معرض جديد للفنان محمد الطلاوي بعنوان.. رؤية تشكيلية لسيرة الملك سيف بن ذي يزن .

تاريخ النشر: 30 يوليو 2005 - 08:29 GMT

افتتح الدكتور أحمد نوار قبل أسبوع تقريباً معرضاً جديداً للفنان محمد الطلاوي بقاعة راتب صديق بأتيليه القاهرة، وذلك تحت عنوان رؤية تشكيلية لسيرة الملك سيف بن ذي يزن .


والمعرض الذي يضم حوالي ثلاثين لوحة مختلفة الأحجام يحاول تجسيداً رمزيا مركباً لعالم السيرة الشعبية سواء كان ذلك فيما يتعلق بمفردة النيل التي تدعي السيرة أنها اكتشفته ثم أجرت ماءه، وكذلك الأمر بالنسبة لأبطال السيرة سواء كانوا من رموز الخير أو الشر.
ويعتبر انحياز محمد الطلاوي فريداً ومتميزاً بين الفنانين التشكيليين الذين يلازمهم حس عام بالانتساب إلي واقع غير متحقق وأكثر قرباً من الواقع الأوروبي. هذا الحس النخبوي ـ  الذي ربما لا يكون صحيحاً في جوهره، هو الذي يبدو غريباً لدي الطلاوي فإن التشكيل في عالم الفولكلور والمفردة الشعبية لإعادة الاعتبار لها وإعادة إحياء دلالاتها يُعد سبقاً سوف يكون الطلاوي علي رأسه.
و بداخل المعرض التقينا بعض الفنانين الذين أبدوا بعض الأراء التي تري أهمية خاصة لمثل هذا الاتجاه.
فقد قال الفنان محسن شعلان أن تراثنا العربي بما يحويه من ثراء التفاصيل وبعد الخيال وسحر الغيبيات كان سلاحا للفنان التشكيلي في هذا المعرض، وهو ما جعل الطلاوي ينطلق إلي اطر واسعة وغير محددة مسبقاً.
أما الدكتور يسري العزب فقال: انتزعني المعرض من أنقاض الحرب، حيث ترتفع شامة إلي أعالي المجد الذي سيكون، وأضاف أن ريشة الطلاوي منحت الألوان روحاً جديدة أعادت إلينا قيما أصيلة مثل الفروسية والنخوة والشهامة والنبل والوحدة ورفض الهزيمة.
كذلك قال الفنان عمر جهان: بعد مشاهدة المعرض زادت حيرتي، حيث تبدو اللوحة باحثة عن قانون للتشكيل في هذه السيرة. ولا يجب هنا أن نكتفي بالوصف والتلخيص، حيث تذهب اللوحة إلي أبعد من ذلك، تذهب إلي هناك حيث السحر.
أما التشكيلي مجاهد العزب فقال: إن ثمة مشكلة تقف بيني وبين محاولة الفهم أولها الاقتراب من الكاريكاتورية الواضحة، وآخرها الزحام البصري، وتقاطعات لا تخدم العمل الفني بشكل كامل رغم موهبة محمد الطلاوي الواضحة التي تسير دون طنطنة.
أما الناقد التشكيلي كمال الجويلي فقال: إن اهتمام الطلاوي بالقصص الشعبي يعكس قناعة كاملة بإبداعه ومجاله القديم الجديد من خلال الخيال العريض الخصب المتجدد والمعرفة العريضة بتاريخ تلك الأساطير والاقتراب الشديد منها إلي حد أن الفنان استطاع أن يخرج إلينا بتلك الرؤي الفانتازية المحلقة والتي استطاع من خلالها ان يوقظ مخيلة الزائر المتأمل.
أما الشاعر مسعود شومان فقال إنه حين تذوب الألوان في الأسطورة معلنة عن عودة سيرة من اهم سيرنا الشعبية تتكسر الموتيفات ليُعاد تجميعها في لوحة ليست كما في نصها المكتوب وإنما برؤية عميقة، وحس باللون والشخوص حينها يتحول السر في شفويته إلي حكايات لونية يُعاد إنتاجها بشكل جديد، طازج، متميز .. مؤكداً علي الأصالة وعمق التجربة، ومعلناً بقوة ما الأسد إلا مجموعة خـــراف مهضومة وما هذا الفن إلا عصارة مصرية تتوهج كل مرة.
وعلي هامش المعرض التقينا الفنان محمد الطلاوي في حوار سريع عن معرضه الجديد.. وسألناه:
ـ ما هي الدوافع الحقيقية التي تقف وراء اختيارك لهذه السيرة الشعبية سيف بن ذي يزن لتقدم من خلالها معرضك الجديد؟
ـ دائما أبحث عن العمل الفني التشكيلي المتميز في إطار من المرجعية الفكرية، لذلك وجدت التراث مرجعاً أساسياً، وقد قدمت قبل ذلك معرض وجوه الفيوم، وهو يحاكي وجوه الفيوم القديمة، ولكن عبر رؤية معاصرة، بعد مرر 2000 عام علي الوجوه القديمة التاريخية. وبعد ذلك بثلاث سنوات قدمت رؤية جديدة لوجوه الفيوم عبر تكسير وتفتيت لهذه الوجوه وإعادة تشكيل ملامحها مرة أخري عام 2003 وهو كان يتزامن مع غزو العراق وتغيرات العالم كله لا سيما تغيرات العالم العربي.
