادي النطرون بالبحيرة صائحين في صوت واحد "حبيبنا شعبولا" وتحول السجن إلي مسرح غنائي ومكان متميزا لتقديم فقرات فنية وترفيهية وهو ما لم يفعله كبار المثقفين ربما لأنهم يدركون عدم وجود قاعدة جماهيرية لهم فى الشارع .

ومن غرائب الوضع الراهن أن هؤلاء المثقفين فاقدو التأثير الجماهيري والنخبوي يصرون على أن "شعبولا" هبط بالذوق العام وأنه مجرد "صعلوك" يغنى لأبناء المناطق الشعبية و سائقي سيارات الأجرة والميكروباص ولا يستحق عضوية نقابة الموسيقيين المصريين، فترى هل يتحمل شعبان مسئولية توعية المثقف العربي الجهبذ بأهمية دوره الثقافي في توصيل قضايا الوطن إلى ابن الشارع البسط بدون نرجسية !
 
عن محيط ـ عبد الوهاب إبراهيم