صدور كتاب بعنوان ”جهاد - انتشار وانحسار الإسلام السياسي”

تاريخ النشر: 13 مارس 2005 - 01:22 GMT

صحيفة الوطن السعودية ، صدر كتاب بعنوان "جهاد - انتشار وانحسار الإسلام السياسي" وهو مجمل دراسة قام بها الباحث الفرنسي جيل كيبل الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية بباريس وجامعة (ساينس بو) الشهيرة بفرنسا والمسؤول عن برنامج الدكتوراه عن العالم الإسلامي وله عدة مؤلفات أهمها صدر مؤخرا بالفرنسية وترجم للعربية بعنوان "فتنة- حرب في قلب الإسلام", عن دار الساقي بلبنان.
والكتاب صدر هذا الشهر بالقاهرة ضمن سلسلة كتاب العالم الثالث ترجمة (نبيل سعد) وكان قد صدر بالفرنسية عام 2000 ويعد مرجعا أساسيا في كافة أرجاء العالم وهذا الكتاب الشامل عن الإسلام السياسي الذي انطلق كحركة في السبعينيات حتى أيامنا هذه, وهذه الطبعة المترجمة المزيدة المنقحة ترافق القارئ حتى الأيام التي أعقبت عمليات 11 سبتمبر 2001, والانتفاضة الفلسطينية الثانية.
في الحادي عشر من سبتمبر 2001 اصطدمت طائرتا ركاب أمريكيتان, اختطفهما قراصنة جو, بفارق زمني لا يتعدى بضع دقائق, بالبرجين التوأم لمركز التجارة العالمي في منهاتن مما أدى إلى انهيارهما على قواعدهما وأودى بحياة أكثر من ثلاثة آلاف شخص. في الوقت ذاته اصطدمت طائرة أخرى مختطفة بمبنى البنتاجون, على حين سقطت طائرة رابعة, كانت تستهدف على الأرجح البيت الأبيض, فوق أحد الحقول. لم يحدث أبدا في تاريخ الولايات المتحدة أن تعرضت لهجمة إرهابية بهذه الضخامة؛ أما الهجوم المفاجئ بواسطة قاذفات الطيران الياباني على ميناء بيرل هاربر فقد كان السابقة الوحيدة التي علقت بالذاكرة: مع بعض الاختلاف في أن الذي استهدفه القذف كان قاعدة عسكرية وأن الهجوم تم على جزيرة نائية في المحيط الهادي؛ على حين استهدفت مجزرة الحادي عشر من سبتمبر عن قصد المدنيين, وأصابت أهم رموز الهيمنة الأمريكية: القوة التجارية والمالية والهيمنة العسكرية والهدف الذي لم تتمكن من الوصول إليه, السلطة السياسية. بكشفها المفاجئ لهشاشة الإمبراطورية وبهزها لأسطورة استحالة هزيمتها وبإلقائها بعنف في دائرة الشك ضروب اليقين والمعتقدات الراسخة التي كانت تؤكد انتصار الحضارة الأمريكية منذ القرن العشرين, كانت بمثابة زلزال له نتائج يستحيل حصرها أثارت خشية الكثيرين تكرار حدوثها.
كما أن هجوم 11 سبتمبر جعل الولايات المتحدة تتخذ لنفسها منظورا تاريخيا يشمل مسار التيار الإسلامي عبر الربع الأخير من القرن العشرين. فبعد بضعة أيام شابها التردد, قام قادة الولايات المتحدة بالفعل بتوجيه الاتهام للملياردير السعودي الأصل أسامة بن لادن ومعه نظام طالبان الذي منحه حق اللجوء إلى أفغانستان. ثم في السابع من أكتوبر قام بن لادن, عبر رسالة بثها التلفزيون, دون أن يعلن عن مسؤوليته الشخصية عن الهجوم, بتهنئة نفسه فقد "وفق الله سبحانه وتعالى كوكبة من كواكب الإسلام وطليعة من طلائع الإسلام, فتح الله عليهم فدمروا أمريكا تدميرا". وابتداء من نهاية شهر سبتمبر انطلقت حملة مضادة ضخمة للغاية انتشرت بواسطتها وحدات عسكرية أمريكية وبريطانية حول أفغانستان التي تم توجيه الأمر لنظامها الحاكم بتسليم بن لادن وتم تهديده بإقصائه عن الحكم. من قاعدته في قندهار, جاء رد الملا محمد عمر "أمير المؤمنين" لـ "إمارة أفغانستان الإسلامية" في صورة نداء موجه للمسلمين جميعا في كافة أنحاء العالم للجهاد ضد الولايات المتحدة وحلفائها فور قيامهم بالهجوم. بالنسبة لهؤلاء كان الهدف هو عزل بن لادن وتصفيته مع الذين يقومون على حمايته, على حين كان يسعى نظام طالبان على العكس من ذلك, إلى إشعال العالم الإسلامي تضامنا معه في مواجهة الهجوم الأمريكي.
في نهاية أكتوبر 2001 كانت قذائف الطيران الأمريكي قد سحقت أهدافها ومثلما يفعل لاعبو الشطرنج, بدا أن المسؤولين عن عمليات الحادي عشر من سبتمبر كانوا قد توقعوا الإجراءات الانتقامية ضد نظام طالبان.
كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية وقبل كل شيء استفزازا ذا أبعاد متناهية, أراد, كرد فعل, استثارة عملية قمع هائلة يكون السكان المدنيون الأفغان ضحاياها, ومن ثم استثمار التضامن المنتظر من المسلمين في العالم نحو أشقائهم الذين قتلوا من جراء إلقاء القنابل عليهم بإحداث رد فعل تكون له أبعاد هائلة. شكل الفصل الثاني من العملية, وهي مرحلة القمع التالية على الاستفزاز الذي أخذ شكلا من أشكال نهاية العالم في 11 سبتمبر, شكل لحظة الحقيقة بالنسبة للخصمين, وتبدلت الأدوار: فقد أصبح الفاعل الإرهابي سلبيا, باعتباره هدفا لعملية مطاردة, اتخذ لنفسه دور الضحية؛ أما ضحية الإرهاب فقد أصبح فاعلا ودوره هو دور الجلاد. فإذا تمكنت عملية القمع من التعرف على هدفها بدقة وعزله وتحييده وذلك بالحد, إلى أقصى درجة, من ويلات الحرب وآثارها على السكان المدنيين الذين جرى تحويلهم إلى دروع بشرية على يد الذين يتخفون وسطهم, فلن يكون هناك فصل ثالث. أما إذا خرجت عملية القمع عن السيطرة وضاعفت من أعداد الضحايا المدنيين الذين تشير إليهم اللغة العسكرية بمجاز رهيب "الخسائر الجانبية" فإن الفخ كان سيحكم قبضته معلنا وقوع أحداث الفصل الثالث - أي التضامن؛ إذ سيعمل الفاعل الإرهابي حينذاك على أن يصبح عامل تحفيز لحركة اجتماعية تؤججها مفردات الجهاد ضد الكفار الذين غزوا أرض الإسلام ويعملون في المسلمين تقتيلا.
