يستجمع هذا الكتاب مختلف تفاصيل محاكمة تيسير علوني الصحافي في قناة «الجزيرة الفضائية»، الذي يحمل الجنسيتين السورية والإسبانية
وبذل محرر الكتاب حسب صحيفة البيان ، الحقوقي الجزائري إبراهيم التاوتي، جهداً متميزاً في ترجمة تقرير الخبراء الدوليين في محاكمة علوني، حيث ضمّ فريق الخبراء إثني عشر خبيراً، اسهموا في أكبر مهمات المراقبة القضائية كماً ونوعاً وتنوعاً من خلال قضية محاكمة علوني في القضاء الإسباني، والنتيجة هي كتاب وثائقي مهم يسعى إلى تفنيد دعاوى الإدعاء والمحكمة الوطنية الإسبانية في اتهام تيسير علوني بالتعاون مع منظمة إرهابية.
وكان القضاء الإسباني قد أصدر يوم 26 من سبتمبر/أيلول 2005 حكماً بالسجن سبع سنوات مع غرامة مالية على تيسير علوني الذي مثل أمام المحكمة الوطنية الإسبانية في التهمة الوحيدة الموجهة إليه
وهي إجراء «مقابلة صحافية» مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لصالح قناة الجزيرة عام 2001 حين كان يعمل مراسلاً للقناة في أفغانستان. واعتبرت العديد من منظمات حقوق الإنسان قضية علوني قضية رأي وضحية من ضحايا «الحرب على الإرهاب».
وأثارت محاكمته أسئلة حول حرية الصحافة في العالم بأسره، كما أثار الحكم الصادر بحقه أسئلة حول شعارات الديمقراطية التي طالما تغنت بها الحكومات الأوروبية وعزفت على أوتارها.
وذهب البعض في اعتبار أن الحكم على علوني يشكك في نزاهة القضاء الإسباني، وأن الاعتبارات السياسية الخارجية والداخلية قد ألقت بظلالها على هذه القضية، فضلاً عن أن الحكم عليه يشكل تحولاً في مسار حرية الصحافة العالمية.
ويمكن من خلال قراءة الكتاب / الوثيقة متابعة الشريط الخفي بين ضرورة احتكار الإعلام، وبالتالي لوي عنق قناة الجزيرة، وتأميم عالمية حقوق الإنسان لصالح قراءة غربية مختزلة لها، حيث نعثر على عمل حقوقي.
يفكك المنهج الأمني المتبع في التعامل مع ملفات الإرهاب، ويظهر النتائج الكارثية للقوانين الاستثنائية على الديمقراطية وكرامة الشعوب في الشمال كما في الجنوب، ويسجل ضربة فكرية وقانونية وأخلاقية مهمة ضد من يحارب منذ سنوات من أجل عولمة حالة الطوارئ، وضرب المكتسبات الحقوقية باسم الديمقراطية المستوردة على ظهور دبابات العمليات العسكرية والأسلحة النظيفة.
ويغطي الكتاب لوحة واسعة، تبدأ بالسياق الشخصي لتيسير علوني، نشأته وعمله، ثم نشاطاته العملية، والمخاطر المهنية التي تعرض لها أثناء تغطيته الصحافية في مناطق النزاع المسلح.
ثم ينتقل الكتاب إلى الإطار القانوني، فيعرض للقانون الإسباني العام، والتشريع الجنائي، والنظام القضائي الإسباني، وبعدها يبحث في الإجراءات المتبعة قبل المحاكمة العلنية، والتي تتضمن إجراءات الشرطة القضائية، وإجراءات التحقيق القضائي، والكيفية التي جرى وفقها اختتام ملف التحقيق واتهام تيسير علوني.
كما يتناول المحاكمة عبر مختلف مراحل سيرها، ليصل إلى الحكم الفاصل في القضية.
وفي النهاية يخرج الكتاب بجملة من التوصيات وملاحق تتضمن مجموعة وثائق خاصة بالقضية، إلى جانب ترجمة لوقائع بعض جلسات المحاكمة.
ولا شك في أن محاولة إثبات تهم الإرهاب للإعلامي تيسير علوني أخذت الوقت الطويل، مع جهود واسعة وفرها الادعاء العام الاسباني في واحدة من أكبر «محاكمات الحرب على الإرهاب» .
كما أسماها القاضي الإسباني «غارثون»، الذي دخل الإعلام محاكماً لديكتاتور تشيلي «بينوشيه»، وخرج من الباب الصغير في محاكمة الخلية السورية الإسبانية.
ويرى مقدم الكتاب هيثم مناع أن المحاكمة اتخذت طابعاً سياسياً بدلاً من الطابع القضائي، وأن القوانين الاستثنائية تحكمت بالمناخ الذي ساد جو المحاكمة وبقراراتها، وكذلك غلّب القضاة الأهداف الأمنية على أحكام العدالة، بالرغم من عدم وجود خطر عام محدق أو ظروف استثنائية يمكن أن تبرر انتهاكات حقوق الإنسان.
ويبدو أن الصراع سيبقى بين العدالة واغتيال العدالة أو وأدها، حيث يبيّن الكتاب جانباً أساسياً من جوانب تعميم العسف في قوانين مكافحة الإرهاب واستعمال القوانين الجنائية الأساسية لمكافحته، وإعطاء دور مركزي لعناصر ذاتية على حساب عناصر موضوعية ومادية قابلة للمرقبة.
وعليه لم تتوفر في المحكمة الإسبانية شروط المحاكمة العادلة، إذ كانت عناصر الاتهام ركيكة وغير متماسكة، ولم تراع المحكمة أن الادعاء العام الإسباني قد سحب التهم الموجهة ضد تيسير علوني.
