قال باحثون أمريكيون أن الذكاء البشري يعتمد على كمية المادة الرمادية الموجودة في مناطق معينة من الدماغ.
وقال الباحثون في جامعة كاليفورنيا أن معظم الدراسات الحالية الهادفة إلى قياس مستوى الذكاء التي تشمل مسحا بنيويا للدماغ، أظهرت انتشار المناطق المرتبطة بالذكاء في كافة أنحاء الدماغ بدلا من وجود مركز ذكاء واحد مثل الفص الجبهي.
واستخدم العلماء التصوير المغناطيسي، حسب وكالة (يو بي آي) للحصول على المسح البنيوي لأدمغة 47 راشدا، سبقه خضوعهم لاختبارات تحديد نسبة ذكائهم قبل ذلك. كما قاس الباحثون حجم المادة الرمادية في الدماغ قبل مقارنتها بمستويات الذكاء التي حصلوا عليها.
وعلى الرغم من أهمية كمية المادة الرمادية بالنسبة إلى الذكاء، إلا أن الباحثين دهشوا لملاحظتهم أن حوالي 6% فقط من المادة الرمادية في الدماغ تبدو مرتبطة بمستوى الذكاء.
وقالوا أن هذا الأمر يفسر تميز شخص في الرياضيات وعدم تميزه في اللفظ، في حين أن شخصا غيره وبالمستوى ذاته من الذكاء قد يمتلك معكوس هذه القدرات .
ولم تكن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها حيث قال باحثون في بريطانيا سابقا إن مادة رمادية في الدماغ هي التي تتحكم في قدرة الطفل على التعامل مع الرياضيات.
وأوضح الباحثون، وهم من معهد أبحاث صحة الطفل في مستشفى جريت أورمند ستريت بلندن، أنهم لاحظوا نقصا في المادة الرمادية بأدمغة الأطفال ذوي القدرة المحدودة على القيام بالعمليات الحسابية
ويطلق اسم المادة الرمادية على مناطق في الدماغ تتكون أساسا من رؤوس الخلايا العصبية.
وبنى الباحثون دراستهم على ثمانين من الأطفال الخُدَّج، أي الذين ولدوا قبل الموعد المعتاد. وقد قام العلماء بالتقاط صور لأدمغة هؤلاء الأطفال من أجل دراسة التشوهات الخلقية في الجزء اليساري من جدران أدمغتهم.
وكشفت تلك الفحوصات عن الفوارق في كمية المادة الرمادية بين الأطفال الجيدين في العمليات الحسابية ونظرائهم الذين هم خلاف ذلك.
ونبهت الدكتورة إليزابيث آيزاكس، التي قادت فريق الباحثين، إلى أن البحث لا يعني أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل في القيام بعمليات حسابية لهم نفس التشوهات في جدار الدماغ.
ومن جانب آخر، وحول بعض أسرار الدماغ الكثيرة والتي ما زالت مجهولة فقد توصل باحثون ألمان مؤخرا إلى أن الكلمات التي يتحدث بها الإنسان يتم تنظيمها في المناطق الدماغية التي تتعلق بمعناها.
وأوضح الدكتور فريدمان بولفير مولر الأخصائي في جامعة كونستانتس الألمانية أن الكلمات المتعلقة بالحركة مثل الكتابة أو الجري تنظم في القشرة الحركية للدماغ بينما الكلمات المتعلقة بالسمع تكون القشرة السمعية هي المسؤولة عن تنظيمها.
ولاختبار هذه النظرية، درس الباحثون أوضاع تسعة من المتطوعين الذي أصيبوا بالسكتة الدماغية التي أدت إلى إتلاف القشرة الحركية في أدمغتهم، حيث طلب منهم تحديد معاني الكلمات التي كان يدل بعضها على حركة مثل "اكتب" والصور التي كانت تشير إلى أشخاص أو حيوانات.
وأظهرت النتائج أن أداء المتطوعين الذين لم تكن لديهم أي اضطرابات لغوية سابقا في تحديد الكلمات المتعلقة بالصور كان كأداء الناس الأصحاء، إلا أنهم ارتكبوا الكثير من الأخطاء فيما يتعلق بكلمات الحركة.
ومن جانب آخر، اكتشف باحثون مختصون في جامعة هارفارد الأميركية أن الاعتلالات في جزء الدماغ المسؤول عن التعرف على الوجوه وتمييزها قد تلعب دورا في الإصابة بالشيزوفرينيا أو ما يعرف بانفصام الشخصية.
فقد ربطت الدراسات الحديثة بين التمييز الوجهي وجزء من الدماغ يسمى التلفيف المغزلي الذي يقع على فصوص جانبي الدماغ الأيمن والأيسر، حيث يساعد هذا الجزء على معرفة ما يشاهد وتمييز التعبيرات الوجهية للأشخاص التي تعكس ما يشعرون به أو ما يفكرون فيه. وكانت البحوث الأخرى قد أشارت إلى أن مرضى الشيزوفرينيا يواجهون مشكلات في تمييز الوجوه وتعبيراتها، وهو ما يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية المصاحبة للمرض.
وقد استخدم الباحثون تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لتقييم حجم المادة الرمادية في منطقة التلفيف المغزلي في أدمغة المرضى الذين يعانون من نوبات شيزوفرينيا، ثم قارنوها مع أدمغة مرضى آخرين مصابين باضطرابات نفسية مختلفة وأشخاص أصحاء. ولاحظ الباحثون في دراستهم ـ التي نشرتها مجلة أرشيف الطب النفسي العام ـ وجود كمية أقل من المادة الدماغية في منطقة التلفيف المغزلي عند مرضى الشيزوفرينيا بحوالي 11% مقارنة مع غيرهم، وكان هذا النقص واضحا في الجزء الأيسر منه.
وحول مرض انفصام الشخصية بشكل عام وكيفية التعرف عليه أثبت أطباء بريطانيون مختصون في علم النفس أن تقنية التصوير الجديدة التي تم تطويرها للكشف عن مرض الشيزوفرينيا أو ما يعرف بانفصام الشخصية فعالة في التشخيص عن هذا المرض بدقة وبصورة مبكرة، وأظهرت هذه الدراسة أن المرشح الحسي الرئيسي بالمخ يكون أصغر من المعتاد في المرضى الذين يعانون من مرض الفصام حتى خلال المراحل المبكرة للمرض.
وقال الباحثون في معهد الطب النفسي بلندن إن هذه الدراسة تساعد في التشخيص المبكر للمرض وتفسير سبب معاناة المصابين به من التشوش.
وأوضح هؤلاء أن السرير البصري الذي يعتبر مركز النشاط في المخ يستقبل المعلومات عبر الحواس ويمررها بعد ذلك إلى المناطق المتخصصة في المخ لمعالجتها ولكن المصابين بالفصام يجدون صعوبة في استيعاب المعلومات بصورة صحيحة لأن وجود مشكلات في وسائل الاتصال يعطل وصول المعلومات إلى المناطق المطلوبة ويضعف القدرة على ترشيح ومعالجة المعلومات الحيوية اللازمة للتمتع بحياة طبيعية.
ووجد الباحثون بعد تطبيق الطريقة الجديدة القائمة على التصوير بالرنين المغناطيسي على 67 شخصا يعاني 38 منهم من التشوش النفسي لأول مرة أن السرير البصري أصغر حجما لدى المرضى المصابين بالفصام، وهو ما يتوافق مع بحث سابق أظهر وجود تقلص في المادة السنجابية الحية لدى مرضى الفصام في مراحل المرض الأولى.
ويرى العلماء أن الإنذار المبكر قبل إصابة المرضى بالتشوش النفسي سيساعد الأطباء في البدء بعلاج مبكر للمرض وبالتالي تحسين فرص شفائهم.
وأفاد الباحثون في الدراسة التي نشرتها المجلة الأميركية للطب النفسي التي تعنى بالصحة النفسية والذهنية أن الشيزوفرينيا أو الفصام يعتبر من أكثر أشكال الأمراض النفسية الخطيرة شيوعا ولا تزال أسبابه غير معروفة حتى الآن، ولكنه يؤثر على المواد الكيميائية في المخ بسبب وجود صلة بيولوجية تسهل الإصابة بالمرض، وحسب إحصائيات طبية، فإن هذا المرض يصيب 1 % من البشر، ويبدأ غالبا في مرحلة المراهقة المتأخرة وأوائل العشرينات من العمر وتتمثل أعراضه في الإصابة بالهلوسة والتهيؤات، وتوهم سماع أصوات غريبة.
و يصنف مرض الشيزوفرينيا ضمن الأمراض النفسية الناجمة عن فقدان الاتصال مع الواقع سواء الداخلي، أي إدراك الشخص بما يحدث داخل الجسم والعقل، أو الخارجي أي إدراك وإحساس الفرد بمحيطه الخارجي أي المجتمع الذي يعيش فيه.
وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الفرق بين الشيزوفرينيا والاكتئاب هو أن الشيزوفرينيا هو خلل في عملية التفكير وفي السلوك، بينما الاكتئاب هو خلل في مزاج الشخص بصورة رئيسية._(البوابة)