لذلك كان الهدف الأول بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في الائتلاف المناهض للإرهاب هو عزل الشبكات التي نظمها بن لادن وتدميرها على وجه السرعة, ومعها نظام طالبان بأقل قدر من الخسائر المدنية. على العكس من ذلك أراد هؤلاء التحجج بالهجمة الأمريكية "الكافرة" ضدهم لحث مسلمي العالم أجمع على الدخول في حلقة من التضامن والتشدد المناهض للغرب بما يسهل من استيلاء المناضلين الإسلاميين على السلطة أينما كان ذلك ممكنا, عاكسين بذلك حركة التيار بعد عقد من الزمن, عانوا خلاله فشلا وراء الآخر. والواقع, أنه على العكس مما كانت تتوقعه الرؤية الكارثية المنتشرة في بعض الأوساط الصحافية الغربية وعلى عكس الحماسة الساذجة لمؤيدي الملتحين, تيار الإسلام السياسي لم يعرف كيف يستثمر بعض نجاحات مثيرة حققها في السبعينيات والثمانينيات إلى انتصارات حقيقية عبر العقد الأخير من القرن العشرين. وسنرى من خلال فصول هذا الكتاب, أن العجز المتعاظم للحركة على التعبئة السياسية المستديمة للجماهير التي تؤدي إلى الاستيلاء على السلطة, هو الذي يشرح السبب في أن أطرافها الأكثر راديكالية لجأت إلى أشكال من الإرهاب المثير والمدمر في قلب الإمبراطورية الأمريكية في محاولة مستميتة لعكس مسار التيار المؤدي إلى الانحدار.
ويتطلع هذا الكتاب إلى دراسة الظاهرة الإسلامية في مجملها في العالم أجمع خلال ربع القرن المنصرم: دراسة تطورها وتحركات مكوناتها المختلفة وعلاقاتها مع محيطها - سواء داخل البلاد المعنية في المقام الأول أو داخل مجتمعات ودول الغرب.
يقول الكتاب إنه على عكس توقعات البعض ومخاوف البعض الآخر, لم يحافظ العقد الأخير من القرن على الوعود التي قدمها عقد الثمانينيات منه على نفسه. فعلى الرغم من الأحداث شديدة السخونة التي دفعت إلى مقدمة المسرح الدولي مجموعات متطرفة مثل الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) الجزائرية والطالبان الأفغان أو الذي لم يكن يتوقعه أحد, أسامة بن لادن, تلك الأحداث التي شهدت باريس ونيويورك تتعرض لهجمات مروعة اقترفها ناشطون ينتمون إلى ذلك التيار, لقد بدأ الإسلام السياسي- بصفته تجمعا يضم شرائح اجتماعية مختلفة تضامنت في أيديولوجيا مشتركة - يتفكك, مما عجل بسقوط التجمع كله. العمليات العنيفة والتفكك تسم سنوات التسعينيات بسمة السقوط هذه.
مفجر هذه العملية كان غزو جيش صدام حسين للكويت في أغسطس 1990. لأن سيد العراق بدخوله تلك الحرب ليضع يده على خزينة نقود الكويت بعد أن أفلسته ثماني سنوات من المجابهة مع إيران, كان يعلم أنه يجسد قضية يتوحد معها الكثير من العرب والمسلمين - وبخاصة المعوزين منهم -. الهجوم العراقي فجر بذلك الإجماع الإسلامي الذي نجح في الحفاظ على تماسكه أمام عنفوان الثورة الإيرانية. فقد انقلب الفرع الراديكالي من الحركة وكذلك شباب المدن من الفقراء وهم الذين كانوا يجدون فيها ذواتهم ضد المملكة وضد الشبكات الدولية التي كانت تهيمن عليها؛ هذه الشبكات عادة ما تضم الطبقات المتوسطة المتدينة من مختلف البلاد المسلمة.
إذا التعبئة الإسلامية كانت في وضع "محلك سر" وتحالف المجموعات الاجتماعية الذي أقامته على أمل الاستيلاء على السلطة في سبيله إلى التفكك.
وسنرى نتيجة لهذا التحلل في السنوات التالية ارتفاع أصوات بعض القادة والمفكرين والمثقفين الإسلاميين تنادي بقطع كل علاقة بالكفاح المسلح, باحثة عن المواءمة بين التراث الثقافي الإسلامي والقيم الديمقراطية, في مواجهة تسلط الأنظمة الحاكمة. أمام هذا المأزق السياسي لأحد أكثر المكونات تطرفا في الحركة الذي لا يجد ذاته في المرجعيات الديمقراطية للمعتدلين, يصبح الإرهاب الأكثر إثارة هو أفضل محاولات إطلاق الصراع العنيف في دينامية جديدة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن