ما معنى أن يكون الشخص حازما ؟

تاريخ النشر: 11 مايو 2005 - 06:22 GMT

 

تكلم.. كي تكون أكثر حزما

 

 

لنبدأ بتعريف عدم الحزم . الحزم لا يعني العدائية . والسلوك الحازم ليس عدوانيا ولا توبيخيا ولا تهديديا ولا قاسيا ولا تهكميا . الحزم يختلف عن العدوانية ، فأنت بالدفاع عن نفسك وإثبات وجودك لا تعتدي على حقوق الآخرين . الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة ، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم .

 

الحزم هو تعبير صادق ومناسب عن شعور الشخص وآرائه واحتياجاته ، وينم عن احترام الذات الإيجابي وعن رؤية الذات بصورة أفضل .

 

أدوار الذكر والأنثى والحزم

 

 تقول الدكتورة ليندا تيلمان ، أخصائية علم النفس لا زالت تربيتنا تدعم سلوك الرجل العدواني وسلوك المرأة الاستسلامي . وعليه ، فالرجال الذين يخشون الكلام بحزم قد يلجؤون  إلى التعبير عن ما يريدون بصورة عدوانية ، والنساء اللواتي يخشين الكلام بحزم قد يتخلين عن رغباتهن لإرضاء الآخرين . أنظر ، مثلا ، إلى الزوجة التي لا تدافع عن نفسها في وجه المهانات التي توجهها إليها شقيقة زوجها لأنها تعرف مقدار اهتمام زوجها وحرصه على الوفاق العائلي . هذه الزوجة تتحمل الاستخفاف وتضحي بمصلحتها الشخصية  حرصا منها على مصلحة زوجها وإرضائه .

 

لماذا لا يدافع الناس عن أنفسهم ؟

 

تقول الدكتورة تيلمان : تنشأ معظم أساليب حياتنا الشخصية ونحن حديثي السن . إذا كان والداك قاسيين ومسيطرين على كل شيء ، فقد تكون شعرت بالضعف أثناء طفولتك لدرجة أنك  الآن تخشى أن تتكلم بحزم . إذا كان والداك علّماك أن حسن الأخلاق تقتضي أن تهتم بالآخرين لا بنفسك ، فقد تكون تشعر الآن أن طلبك ما تريد ليس تصرفا مقبولا .

 

طالع أية مجلة نسائية معروفة ، تجد دائما إمرأة تسأل كيف تستطيع الحصول على ما تريد من زوجها في الفراش . ويكون الجواب عادة : " لا تخافي أن تطلبي ببساطة الشيء الذي تريدنه . "  مع هذا الكثيرات من النساء يخفن أن يطلبن ما يردن ، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بالجنس . كانت تربية معظم النساء تحتم عليهن أن يكن  "بنات طيبات" لا يجوز لهن ليس فقط الحديث عن الجنس ، بل وحتى التفكير فيه .هذا يخلق عند الكثيرات من النساء الشعور بعدم الرضا وبالإحباط في علاقاتهن الجنسية .

 

تقول الدكتورة تيلمان أن الحزم وقلة احترام الذات أمران مرتبطان ببعضهما . قلة احترام الذات تؤثر على التفاعل مع الغير بطريقتين مختلفتين : الشخص (سواء رجل أو إمرأة) الغير راض عن نفسه يتعذر عليه الشعور بالثقة اللازمة للتعبير عن نفسه . كما أن الشخص (رجل أو إمرأة) القليل الاحترام لذاته قد يكون عدوانيا – على شاكلة ما ورد في رواية الأطفال الخيالية على لسان ساحر بلاد أووز(Wizard of Oz)   ، وهو يقول "أنا أووز العظيم " ، يقول هذا وهو في الواقع ليس إلا طفلا صغيرا يرجف خوفا .  

 

إليك مثلا مديرة الدائرة التي باستمرار تخاطب أعضاء الدائرة بقساوة ، حتى لدرجة أنها تقول لهم "أغبياء"  وتقف فوق رؤوسهم وهم يقومون بتصحيح شيء ما .  مرؤوسوها يعرفون أنها مصابة بالإحباط لآنها لم ترفّع  إلى المستوى الإداري الذي يلي رتبتها ، ويعرفون أيضا سبب عدم ترفيعها . مديرة الدائرة هذه تعتقد أنها تكون حازمة وهي تعبر عن شعورها بصدق ، إلا أنها تخاف الاعتراف لنفسها أن سلوكها هي نفسها هو الذي يعيق ترقيتها وليس أداء دائرتها .

 

علاوة على ذلك ، يتجنب الناس الحزم خشية أن يغضبوا الآخرين فيصبحوا غير محبوبين . إلا أن عدم الحزم يجعلك تشعر أن الآخرين يستغلونك وهذا يحملك على إزدراء نفسك . مثلا ، عدم طلبك زيادة الراتب التي تريدها ، لأنه يصعب عليك طلب النقود ، لا  يجعلك تسخط على نفسك فحسب بل يجعلك تشعر أن مستقبلك المالي ليس بيدك . قد يصل بك الأمر لدرجة أن تقول لنفسك إنه لو كان روساؤك يقدرونك لأخذوا هم المبادرة بإعطائك زيادة في الراتب ، وهذا ما يؤدي بك إلى المزيد من الشك في نفسك وبقدراتك . باختصار ، هذه الحلقة من عدم احترام النفس تجعلك تشعر بأنك ضحية عاجزة من ضحايا آجرك (صاحب العمل) .

 

علاوة على ذلك إذا كنت أنت لا تدرك أن سلوكك غير حازم ، فالآخرون بالتاكيد يدركون ذلك . السلوك اللاحازم يلحق الضرر بوظيفتك ، لأن لا أحد يعاملك بجدية أو يحمل قدراتك على محمل الجد . مثلا ، إذا سمحت للآخرين بمقاطعتك باستمرار أثناء كلامك في اجتماعات الموظفين ، قد يفهم من هم أعلى منك رتبة أن تصرفك غير الحازم هذا ينم عن ضعف مقدراتك  بغض النظر عن كفاءتك الفعلية .

 

الـضـعـف

تقول الدكتورة تيلمان إن إحدى الطرق غير الشفوية التي بها تقوم النساء ، عن غير وعيّ منهن ، بنقل ضعفهن إلى الآخرين هي أنهن يرفعن نبرة صوتهن في نهاية الجملة . تطير كلماتهن وكأن شيئا ما يسحبها إلى أعلى . الجملة التي من المفروض أن تكون جملة إخبارية تصبح نبرتها نبرة سؤال فتجعل السامع يعتقد أن المتكلمة ليست متأكدة مما تقوله .

 

كلنا سمعنا بعض الناس يفعلون ذلك ، مما يجعلهم يبدون غير متأكدين من أنفسسهم ويجردهم من مصداقيتهم . هل أنت أيضا تفعل الشيء نفسه ؟ إن كان الأمر كذلك ، كيف تستطسع الاقلاع عنه ؟

 

كي يبدو كلامك قويا وحازما ، إبذل جهدك لخفض نبرة الصوت في آخر الجملة كما لو كان أمامك قائد جوقة يؤشر بخفض الصوت . تقول الدكتورة تيلمان إن هذا التغيير البسيط اللاشفوي يحدث تغييرا ضخما في وقع الكلام على السامع .

 

ما هي الأشياء الأخرى التي تفعلها النساء فتقوّض قوتهن ؟ غالبا ما تبدأ المرأة الجملة بالقول " أنا آسفة ... ولكنني لا أتفق معك " . تقول الدكتورة يلمان إن الاعتذار الذي لا لزوم له هو في الواقع دليل شفوي على ضعف داخلي في المتكلمة  . هي في الواقع تقول " آسفة لأنني لدي فكرة ما ، ولكنني على أي حال أود أن أشركك بها " . وهذا يجرد الجملة من الجزء الأكبر من مفعوله .

 

كيف يتم تغيير هذا التصرف؟

 

تنصح الدكتورة تيلمان بعدم الاعتذار إلا عندما تكون قد ارتكبت خطأ . إذا دلقت القهوة في حجر أحد ما ، وجب عليك من قبيل اللياقة أن تقول " أنا آسف " .