كذلك كان البحث عن موضوع جدي يحمل خصوصية تراثية وتجربة جديدة مع الفن الشعبي الذي استطعت عبره أن أكتشف أسلوباً جديداً ومحاولة لتطوير مفرداته ووحداته وطرحه بخصوصية.
ـ وكيف تصرفت فنياً في شخوص السيرة لتستطيع نقلها في لوحات؟
ـ بعد أن فرغت من قراءة السيرة انتقلت إلي مرحلة جديدة. فكان الطرح المباشر يدور حول شخوص السيرة بمسماهم كما وردوا في النص، أما التصرف بالمعني الفني فكان فيما يخدم الناحية التشكيلية بدون المساس بالعمل الأدبي.
فليست مهمتي إعادة النظر في العمل الأدبي وليس هذا مقصدي طبعاً، ربما كنت مهموماً بأن لا أقرأ العمل كما تقرؤه الرسوم التراثية.
ـ وما هي أهم الملامح التي ترصدها في اختياراتك للثيمة الفنية للمعرض؟
ـ رغم أن السيرة مليئة بالقتل والدماء إلا أنني قررت منذ البداية أن لا يكون هناك بقعة دماء واحدة في كل اللوحات، ولا يعني وجود دماء وسيوف وقتل داخل السيرة أن ينتقل الأمر برمته إلي العمل الفني، بل تحول ذلك إلي بحور ومياه كما يبدو في مشهد النيل داخل لوحات المعرض.
والسيرة من بدايتها إلي نهايتها تعالج عملية إعادة جريان النيل الذي يبدو في اللوحات وكأنه يشق الأرض لأول مرة.
ـ وكيف استفدت من الفن والتراث الشعبيين في هذه اللوحات؟
ـ استخداماتي للثيمة الشعبية كان فيها نوع من التصرف، كما يبدو في استخدام مفردة الهلال، عبر التعشيق والمط، كذلك استخدامات الكــــف في أكثر من موضع ليس كما تعودنا عليه في الفن الشعبي، مثل رسم الخمسة وخميسة وكذا السيف والشامات والعصافير وكل العلامات. كما حرصت علي وجود روح تاريخية مصرية ممتدة من العصر الفرعوني حتي اللحظة الراهنة.
ـ حدثني عن بداياتك.. كيف نشأت علاقتك بالفن؟
ـ بدأت منذ الصغر علاقتي بالفن منذ الطفولة، كنت فناناً بالفطرة مثل كل الأطفال الذين لا يجدون من يأخذهم إلي طريق الفن. واستمرت الرحلة وكنت دائماً منتصراً للفنان في دالي. فقد التحقت بكلية الطيران ثم تركتها من أجل الفن ثم التحقت بكلية التربية الفنــية وتزامن مع ذلك الحراك العام والبحث والتعلم ومحاولة البحث عن خصوصية، وقد تعلمت من كثير في رحلتي. لا سيما من أساتذتي لكلية التربية الفنية.
وقد عرضت وأنا طالب أعمالي مع رابطة خريجي الفنون الجميلة والتربية الفنية بسبب تفوقي المبكر. وبعد ان تخرجت بدأت في عرض أعمالي فعرضت في الفيوم حيث أعيش، وشــــاركت في معارض فردية وجماعية وسافـــرت بعد ذلك إلي السعودية وعرضت هناك في عدة معارض جماعية، وعرضت بعد ذلك في القاهرة والفيوم.
وهذا المعرض يعد تتويجاً لرحلة طويلة أدين فيها للوزير فاروق حسني وأحمد نزار، وجميع الفنانين الذين شاركوا في معرض من القلب بالأتيليه وقد شارك 74 فناناً بلوحتين ونذروا بيع اللوحات لرحلة علاجي وفي الحقيقة لا أستطيع إلا أن أعتبر كل هؤلاء شركاء في نجاحي.
ولا اعتقد أن حياتي في الفيوم جعلتني أخسر شيئاً فقد كنت أتواجد يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع ولكن قلّ هذا الحضور بعد ظروفي المرضية ولا أظن أنني تخلفت عن زملائي في شيء وقد كنت أقوم بتصميم أغلفة كتب لعدة جهات في القاهرة مثل أغلفة كتب مركز الحضارة وسلسلة أدب الحرب في هيئة الكتاب.
والفنان محمد الطلاوي من مواليد 1956 وهو عضو نقابة التشكيليين وأقام عدداً من المعارض الخاصة والجماعية منذ بداية الثمانينيات بين القاهرة والفيوم والسعودية وبعــــض الأقاليم المصرية، وكان أهم معارضه هو معرض وجوه الفيوم وهي وجـــــوه تختلف عن وجوه الفيوم القديمة التي يقـــول عنها إنها رسمت لموتي يحلمون بالخلود في الحياة الأخري.
أما وجوه الفيوم التي رسمها مع بدايات عام 2000 فهي لأحياء حاصرتهم هموم الواقع وإحباطاته فأصبحوا لا يمتلكون حتي ترف الحلم.(صحيفة القدس العربي)

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن