قد يتسال الكثيرون: لماذا يمر الوقت بطيئاً في زمن كورونا.
ابتكر الفيلسوف الفرنسي هنري بيرجسون، فكرة يمكن أن تساعدنا في فهم سبب اختلاف الوقت خلال الوباء. بحسب موقع بي بي سي البريطاني.
وأوضح بيرجسون، أن الوقت له وجهان، الأول ما يُسمى بـ ”الوقت الموضوعي“، وهو وقت الساعات والتقويمات والجداول الزمنية المعتمدة، والثاني ما يسمى ”لا دوري“ أي المدة، وهو ”وقت العيش“، ويمثل وقت تجربتنا الذاتية الداخلية، ألا وهو العيش في وقتنا الخاص.
فعلى سبيل المثال، فإن الوقت الموضوعي بين 3 مساء و4 مساء هو نفسه بين 8 مساء و9 مساء، لكن ضمن ”وقت العيش“ فإذا تم قضاء الفترة الأولى (3 مساء و4 مساء) في الانتظار في عيادة طبيب الأسنان، والثانية (8 مساء و9 مساء) في إحدى الحفلات، فإننا نعلم تماما أن الساعة الأولى ستكون بطيئة، بينما ستمر الثانية بسرعة كبيرة جدا.
وإذا حولنا تركيزنا من ”الوقت الموضوعي“ إلى ”وقت العيش“، يمكننا أن نلمس بأنفسنا الشعور بالغرابة المحيط بنا، خاصة في هذا العام.
فقد بدا للعديد منا، خلال فترة الإغلاق بسبب انتشار ”كورونا“ أن الوقت هو ”المدة“ التي تباطأت، في حين عاد الوقت ليتسارع مجددًا مع بدء انحسار القيود نسبيًا.
ويوضح بيرجسون، أن وصول القطار في لحظة معينة من ”الوقت الموضوعي“ هو نفسه دائمًا، لكن مشاعرنا وذكرياتنا تؤثر على تجربتنا الحالية مع الوقت.
الأشخاص الذين كانوا محظوظين بما يكفي، لعدم اضطرارهم للتعامل مع الآثار السلبية للوباء، ربما ابتدعوا أساليب لمقاومة الوقت، بعضهم استفاد من مبيعات معدات التمرين، التي ارتفعت بشكل حاد، وبدأ البعض بتعلم لغات أخرى، فيما آخرون أخذوا يصنعون الخبز.
لكن الأمر سينتهي بعدد لا يحصى من حصائر اليوغا داخل الخزانات، حيث سنظل نتذكر كيف سئمنا من الاضطرار إلى البقاء في الداخل أثناء فترات الإغلاق، وهو ما سيشكل ”الذكريات الحالية“.
ويكشف الفيلسوف الفرنسي، أن سرعة الوقت ترتبط -أيضا- بالفاعلية البشرية، التي تتأثر دائما بالذكريات الذاتية والمحددة للماضي، وتتشكل كذلك من خلال توقع المستقبل، لذلك ليس مجرد مرور الوقت في الوقت الحاضر هو الذي يفسد، فلقد شوه الوباء أفكارنا عن الماضي والمستقبل بطرق لا يستطيع ”الوقت الموضوعي“ التقاطها.
فإذا نظرنا الآن إلى الماضي، فإننا ندرك أن محاولة تذكر عدد الأشهر بالضبط قبل اندلاع حرائق الغابات الأسترالية، أمر صعب للغاية، ولكنه كان هذا العام وقبل الوباء.
وبالمثل، إذا كنا نتطلع إلى المستقبل، فإن مشاعرنا تجاه فترات زمنية بين الآن والمستقبل مشوهة. متى سنذهب في عطلة؟ كم سيمضي من الوقت قبل أن نرى أحباءنا؟.
نحن نشعر أن الوقت يمر، ولكن نظرا لعدم حدوث أي شيء، فإنه يمر ببطء أكبر بكثير، حيث نبدو وكأننا عالقون في الوقت الحاضر.
وإذا علمنا على وجه اليقين الآن، أن العالم سيعود إلى طبيعته في غضون ثلاثة أشهر، فسوف يمر ما يسمى بـ“المدة“ أو ”وقت العيش“ بسرعة أكبر. ولكن نظرًا لأننا لا نعرف، فإن الوقت يسير ببطء، على الرغم من الأمور قد تعود في النهاية إلى طبيعتها.
لذا، لم يعد لوقت التقويمات، الذي يقيس الأيام والأسابيع وجود بالنسبة لنا، وأصبح الوقت المتصل بفترة الوباء التي نعيشها، هو وقتنا الذي يحدد الزمن.
وإذا قبلنا ادعاء بيرجسون الأكثر إثارة للجدل، بأن ”وقت العيش“ و“الزمن في داخلنا“ هو الوقت الحقيقي فقط، وأن الوقت الموضوعي هو مجرد بناء خارجي مفروض على حياتنا، فيمكن القول، إن الوباء قدّم لكل شخص منا نظرة ثاقبة عن طبيعة الوقت الجوهرية.
إذا فهمتوا شيء.. راجعونا؟