 

كيف تصبح أكثر حزما ؟

 

1.    كوّن لنفسك مجموعة قيم ومعتقدات ، الأمر الذي يمكنك من إثبات وجودك . بمعنى آخر ، إسمح لنفسك أن تغضب وأن ترفض وأن تطلب المساعدة وأن ترتكب الأخطاء . تجنب استعمال الأسئلة المبتذلة (مثل ، الطقس حقا حار اليوم، أليس كذلك ؟) ، والكلام التنصلي (مثل ، قد أكون مخطئا ، ولكن ...)، والجمل الإخبارية بصيغة سؤال (مثل، ألا تغلق الباب ؟) . كل هذه الصيغ تقلل من وقع الكلام التوكيدي الحزم .

2.    قاوم الاستسلام للمقاطعة إلى أن تكمل التعبير عن أفكارك . ( بدلا من الاستسلام قل : إنتظر قليلا . لم أنهي كلامي بعد ) .

3.    أقلع عن تصرفات تقييد الذات ، مثل كثرة الابتسام ، وكثرة الإيماء بالرأس ، وإمالة الرأس ، وغض البصر إلى أسفل عندما يحملق بك أحد .

4.    عندما ترفض كن حازما برفضك ، واشرح أسباب رفضك ولكن لا تفرط بالاعتذار

5.    استعمل عبارات " أنا أريد"  أو  "أنا أشعر " . قدّر مواقف الآخرين وشعورهم ، ولكن أتبع كلامك بقول يعني أنك تدافع عن حقوقك .  فتقول مثلا: " أنا أعرف أنك كذا وكذا ، ولكنني أشعر ... كذا وكذا "

6.    استعمل كلمة  "أنا"  (هذا الاستعمال يفيد بصورة خاصة في التعبير عن الشعور السلبي) .استعمال "أنا" يساعدك على التركيز على غضبك تركيزا بناء ويجعلك على يقين من مشاعرك الشخصية .  مثلا :

·         فعل شيء ما (هذا تصرف أو سلوك) .

·        التأثير  (نتيجة) .

·        أنا أشعر (هذه مشاعر أو عواطف)

·        تذكر أن تظل تستخدم ضمير المتكلم وتجنب استعمال ضمير المخاطب ، مثل " انت كذا .. .كذا" .

7 . أنظر دوما في عيني من يكلمك ، وكن مسترخيا بجلستك أو وقفتك ، واجعل       

     تعابير وجهك تدل على اقتناعك بما تقوله ، ونبرة صوتك متسقة .

8.     انصت ، وأشعر الآخرين أنك سمعت ما قالوه . إسال أسئلة توضيحية .

9.     تدرب أمام عائلتك  وأصدقائك واطلب منهم إبداء رأيهم بأسلوبك .عالج أولا الأوضاع الأقل إثارة للقلق . استجمع قوتك على الحزم والتوكيد . لا تدع عزيمتك تثبط إذا تصرفت تصرفا غير حازم . حدد أين انحرفت وكيف تستطيع تحسين معالجتك للوضع في المرة القادمة . كافيء نفسك كلما ضغطت على نفسك لتكون حازما ، بغض النظر عن تحقيق أو عدم تحقيق النتائج المرغوبة .

 

تقترح الدكتورة تيلمان استعمال  " التقدير التعاقبي " ، وهو تعبير سيكولوجيّ  يعني محاولة قطع جزء من الطريق في اتجاه الهدف  . مثلا ، إذا كان يتعذر عليك الكلام بحزم ، حاول قول فقرة واحدة بحزم  . وبعد أن تنجز ذلك حاول في الفرصة القادمة قول فقرتين بحزم .

 

كل فرصة تسنح لك لتدريب نفسك تكون في نفس الوقت فرصة تشعر فيها برضا النفس لأنك تكلمت بحزم ، وهذا الشعور يشكل خطوة إلى الأمام في سبيل كسب احترام الذات._(البوابة)