كما أن إرسال مبلغ أربعمئة دولار من علوني إلى أخيه المسمى أمير علوني، ليس إرهاباً، ولا يشكل دليلاً على اتصاله بأسامة بن لادن، وإنه عار على الادعاء العام أن يربط بين اسم أمير وبين هذا الاسم بالمعنى السياسي عند جماعة القاعدة، إذ ان اسم أمير معناه قائد مجموعة من القاعدة.
ومن بين عناصر الاتهام الركيكة أن علوني استضاف أصدقاء له في دار له في برشلونة، ومثل هذه الاستضافة تتفق مع تقاليد الضيافة والخلق لصفة اشتهر بها العرب، إذ عيب على العربي الذي لا يقوم باستضافته الزائرين، والزائر هو المتفضل.
وحسب رأي علوني فإن مقابلة أسامة بن لادن هو واجب إعلامي يتفرد به الإعلامي الجيد ولا يعني شيئا غير هذا.
وهناك قلة من الإعلاميين الذين نجحوا في مقابلة أسامة بن لادن، ولم يجر ملاحقة أي واحد منهم، ولم يتهموا بالإرهاب، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح في هذا المجال لماذا اتهم تيسير علوني؟
وهناك نقطة أساسية تتلخص في أن علوني موظف في فضائية الجزيرة، وهو يعمل من أجل مصالحها ووفق قراراتها وضمن خطتها الإعلامية المرسومة.
فإذا كانت هناك أي تهمة أو مسألة قانونية، فيجب أن توجه إلى المدير العام لفضائية الجزيرة كشخصية اعتبارية قانونية، إذ لا يجوز مساءلة الموظف عن عمل نفذ بحكم وظيفته وبأمر من رب العمل.
وكان على المحكمة الإسبانية حسب محامي الدفاع أن تتأكد من صحة ترجمة الوثائق من العربية إلى الاسبانية، أو ترجمة أي شيء دخل في ملف القضية، وعليها إن تأكدت أن هذه الترجمة بعيدة عن الحقيقة والواقع فيجب إهدارها كلياً ولا يؤخذ بها كشهادة أو دليل إثبات يكون في صالح غير مصلحة المتهم.
ويجمع محامو الدفاع على أن معظم التراجم في هذه القضية كانت غير صحيحة بالمطلق، بل أن هناك ثغرات واسعة في المحاكمة لمسوها أثناء إعادة التحقيق القضائي، ولم ينجح رئيس المحكمة في سد هذه الثغرات، إذ كان يفسح المجال بقبول أسئلة محامي المتهمين.
وقد تكون بعض الأسئلة في غير صالح موكليهم، وكان هذا واضحاً خاصة بالنسبة للذين يملكون خبرة عشرات السنيين في المرافعات السياسية الجنائية مما جعل القرار الاتهامي هو الآخر يتخبط.
ويبدو أن هناك ترابطاً عضوياً بين الاتجاه الإعلامي السياسي في عالم اليوم وبين نتائج المرافعات عندما يكون القضاء غير متماسك وغير قوي ويتأثر بالمحيط، ففي هذه الأيام هناك انحسار في قوة الزخم بتعبئة إعلامية موجهة ضد المتهمين على اعتبارهم إرهابيين حسب المفهوم الأميركي خلطاً للأوراق بين أعمال إعلامية اعتيادية وبين تهمة الإرهاب، سيما .
وأن تعريف الإرهاب لم يتفق عليه دولياً حتى في أيامنا هذه، فالعسكري الإسرائيلي المحتل يلتحف بدعم الدول الكبرى ولا تدينه الشرعية الدولية، بل تؤازره قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
في حين أن الفلسطيني الذي يقتل بدبابات الاحتلال وتكسر عظامه ويحارب في لقمة عيشه يعتبر شخصاً إرهابياً لأنه يقاوم المحتل. فأية عدالة هذه التي تزيّف المفاهيم والقيم وفق مصالح القوة العظمى وحلفائها
وأيا يكن الأمر، فإنه يتوجب على العدالة أن تنجح في إقناع أصحاب المصلحة الحقيقية، أي المهتمين بقرارها القضائي، بأن المحكمة فوق الميول وفوق الاتجاهات.
وأن مبدأ فصل السلطات قائم ومتواجد، وأنها لا تحقق عدالة إذا سيست القضية. لكن المؤسف أن العكس هو ما حصل في قضية محاكمة تيسير علوني. فأين العدالة عندما يربط القاضي بين ما يعتقد شخصياً، سواء بتأثير إعلامي أو قناعة سياسية.
وبين العمل الذي أتى به المتهم ووقف من أجله في قفص الاتهام لتجري محاكمته. في حين ان المطلوب هو أن يكون القضاء شفافاً، إذ لا يمكن للقاضي أن يصبح عادلاً إذا كان مصاباً بغشاوة في الرؤيا، في اللون، أو العنصر، أو الدين، لأن عيون القاضي يجب أن تكون عيوناً محايدة، ترى العدالة، ولا يرى القاضي من خلالها غير العدالة هدفاً، بعد أن يتفهم الواقع، ويناقش الأدلة التي ترتفع إلى مستوى الإدانة.
وبالتالي عليه أن يهدر الأدلة المصنعة أو التراجم الخاطئة، ويبتعد عن الربط بين اسم أمير ورتبة أمير في جيش بن لادن.
هذا لا يعني الظفر بمحاكمة أفلاطونية، بل محاكمة واقعية، عادلة، تنسجم وتنطبق مع القوانين الدولية والمحلية، وتفصل بين الحق والباطل، أي بين أدلة غير واقعية وبين الحقيقة، لكي تتمكن من تطبيق القانون بيد العدالة بالمطلق.