يعد شارلي شابلن أعظم وأشهر فنان كوميدي في القرن العشرين، وربما في تاريخ العالم، فقد أصبح بفضل شخصية (المتشرد) التي ابتكرها وطورها في أواسط العقد الثاني من القرن الماضي أكثر شخصية معروفة في تاريخ السينما، ويصف المؤرخ والناقد السينمائي ديفيد تومسون شارلي شابلن بأنه صاحب أشهر (صورة) في القرن العشرين.
وتفوق شهرة شارلي شابلن حد الوصف، فقد كتب عنه أكثر من ألف كتاب ومقال، ترجمت إلى أكثر من 40 لغة، ويقدر عدد مشاهدي كل فيلم من الأفلام التي قدمها بين عامي 1918 و1936 ، وهي من أفلامه الصامتة الطويلة، بأكثر من 300 مليون شخص، ويضاف إلى ذلك آلاف الملايين من الناس الذين شاهدوا أفلامه الأخرى قبل وبعد تلك الفترة.
كان شارلي شابلن فنانا عبقريا متعدد المواهب، فقد كان ممثلا كوميديا قديرا كما كان يخرج أفلامه وينتجها ويكتب قصصها ويقوم بمونتاجها، ولكن ما لا يعرفه كثيرون انه كان أيضا مؤلفا موسيقيا وملحنا موهوبا للأغاني.
نبوغ في الطفولة
ظهرت بوادر النبوغ الكوميدي لشارلي شابلن على المسرح في سن مبكرة حين وجد نفسه في سن الخامسة مرغما على إنقاذ والدته حين فقدت صوتها أثناء الغناء وسط صراخ واستهجان الجمهور، فقدم عرضا فوريا مرتجلا نال استحسان الحاضرين.
وبعد أن قضى شارلي شابلن قرابة 20 عاما من العمل المسرحي قام بمرافقة إحدى الفرق المسرحية البريطانية المتجولة في الولايات المتحدة، ثم انتقل إلى السينما في بداية عهدها وظهر في عدد من الأفلام الأمريكية الكوميدية الصامتة القصيرة في عام 1914 حيث حقق نجاحاً فورياً وأصبح من كبار نجوم الكوميديا في السينما الأميركية وأعلاهم أجراً.
وقام شارلي شابلن بابتكار شخصية (المتشرد) وطورها في سنته الأولى وأضفى عليها أبعاداً إنسانية متعددة بدأت بالشكل التقليدي المتميز للمتشرد بما في ذلك قبعته وعصاه وبنطلونه الواسع وحذاؤه الكبير ومشيته المميزة، كما شملت حركاته الكوميدية السريعة ومغامراته التي تجمع بين القصص الغرامية والمواقف الإنسانية العاطفية المؤثرة والقصص المأساوية الحزينة.
ثم تفرغ شارلي شابلن بسرعة لاخراج أفلامه وانتاجها والقيام ببطولتها وتأليف قصصها ومونتاجها وتوزيعها، وبعد ذلك في تأليف موسيقاها التصويرية وتلحين أغانيها.
واقترنت شخصية المتشرد السينمائية بشخصية شارلي شابلن في أذهان وخيال أجيال عديدة من رواد السينما في جميع أنحاء العالم، واستحوذ على حب وإعجاب آلاف الملايين من الناس بتقديم أعمال سينمائية رفيعة في مستواها الفني، ولكنها أيضا ذات مضمون اجتماعي وانساني حرك مشاعر ووجدان الناس.
وتجمع شخصية (المتشرد) بين السذاجة من ناحية وبين الخبث الذي يصل إلى درجة العبقرية من ناحية أخرى، فقد كان فاشلا في أداء واجباته، ولكنه كان ماكرا في التحايل والعبث والشقاوة والوصول إلى أغراضه.
وعبر شارلي شابلن في أفلامه عن روح وجوهر الفن الكوميدي، وأدرك دائما أن الفن الكوميدي فن جاد في جوهره، فالمتشرد لم يدرك انه شخص هزلي، ولكنه كان يضحك العالم بأسره.
ولما كان شابلن جزءا من السينما في أيامها الأولى فقد نما وتطور مع نموها، فعندما فات عهد (المتشرد) وتحول إلى الأفلام الناطقة كأفلام (الدكتاتور العظيم) و(مسيو فيردو) و(أضواء المسرح) و(ملك في نيويورك) كان ذلك التغيير ضروريا بالنسبة لشابلن وبالنسبة للعصر الذي قدمت فيه أفلامه الناطقة.
دور كبير في تطوير السينما
وقد أسهمت أفلام شارلي شابلن بفصل رئيسي وبالغ الأهمية في تاريخ السينما الأميركية ولعبت دورا
محوريا في التطور الفني للفيلم الأميركي، وشملت روائعه السينمائية الصامتة أفلام (الطفل) و(البحث عن الذهب) و(السيرك) و(أضواء المدينة) و(الأزمنة الحديثة) وتوضع هذه الأفلام في مصاف أفضل ما قدمته السينما في القرن العشرين.
ومن أكبر الدلائل على أثره في صناعة السينما الأميركية أن استوديوهين سينمائيين أعلنا إفلاسهما في فترة العشرات بعد أن ترك شابلن كلا منهما ليعمل مع استوديو آخر، ولعل في ذلك مؤشراً واضحاً على أهمية الدور الذي كانت تلعبه أفلامه في إيرادات تلك الاستوديوهات والشعبية التي كانت تحققها.
وقد تعرض في أوائل فترة الخمسينات لضغوط كبيرة في الولايات المتحدة بسبب ميوله اليسارية، فغادرها في عام 1952 معلنا انه لن يعود إليها أبدا، واستقر فيما بعد في سويسرا حتى مماته.
وقد فاز شابلن بجائزتي أوسكار فخريتين في عامي 1927 و1971 كما فاز بجائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية عن فيلمه الشهير (أضواء المسرح) عام 1972 علما بأن الفيلم من إنتاج عام 1952 ويعزى ذلك إلى أن الفيلم حين عرض في عام 1952 لم يستوف الشروط المطلوبة لتأهيله للترشيح لأنه لم يعرض لمدة أسبوع كامل في إحدى دور السينما بمدينة لوس أنجلوس في ذلك العام، إلا انه استوفى ذلك الشرط بعد 20 عاما، كما منحته الملكة اليزابيث لقب سير في عام 1975.
وقد استخدم الفنانون والنقاد من عبارات الثناء والتبجيل في وصف شابلن أثناء حياته ما لم يستخدم في وصف أي فنان آخر، وقد وصفه الكاتب الشهير بيرنارد شو بأنه (العبقري الوحيد الذي نشأ في السينما) ، وقال عنه المخرج والممثل الكوميدي الشهير مارك سينيت الذي عاصره انه أعظم فنان في التاريخ، كما وصفه المخرج والممثل البريطاني ريتشارد أتينبور الذي أخرج فيلما عنه 1992 بأنه أعظم رجل في تاريخ السينما.
أما الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم السينما فقد أعلنت عندما منحته جائزة الأوسكار الفخرية الثانية عام 1971 أنها تقدم الجائزة له تقديرا للدور الذي يفوق الوصف الذي لعبه في تحويل صنع الأفلام السينمائية إلى النمط الفني المميز لهذا القرن._(البوابة)(مصادر متعددة)